أبعد من الفساد...إقفال دوائر جبل لبنان العقارية لتغيير هوية الأرض

تحت عناوين وأسباب لا ترتقي إلى مستوى النتيجة الكارثية التي ادت اليها، أقفلت الدوائر العقارية في جبل لبنان منذ حوالى العام ونصف العام. وعلى رغم الكلام عن إعادة فتحها، إلا أن التعطيل لا يزال سيد القرار في وقت يتكبد الإقتصاد اللبناني وخزينة الدولة خسائر بآلاف الدولارات يوميا .

أسباب الإقفال كما بات متداولا ترتبط بملاحقات قضائية لعدد من الموظفين على خلفية شبهات فساد بناء على إشارة المحامي العام الإستئنافي في جبل لبنان سامر ليشع. هذا في الظاهر. أما ضمنا فالواضح أن المسألة أكبر من حجم فساد وهي تتعلق بتغيير الديمغرافيا تحت ستارة التعطيل.

70 موظفا في عداد المتهمين "بالفساد وقبض رشاوى" ، 15 منهم صدرت بحقهم مذكرات توقيف غيابية وبالتالي لا يحق لهم العودة لمزاولة عملهم، والمفروض في الحالات الطبيعية أن يسلموا أنفسهم إلى القضاء. لكن الأكيد أن الجهات التي كانت تحمي هؤلاء الموظفين خلال ممارسة"جرائمهم" العقارية من قبض رشاوى وإجراء معاملات بيع غير قانونية، هي التي تولت عملية إخفائهم أو تهريبهم وبالتالي إقفال ملفاتهم إلى غير عودة. وهذا الواقع العائم على الفساد ينطبق على حوالى 56 موظفا كانوا متوارين عن الأنظار بعد تغيبهم عن العمل لأكثر من 15 يوما فاعتبروا بحكم المستقيلين و"يا دار ما دخلك شر".

وصولا إلى الملفات العالقة، تشير الإحصاءات إلى وجود حوالى 80 ألف معاملة عالقة في الدوائر العقارية عدا عن المعاملات التي هي قيد الإنجاز والمقرر أن يبدأ العمل عليها بعد فتح الدوائر العقارية. لكن ما لم ولن يذكره المسؤولون عن التداعيات السلبية، أن الإقفال أدى إلى حرمان سكان محافظة جبل لبنان من تسجيل معاملاتهم وتسديد الرسوم المطلوبة على سعر صرف 1500 ليرة لبنانية مقابل الدولار على غرار ما حصل في الدوائر العقارية للمحافظات الأخرى، وبذلك هم ملزمون في تسديد الرسوم على سعر الصرف الحالي الذي حددته موازنة العام 2024  .

كل هذه الخسائر المتراكمة والتي تقدر بملايين الدولارات في كفة والسبب الحقيقي الذي ينطوي على نوايا وجودية في كفة أخرى. وفي المعلومات بحسب مصادر "المركزية" أن وراء هذا التعطيل خطة ترمي إلى شراء أراضي في قضاء جبيل "بهدف تغيير الهوية العقارية للمنطقة. فمنطقة جبيل كانت للشيعة وستعود إليهم".كما أسرّ احد المسؤولين الحزبيين لصاحب مكتب هندسة.

وتشير أوساط جبيلية إلى أن "القرض الحسن" يقدم التسهيلات المطلوبة في البيوعات التي تتم عند كتاب العدل وفق محاضر"بيع بتّ" على أن يصار إلى تسجيلها في الدوائر العقارية عند إعادة فتحها ومن دون أي تعديل وبذلك تكون الصفقة تمت من دون حسيب ولا رقابة قانونية.

"القرار سياسي وليس قضائيا" يقول رئيس حركة الأرض طلال الدويهي لـ"المركزية" الفساد واقع والمطلوب محاسبة الفاسدين لكن تعطيل العمل في الدوائر العقارية في جبل لبنان حصرا واستمرار العمل في باقي الدوائر العقارية علماً أن محافظة جبل لبنان  تشكل مركز الثقل الاقتصادي، حيث ترتفع أسعار العقارات فيها، مقارنة مع باقي المناطق، مرفوض. وهذا ما يؤشر إلى أن الهدف من تعطيل عمل الدوائر  في جبل لبنان تغيير هوية الأرض".

في ما خص الحلول يشير الدويهي إلى أنها متوافرة " وتكمن في إجراء دورة لحوالى 100 أستاذ يشكلون عبئا على المدارس الرسمية وهي لا تتطلب أكثر من شهرين ، يصار بعدها إلى تعبئة المراكز التي شغرت بفعل توقيف الموظفين المتهمين بالرشوة. لكن المسالة أكبر من ذلك، هناك عقل استراتيجي ضمن الدولة يعمل على خطة التغيير الديمغرافي من خلال تمرير بيوعات تتضمن مخالفات قانونية وتكون لصالح لبنانيين من المكون الشيعي وأجانب من الجنسيتين السورية والفلسطينية.

من المخالفات التي يلقي الدويهي الضوء عليها رفع عامل الإستثمار "مثلا إذا كانت نسبة عامل الإستثمار على عقار تساوي 5 في المئة يصار إلى رفعه إلى 40 في المئة وبذلك ترتفع القيمة من 100 ألف دولار إلى 400 ألف.

في 8 تموز عام 1966 رفع البطريرك بولس بطرس المعوشي كتابا إلى رئيس الجمهورية آنذاك شارل حلو يذكره بضرورة التنبه إلى عمليات بيع الأراضي للأجانب والعودة إلى بروتوكول العام  1846 الموقع بين الدول الأوروبية والحكومة العثمانية ليعالج هذا الموضوع من ناحية انتقالها بين

 العناصر اللبنانية نفسها وليس إلى الأجانب وحسب. وأعاد المعوشي كتابة ما ورد في المادة 12من

 البروتوكول لجهة حماية الأراضي من الإنتقال من طائفة إلى أخرى وجاء في أسبابها الموجبة"إن لبنان

 الذي هو بلد تسكنه طوائف مذهبية مختلفة تستوجب أوضاعه إيجاد توازن دقيق بين هذه الطوائف،

 وهذا التوازن يختل إذا تمكنت إحدى الطوائف من مشترى أراضي الطائفة الأخرى، إذ أن انتقال

 الملكية من الطائفة البائعة يجعلها في حالة استعباد أو يضطرها إلى الهجرة".

ورد ذلك في بروتوكول 1846 ولا يزال حتى اليوم لكن بأوجه مختلفة.ويضيف الدويهي "اليوم هناك ما يعرف ب"عقد بيع ممسوح" ويُنظم لدى كتاب العدل ويسجل لاحقا في الدوائر العقارية. وهذا العقد الذي يتم تمريره اليوم بالتراضي يتضمن الكثير من المخالفات القانونية ومدته لا تزيد عن 3 سنوات. إلا أن التمديد يتجاوز أحيانا مدة 5 سنوات.

نحن أمام تغيير ديمغرافي والحل يبدأ باستعادة السيادة وتحرير المؤسسات والدولة من حكم سلاح الدويلة ويختم الدويهي:" أين المؤتمنون على الدستور والنواب وقادة الأحزاب الذين ينادون بالسيادة والدستور وهما ينتهكان يوميا؟ ما يحصل اليوم سواء في دوائر جبل لبنان العقارية أو مصلحة تسجيل السيارات ليس بسبب الفساد إنما هناك مخطط لتغيير هوية الأرض والحل يبدأ أولا بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قبل أن تتحول حكومة تصريف الأعمال إلى واقع يتم التعامل معه بشكل دستوري".