أساتذة الامتحانات وموظّفوها خسروا معظم مستحقاتهم

بدأ أساتذة وموظفون وعمال المكننة إبلاغ المعنيين بعدم رغبتهم بتسجيل أسمائهم للمشاركة في الامتحانات الرسمية المقبلة، عقب تلقيهم رسائل دفع المستحقات مساء أمس الخميس. فما ارتكبته وزارة التربية بحق أكثر من 1300 موظف وأستاذ وعامل، عملوا في الأعمال الإدارية لإجراء الامتحانات وإصدار نتائجها، أسوأ من "قص الودائع" التي قامت به المصارف اللبنانية للمودعين. إذ وصل الخصم على المستحقات إلى نسبة 80 بالمئة في بعض الحالات، وإلى خمسين بالمئة في أفضل الأحوال.

اقتطاع عشوائي للمستحقات
التزم وزير التربية عباس الحلبي بوعده يوم أمس، وبدأت رسائل دفع المستحقات تصل إلى المعنيين مساءً. لكن لم يعرف كيف تم "قص المستحقات" وعلى أي قاعدة ووفق أي معايير. فقد وصل الأمر بأن تلقى مشرفون ومدققون وعمال مكننة في مراكز التصحيح مبالغ تتراوح بين 30 و80 دولاراً فقط لا غير، عن كل الأعمال التي قاموا بها خلال الامتحانات.

ما حصل في قضية دفع مستحقات الأعمال الإدارية للامتحانات الرسمية السابقة، معيب وغير انساني حتى. فعلى سبيل المثال، وحيال تمنع جزء كبير من أساتذة الثانوي عن المشاركة في الامتحانات بسبب المردود المالي الضئيل، استعانت وزارة التربية بمدققين (المدقق يعمل بعد المصحح الأول والثاني للمسابقات) أتوا من عكار ومن البقاع. ونام هؤلاء في وزارة التربية لأيام بغية تسريع صدور النتائج. لكن اكتشفوا مساء أمس أن كل المبلغ المستحق لهم هو 50 دولاراً، وصل في بعض الحالات إلى 80 دولاراً. حتى أن أحد المدققين تلقى 35 دولاراً فقط لا غير. أما عمال المكننة، وهم بمثابة جيش الامتحانات، الذين طلبت منهم الوزارة العمل ليلاً ونهاراً لنحو أسبوعين، لتسريع صدور نتائج الامتحانات، فتلقوا بدورهم مبالغ ضحلة ومعيبة تقل عن مئة دولار.

وبمعزل عن أن أعمال الامتحانات تمتد لأكثر من أربعة أشهر، لبعض الفئات من الموظفين (بدء من إعداد لوائح الترشيح ووصولاً إلى صدور النتائج)، ثمة أساتذة وموظفون وإداريون وعمال مكننة يعملون ليلاً ونهاراً خلال شهر الامتحانات، ولا سيما خلال أسبوع إجراء الامتحان والأسبوعين التاليين له لإصدار النتائج. وتستدعيهم وزارة التربية للعمل في العطل الرسمية (في حال صودفت عطلة رسمية) وأيام السبت والأحد. وقد استفاق هؤلاء اليوم على رسائل للتوجه إلى شركة تحويل الأموال OMT لقبض مئة دولار أو ما يقل عن هذا المبلغ.

الاقتطاع من مستحقات أكثر من 1300 موظف وأستاذ وعامل، الذي قررته وزارة التربية، كان عشوائياً ولم يعرف أي أحد من المعنيين كيف تم. فلا وزير التربية ولا مدير عام التربية ولا رئيس دائرة الامتحانات شرح لهؤلاء كيف تم الاقتطاع ووفق أي معايير. ففي بعض الحالات، كانت المبالغ التي دفعت مقطوعة ومتساوية للجميع، بمعزل عن عدد جلسات العمل والدوامات. فسواء كانت المستحقات المفترضة للشخص المعني (بحسب عدد الجلسات التي نفذها) تصل إلى 4 آلاف دولار أو تنخفض إلى ألفي دولار تلقى الجميع مبالغ 700 دولار. أي لم تطبق أي قاعدة نسبية لاحتساب الاقتطاع. بينما لفئات وظيفية أخرى، جرى الاقتطاع وفق نسب غير واضحة تراوحت بين 50 و80 بالمئة.

الخديعة والعقاب الجماعي
في المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، تبين أن منظمة اليونيسف رفعت المبلغ المرصود للامتحانات إلى 150 ألف دولار. فقد سبق ورفضت اليونيسف الميزانية التي قدمتها وزارة التربية (نحو 700 ألف دولار) ككلفة للامتحانات وأبلغت المعنيين أنها تستطيع دفع مبلغ مئة ألف دولار منها فقط، بذريعة وجود دوامات عمل مضخمة. لكنها عادت ورفعت المبلغ إلى 150 ألف دولار. فعمل مدير عام التربية ورئيس دائرة الامتحانات على توزيع هذا المبلغ على الموظفين والأساتذة. هكذا بكل بساطة. أي عوضاً عن مراجعة كل أسم باسمه لمعرفة إذا كان الشخص مستحقاً أم لا، ومتلاعباً بالدوامات أم لا، كي يأخذ كل شخص حقه، طبقت وزارة التربية قاعدة "قص الودائع" التي أقدمت عليها المصارف. وعوضاً عن تأمين تمويل لدفع المستحقات من مصادر أخرى، طالما أن اليونيسف لا تريد دفع الكلفة، عاقبت الوزارة الجميع كما لو أن العمل في الامتحانات أفعال جرمية.

بالنتيجة حرم الموظفون والأساتذة المستحقون من أموالهم المستحقة، وتم تكريم المحاسيب والأزلام، من الذين لا عمل لهم في الأساس في الامتحانات وسجلوا أسمائهم بمعية رؤسائهم. علماً أن عدد هؤلاء بالعشرات، من أصل أكثر من 1300 شخص عملوا بالامتحانات. فتعرض الأساتذة والموظفون والعمال إلى خدعة كبيرة. وضربت الوزارة مبدأ العدالة والحق. وأقدمت على هذه الفعلة على اعتاب الاستعدادات للامتحانات الرسمية بعد أقل من شهر.

هل يؤثر هذا الأمر على سير أعمال الامتحانات الحالية؟ الأسبوع المقبل سيكشف حجم الاحتجاج ومدى توسع رقعته وتتضح صورة المقاطعة الممكنة. لكن العديد من الضليعين بالامتحانات يؤكدون بأن أركان وزارة التربية ما كانوا ليقدموا على هذه الخطوة المعيبة، لولا أنهم لا يراهنون على أن الأستاذة والموظفين والإداريين والعمال سيقبلون بأي شيء. فهم يراهنون على أن كثراً سيشاركون في الامتحانات بدلاً من المحتجين الذين سيقاطعون الامتحانات. وهذا معطوف على نظرية سائدة في وزارة التربية في السنوات الأخيرة، تقوم على أن الأساتذة مهانون وخانعون ويقبلون بأي شيء.