أميركا تعاقب قضاة في الجنائية الدولية

يبدو أن قرار المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان بإصداره  مذكرات اعتقال بحق رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه يوآف غالانت وعدد من قادة حركة "حماس" بتهمة "ارتكاب جرائم ضد الإنسانية بدأ يتفاعل داخل الكونغرس الأميركي بين النواب الجمهوريين وزملائهم الديمقراطيين. ويتزامن السجال الحاصل مع دخول الولايات المتحدة معركة الإنتخابات الرئاسية مما سيؤثر حتما على الحملات الإنتخابية ونتائج الإنتخابات. 

أولى الخطوات جاءت من أعضاء في الحزبين الديمقراطي والجمهوري في مجلس النواب، الذين على ما يبدو بدأوا يسابقون الزمن لإصدار مشروع قانون لفرض عقوبات على مسؤولي المحكمة الجنائية الدولية ويأمل أن يمثل رد أعضاء الحزبين في المجلس، عامل ردع لقضاة المحكمة لدفعهم لعدم قبول التهم ضد المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن موقف البيت الأبيض جاء مناقضا. فقد أعلن المتحدث بإسمه إنه لا يؤيد فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية واعتبر أن "هذا النهج غير صائب". 

وزير العدل الأسبق البروفسور ابراهيم نجار وفي قراءة لأبعاد هذه الخطوة ومضاعفاتها وعما إذا كان  يحق اتخاذ عقوبات بحق قضاة دوليين لأسباب سياسية يقول "إن هذا الأمر يعود للقانون الأميركي حتى لو كان مخالفاً للإنتظام العام الدولي وللأعراف الدولية. ويؤكد لـ"المركزية" أنه " يحق لمجلس النواب الأميركي أن يتخذ ما يشاء من القرارات إلا أنها تبقى في نطاق حدود الولايات المتحدة الأميركية وكذلك حدود سريانها أي على ما يتم التعامل به بالدولار الأميركي بواسطة الأنشطة المصرفية الأميركية".

حتى اللحظة لم تُصدر دائرة ما قبل المحاكمة، المؤلفة من ثلاثة قضاة، والمختصة بإصدار مذكرات إلقاء قبض بناءً على طلب المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية أي مذكرة ضد أي مسؤول إسرائيلي أو من حركة "حماس". لكن النية موجودة وهناك إمكانية جدّية بإصدار مذكرات إلقاء قبض، وهذا حتما ما أثار إمتعاض شديد لدى الجانب الإسرائيلي والولايات المتحدة الأميركية. إلا أن إمكانية إبطال القرار غير وارد يقول البروفسور نجار"إنما يمكن اعتبارها غير ذي مفعول خارج الولايات المتحدة الأميركية وخارج الأنشطة في حين تبقى سارية المفعول داخل نطاق تطبيق القانون الأميركي فقط لا غير وهذا ما يُعرف بالمفعول النسبي وليس مفعول مطلق".

في سياق متصل، يشير نجار إلى أن " الولايات المتحدة ليست طرفاً في نظام روما الذي أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الدائمة، وهي لا تعترف بإختصاص هذه المحكمة على عكس محكمة العدل الدولية في لاهاي المنبثقة عن الأمم المتحدة. والحال نفسها بالنسبة إلى إسرائيل إذ أنها ليست طرفاً في نظام روما وبالتالي فهي لا تعترف باختصاص المحكمة الجنائية الدولية  مما سيساعدها  ويمكّنها من القيام بأي خطوة لمنع إصدار مذكرات إلقاء القبض بحق مسؤوليها".

يضيف نجار أن "المحكمة الجنائية الدولية تصدر قرارات أو تطلب ملاحقة أشخاص، لكن إلزامية القرارات لا تشمل كل الدول، وإسرائيل واحدة من هذه الدول غير الملزمة بقرارات هذه المحكمة.في حين ان محكمة لاهاي لها قوة الإلزام لأن إسرائيل والولايات المتحدة أعضاء في الأمم المتحدة".

استاذ القانون الدولي ورئيس منظمة جوستيسيا الحقوقية الدكتور بول مرقص، يشير إلى"أن هذه المحكمة الجنائية الدولية تكون مختصة للنظر في المسألة عندما تكون الأحداث المحالة اليها وقعت على أرض دولة طرف في نظام روما. وبالتالي تبقى مختصة للنظر في الجرائم المرتكبة في غزة، لأن فلسطين، التي أصبحت عام 2015 طرفاً في نظام روما، تعترف باختصاص المحكمة، وذلك بعد أن اكتسبت صفة "دولة مراقب" في الأمم المتحدة عام 2012". 

إلا أن هذه المحكمة لا تملك أية وسائل تمكنها من تنفيذ مذكرة إلقاء القبض الصادرة عنها، فالدول الأعضاء في اتفاقية روما هي التي يتعين عليها التعاون من أجل إلقاء القبض على الأشخاص الصادرة بحقهم هذه المذكرات في حال تواجدهم على أراضيها، وهذه المسألة حساسة ودقيقة على الصعيدين السياسي والدبلوماسي فيما يخص العلاقات بين الدول لأنّه غالباً ما يكون الشخص الصادرة بحقه مذكرة إلقاء قبض مسؤولاً مهمًّا في دولة معينة، وهذا الأمر لا يمكن تجاهله خصوصاً إذا كان المسؤولون الصادرة بحقهم مذكرات إلقاء قبض إسرائيليي الجنسية، وفي حال صدرت المذكرات بحقّهم، من الصعب على الكثير من الدول المعنية أن تتعاون مع المحكمة الجنائية لإلقاء القبض عليهم بإستثناء بعض الدول، ومنها الدول السبع التي تقدّمت بإحالة قضية غزة الى المحكمة، وبعض الدول الأخرى التي أعلنت عن نيّتها بالتعاون كفرنسا وألمانيا والنروج".

عام 2020، اتهمت إدارة الرئيس دونالد ترامب المحكمة الجنائية الدولية بانتهاك السيادة الوطنية للولايات المتحدة عندما سمحت بإجراء تحقيق في جرائم الحرب المرتكبة في أفغانستان. واستهدفت العقوبات موظفي المحكمة، بما في ذلك المدعية العامة السابقة فاتو بنسودا، بتجميد الأصول وحظر السفر. إلا أن بايدن وبعد وقت قصير من توليه منصبه أبطلها مما يؤكد أن الإجراءات المتخذة غير فعالة.

يبقى أن أي تشريع يصدر عن الجمهوريين في الكونغرس الأميركي لفرض عقوبات على أعضاء المحكمة الجنائية الدولية سيبقى حبراً على ورق ولا يمكن أن يصبح قانوناً من دون دعم الرئيس جو بايدن والديمقراطيين الذين يسيطرون على مجلس الشيوخ.

فهل يوقع بايدن المرشح لانتخابات الرئاسة ويرفع من نسبة حظوظه في العودة إلى المكتب البيضاوي أم يمتنع ويسجلها سابقة في تاريخ بلاده؟