أيّ كلفة اقتصادية في مرحلة ترقّب الحرب؟

يشهد لبنان منذ فترة قصيرة ولا سيما بعد أشهر قليلة من بدء الحرب في غزة، انقلاباً في المزاج اللبناني حيال التعامل مع المخاطر المترتبة عن جبهة الإسناد والمشاغلة التي فتحها "حزب الله" على الحدود الجنوبية مع إسرائيل. فبعد أشهر من الترقب والرصد وسط مخاوف متصاعدة من التوسيع التدريجي لقواعد الاشتباك جنوباً، والتي بلغت بلدات وقرى في العمق الجنوبي، وأدّت إلى تهجير وتدمير ممنهج لا تقتصر أضراره على الممتلكات، بل تجاوزها بالاستعمال المتعمّد للفوسفور الأبيض في إطار سياسة الأرض المحروقة، برزت حالة من التكيّف السلبي مع تلك الحالة الشاذة والاستثنائية التي تعكس تناقضاً مخيفاً بين أوصال البلد من الجنوب إلى بيروت وباقي المناطق اللبنانية. هذه الحالة التي تكشفت أكثر مع بدء موسم الصيف الذي كان يُخشى أن تطيحه التهديدات الإسرائيلية المتنامية، دفعت برئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد إلى إثارتها في شكل نافر وسلبي قبل أيام، معبّراً عن حالة الامتعاض لدى الحزب لهذا الانفصام بين من يتعرّض للقتل والتدمير وبين من يرتاد المسابح والملاهي.

وقد بلغ به الأمر أن يهدّد المنتقدين لربط لبنان بغزة، إذ قال "لمن يتنطّح على بعض وسائل التواصل من بعض أبناء بلدنا، للأسف إنّنا ندافع عن إنسانيتكم وندافع عن وطننا الذي يحتضنكم وندافع عن مناطقنا ومناطقكم وندافع ضدّ عدوّ يريد أن يفترسنا ويفترسكم، سواء تعقلتم أم لم تصلوا الى مستوى أن تتعقلوا. ونحن لا نريد منكم تبرّعات ولا معونات ولا مساعدات إعادة إعمار، فنحن أكرم من أن نمدّ أيدينا الى اللئام. لا تمنّونا بأنكم تقبلون العيش معنا، نحن الذين نصبر عليكم، نريدكم أن ترتقوا الى مصاف الناس والشرفاء".

وقد أثار كلام رعد موجة واسعة من الانتقادات، ووضعها البعض في خانة التهديد بالارتداد نحو الداخل بعد الانتهاء من حرب المساندة.

حالة التكيّف لم تزعج الحزب فقط، بل أيضاً تل أبيب التي أيقنت أن نبرة التهديدات العالية وصولاً إلى تهديد مطار رفيق الحريري الدولي، أو توزيع صور لانفجار مرفأ بيروت لم تفعل فعلها في ضرب الموسم السياحي، في الوقت الذي يعاني فيه الإسرائيليون من تراجع في الحركة. وهذا ما يدفع بأوساط اقتصادية لبنانية إلى التخوّف من أن تعمد إسرائيل إلى توجيه ضربة عشوائية ربما، خصوصاً أن الجهود الديبلوماسية الضاغطة في اتجاه خفض التوتر تتزايد.

في المقابل، لا تخفي مصادر سياسية خشيتها من الوقت الضائع المستقطع في انتظار بلورة أي تسوية مرتقبة تؤدي إلى وقف النار في غزة وتالياً في لبنان، مستندة إلى المخاوف التي عبّر عنها رئيس المجلس نبيه بري قبل أيام، عندما تحدّث عن وضع دقيق وحسّاس، كاشفاً أن أمام لبنان شهراً حاسماً. ذلك أن الأسابيع المقبلة سترسم صورة الوضع في رفح ومنه سيرتسم مصير الجبهة مع لبنان.

وفيما السباق على أشدّه بين المساعي الديبلوماسية وبين الحلّ العسكري، لا تقلل المصادر الاقتصادية من كلفة المناخ المتوتر السائد في البلاد على مختلف القطاعات برغم المظاهر التي تخالف هذا المناخ، مشيرة إلى أن الموسم الصيفي لا يزال في بدايته، وأن الأخطار حقيقية ولا تقتصر على حرب نفسية يجري التسويق لها للتخفيف من حدة القلق، معوّلة على نجاح المساعي الجارية للتهدئة قبل أن تدخل البلاد في المحظور، وتختفي عن دائرة الاهتمام الدولي مع بدء العالم الانشغال باستحقاقاته الانتخابية وفي مقدمها الولايات المتحدة الأميركية، علماً بأن أول ملامح هذا الغياب تمثّل في ترحيل ملف الرئاسة إلى ما بعد غزة، وتجميد الخماسية نشاطها بعدما تبيّن لأعضائها أن لا رئيس ضمن المواصفات التي وضعتها، بل إن الرئاسة ستكون بنداً من ضمن رزمة التسوية أو الصفقة التي ستشمل بدورها الحكومة ورئيسها وبرنامج عملها.

في الانتظار، يجهد القطاع الخاص من أجل الصمود ومواجهة كلفة الانتظار!