"إسرائيل متفوّقة استخباراتيّاً على "الحزب" وقادرة على اغتيال نصرالله"... شبكة اتّصالاته قابلة للخرق و"الستاتيكو" مهدّد

"إسرائيل قادرة على اغتيال نصرالله وهو يعلم ذلك"... هذا كان كلام أماتسيا بارام، وهو كاتب في منتدى الشرق الأوسط، يعتبر أنّ الجيش الإسرائيليّ بات يمتلك من القدرات الاستخباراتيّة والتكنولوجيّة والعسكريّة ما يكفي لاغتيال الأمين العام لـ"حزب الله" حسن نصرالله وغيره من قيادات الصفّ الأوّل، وذلك بعد اغتيال القياديّ الميدانيّ الرفيع المستوى طالب عبدالله.

اغتيال عبدالله، أو "أبو طالب" كما يعرفه عناصر "حزب الله"، مثّل أبرز عمليّات الجيش الإسرائيليّ النوعيّة منذ بدء الحرب في الجنوب في الثامن من تشرين الثاني، كون عبدالله هو القياديّ المُستهدف الأبرز منذ ذلك الحين، وهو قائد وحدة "النصر"، ويتقدّم على وسام الطويل، القياديّ في قوّة "الرضوان"، وجميع هذه الوحدات نخبويّة في "حزب الله".

هذه العمليات وغيرها تكشف التقدّم الاستخباراتيّ الذي تتفوّق به إسرائيل على "حزب الله"، فالجيش الإسرائيليّ بات قادراً على تحديد مواقع القياديّين بدقّة وضربهم دون إحداث دمار واسع، وترتكز هذه القدرات الاستخباراتيّة على عنصرين أساسيّين، العنصر البشريّ، أي العملاء، والعنصر التكنولوجيّ، أي المسيّرات وأجهزة الرصد وغيرها من التقنيات.

هذا التقدّم يترك "حزب الله" مكشوفاً ومخترقاً. ورغم الاحتياطات التي يقوم بها عبر منع عناصره من حمل الأجهزة التكنولوجيّة الذكيّة والتقاط إشارات الإنترنت وغيرها، إلّا أنّه فشل حتّى الساعة من حماية عناصره ومواقعه الاستراتيجيّة من الضربات الإسرائيليّة، فما سبب الخرق؟ هل هو إهمال العناصر للتعليمات أم القدرات الإسرائيليّة المتفوّقة أم وجود العملاء بكثرة؟

 

ماذا يقول علم العسكر؟

الباحث في الشؤون السياسية والأمنية خالد حمادة يُشير إلى التفوّق الاستخباراتي الإسرائيلي الذي يمنح الجيش الاسرائيلي القدرة على تنفيذ عمليات دقيقة، ويقوم على التفوّق على التكنولوجيا والعملاء، ويُمكّن اسرائيل من مراقبة الأرض بشكل مستمرّ ورصد المتغيّرات والتحرّكات، ومتابعة مواقع التواصل الاجتماعيّ وجمع المعلومات منها، والتنصّت على خطوط الاتّصال في المناطق.

لكن من المعلوم أنّ "حزب الله" يمتلك شبكة اتّصالات خاصّة من المُفترض أنّها محمية من الخرق، وعناصره لا يستخدمون شبكات الاتّصالات التجارية، لكنّ حمادة يقول في حديث لـ"النهار" إنّ "إسرائيل قادرة على خرق شبكة اتصالات الحزب لأنّ عالم التشفير يتجدّد بشكل دائم، وإسرائيل تمتلك أحدث التقنيات في هذا السياق، وتساعدها أجهزة الاستخبارات الأميركية والبريطانية في المنطقة".

وفي عالم الاستخبارات، فإنّ الأخطاء ممنوعة، لأنّ أيّ خطوة غير محسوبة قد تكشف منفّذها، لكن في الوقت نفسه، من المستحيل عدم ارتكاب الأخطاء، وهذا ما يلفت إليه حمادة، الذي يقول إنّ "قيادات وعناصر "حزب الله" يتحرّكون فوق الأرض ويزورون منازلهم بين الحين والآخر، وأقرباء لهم يستخدمون مواقع التواصل، فتتقاطع المعلومات، من دون نفي أدوار العملاء أيضاً.

إلى ذلك، كانت فرضية انكشاف "حزب الله" وخرقه جرّاء مشاركته في الحرب الطويلة في سوريا، وهي ممكنة، لأنّ الحزب عمل في الميدان السوريّ الواسع لسنوات ومع فصائل متعدّدة، حسب حمادة، ومن المعروف أنّ أجهزة مخابرات عدّة تنشط في سوريا، وبالتالي فإنّ خرقه ممكن، وهذا ما يؤكّده استهدافه في سوريا أيضاً بشكل دائم".

ويدور السؤال حول قدرة إسرائيل على اغتيال قادة أرفع مستوى من "أبو طالب"، وهو ما يؤكّده حمادة، لكنّه يعتبر أنّ "عبدالله أهمّ من نصرالله نسبةً إلى دوره الميدانيّ"، كما يدور السؤال حول الإجراءات الوقائيّة التي يجب على "حزب الله" اتّخاذها، وهنا، يُشير حمادة إلى ألّا "إجراءات إلّا بوقف الحرب أو القيام باستهدافات مماثلة لشخصيات ومصالح إسرائيلية من شأنها تثبيت معادلة ردع ما".

 

التفوّق التكنولوجيّ

أمّا على الصعيد التكنولوجيّ - التقني، فإنّ الوحدة 8200 في الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية تعمل على جمع المعلومات وتحليل البيانات، بالإضافة إلى تطوير أدوات جمع هذه المعلومات، وتعتمد بشكل كبير على التطوّر التكنولوجي والمجال السيبرانيّ في سياق جمع المعلومات، ولها دور كبير في خرق "حزب الله".

المستشار في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عمر طبش يُفنّد كيفية قيام إسرائيل بعمليات الخرق والاغتيال، ويُشير إلى أنّ "الجيش الإسرائيليّ يعتمد على بنك أهداف، يجمع معلوماته من خلال العملاء والقدرات التكنولوجية، وتكون هذه المعلومات على شاكلة تحديد موقع، بصمة صوت، صورة أو غيرها، ثمّ يُراقب الهدف عبر المسيّرات مثل الـE Wax ويرصد تحرّكاته ليُنفّذ العملية".

وفي حديث لـ"النهار"، يتحدّث عن التفوق التكنولوجيّ الذي تتمتّع به إسرائيل، فـ"هي قادرة على جمع صور وأصوات بشكل دقيق ومن مسافات بعيدة، ويُساعدها العملاء الذين يمتلكون هذه الأدوات التكنولوجية المتطوّرة، وتستعين بالذكاء الاصطناعي لتحليل البيانات بشكل دقيق أيضاً".

تبقى شبكة اتصالات "حزب الله" الداخلية موضع تساؤل أيضاً، حول ما إذا كانت قابلة للخرق أو محصّنة، وفي هذا الإطار، يقول طبش إّن "هذه الشبكة مقفلة الأطراف وغير مرتبطة بشبكات الاتصالات التجارية، ونقاط هذه الشبكة مجهولة، لكنّ خرقها ليس مستحيلاً، خصوصاً إذا ما تمكّن أحد عملائها من الوصول إليها، فيُصبح الخرق ممكناً".

في المحصّلة، واضح أنّ التفوّق الاستخباراتيّ – التكنولوجيّ هو الفصل في هذه المواجهة التي بدأت منذ 8 تشرين الأوّل الفائت، لكنّ السؤال الأهمّ، هل ستبقى هذه المواجهة محصورة ومضبوطة ضمن قواعد محدّدة، أم ستتوسّع لتصبح إمّا كبيرة أو شاملة؟ الأكيد أنّ القابل من الأيام يحمل الجواب، فلننتظر.