الإنتخابات البلديّة: التمديد "season 3"!

بعد تأجيلين غير مبرّرين للانتخابات البلدية. الأوّل عام 2022 (بالتزامن مع الانتخابات النيابية). والثاني في العام الفائت تحت حجّة عدم توافر الاعتمادات المالية التي كانت متوافرة في الواقع والمرحّلة إلى انتخابات 2024. لم يعد الحَدَث هو الحديث عن التمديد الثالث شبه المحسوم للبلديّات. بل السيناريو الهزليّ، كالعادة، الذي سيقود السلطة السياسية إلى التخاذل مجدّداً عن القيام بواجب الحدّ الأدنى.

قد تكون حجّة السلطة هذا العام هي الأقوى لتبرير التمديد الثالث للبلديات بسبب الحرب الدائرة في الجنوب. والتي لا يملك أيّ مسؤول لبناني معلومة واحدة عن احتمال توسّعها. سيّما بعدما وصلت صواريخ العدوّ الإسرائيلي إلى بعلبك والغازية جنوباً. إضافة إلى عملية الاغتيال بالصواريخ التي طالت قادة من حماس في الضاحية، والتهديدات المستمرّة لإسرائيل بفصل هدنة غزة عن الوضع جنوب لبنان. والأهمّ، ربّما، خوف العديد من رؤساء الأقلام والموظّفين المولجين بتأمين مسار العملية الانتخابية من التوجّه جنوباً أو بقاعاً بسبب طيف الحرب المُسيطر على كلّ لبنان.

الاستثناء بقرار أو قانون؟

تقول مصادر نيابية من “التغييريين” شاركت في جلسة لجنة الدفاع الوطني والداخلية والبلديات الأربعاء الماضي: “فهمنا من وزير الداخلية أنّه جاهز لإجراء الانتخابات البلدية على أن يصدر قرار وزاري باستثناء البلدات الجنوبية. التي تعتبر في دائرة الخطر بسبب الاستهدافات الإسرائيلية. في الأسبوع الأخير من نهاية ولاية المجالس البلدية إذا بقي الوضع على ما هو عليه. ونحن سنضغط من أجل إقرار الاستثناء بقانون في مجلس النواب كي لا يمرّروا تمديداً ثالثاً للبلديات”.

خلال جلسة لجنة الدفاع طرح المولوي إمكانية لجوئه إلى تطبيق المادّة 15 من قانون البلديات. التي تنصّ على أنّ “لوزير الداخلية أن يعيّن موعد الانتخاب في يوم واحد لجميع البلديات. أو يعيّن موعداً خاصّاً لكلّ بلدية أو مجموعة من البلديات إذا اقتضت ذلك سلامة العمليات الانتخابية”. مستنداً إلى سابقة اتّخاذ وزير الداخلية السابق نهاد المشنوق عام 2016 قرارات بتأجيل الانتخابات البلدية في ستّ بلدات.

لكنّ النائب آلان عون ردّ على الوزير المولوي مذكّراً بأنّ التأجيل يومها انحصر بستّ بلديّات وفي مناطق متفرّقة في لبنان. وذلك بسبب تأثيرها على سلامة العملية الانتخابية وإمكان إثارتها الفتنة وإشكالات أمنيّة. وليس كما هو الوضع الراهن حيث إنّ التأجيل قد يطال عشرات البلديّات.

خلال الجلسة طالب عون “بإجراء الانتخابات البلدية. وإذا الظروف لم تسمح يمكن تأجيل الانتخابات في بعض البلدات الجنوبية عبر التمديد للمجالس البلدية والاختيارية فيها. وحين تُجرى الانتخابات لاحقاً فيها تُستكمل مدّة الولاية الباقية لتكون متساوية مع المجالس البلدية التي أُجريت الانتخابات فيها بمواعيدها”.

يتوافق عون مع عدد من النواب على أنّ الاستثناء، إذا حصل، يجب أن يتمّ بقانون وليس بقرار وزاري. لأنّه عندها تصبح البلديّات بحكم المُنحلّة وتُعهد إدارتها إلى المحافظين والقائمقامين. كما حصل حين صدر قرار عن مجلس النواب عام 1998 باستثناء المدن والقرى الواقعة تحت الاحتلال الإسرائيلي من إجراء الانتخابات. وهي نقطة لا يمكن لقرار صادر عن وزير الداخلية أن يعالجها، إضافة إلى مصير المخاتير الذين تصبح ولايتهم بحكم المنتهية.

لبنان الرسميّ… كوما!

عملياً، لم تحسم جلسة لجنة الدفاع مصير الانتخابات. لكنّ وزير الداخلية سيدعو، وفق المعلومات، الأجهزة الأمنيّة إلى إعداد تقارير عن عدد البلدات التي يمكن أن يطالها الاستثناء. مع العلم أنّ لبنان الرسمي، بكلّ أجهزته، لا يملك تصوّراً أيضاً لحجم الدمار في مناطق جنوبية عدّة.

في مداولات جلسة الأربعاء أعلن وزير الداخلية الجهوزية التامّة لإجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها في 19 و21 و26 أيار. وتعميم المديرية العامّة للأحوال الشخصية القوائم الانتخابية مع تأكيد أنّ “الاعتمادات المالية متوفّرة. ومن الآن لوقتها منشوف شو رح يصير بالجنوب”.

الياس الخوري: تقاعد أو تمديد؟

أوّل طالبي الكلام كان نائب الحزب أمين شرّي الذي استفسر من وزير الداخلية عن “مدى توافر الكاش فعلاً لإتمام الانتخابات”. ثمّ سأل: “هل العميد الياس الخوري (المدير العامّ للأحوال الشخصية) بكون موجود خلال الانتخابات بالنظر إلى كون الوزارة والمديرية وحدة متكاملة؟”.

في الواقع أضاء شرّي، وفق مصادر نيابية، على نقطة أساسية يجري التداول بها في الكواليس. وهي موعد إحالة الخوري إلى التقاعد في 4 نيسان المقبل حيث يجري همساً الحديث عن احتمال بقاء الخوري في موقعه لتسيير أعمال المديرية. فبعدما عُيّن العميد الخوري في موقعه عام 2017 جرى التمديد له بصفة مدنية حتى سنّ التقاعد القانوني (64 عاماً). ويتزامن موعد إحالته إلى التقاعد مع موجة من التمديد شملت كبار الموظّفين. ومع واقع فرضه الخوري داخل الوزارة لجهة جهده الاستثنائي وخبرته الهائلة داخل المديرية، إضافة إلى احتمال إجراء الانتخابات البلدية.

تشير المعلومات إلى أنّ استمرار العميد الخوري في تسيير أعمال المديريّة العامّة قد يحصل. وذلك في ظلّ عدم وجود موظّف فئة ثانية في هذه المديريّة (مركز شاغر) ينوب عن المدير العامّ بالإنابة وفق ما ينصّ عليه قانون الموظّفين.

الثنائيّ” ضدّ الاستثناء؟

في محصّلة المواقف النيابية من إجراء الانتخابات البلدية يمكن رصد عروض متجدّدة من المزايدات الشعبوية. خصوصاً من جانب فريق المعارضة المسيحية والتغييريين الذين حاولوا فرض شروطهم: إجراء الانتخابات البلدية في مواعيدها واستثناء القرى الحدودية في محافظتي الجنوب والنبطية بقرار صادر حصراً عن وزير الداخلية بسام المولوي. وليس بقانون بمجلس النواب مخافة أن ينقلب المشهد في البرلمان إلى تمديد ثالث في كلّ المناطق. وبعضهم اتّكأ على واقع نجاح إسرائيل بإجراء الانتخابات البلدية في شباط الماضي على الرغم من حرب غزة.

من جهتها الحكومة هي أصلاً متّهمة بترحيل الانتخابات البلدية لمرّتين متتاليتين من دون أسباب مقنعة، ورئيسها ينتظر تمديداً ثالثاً في مجلس النواب. أمّا الثنائي الشيعي فحريص على عدم الظهور بموقع المعترض على إجراء الانتخابات. فخلال جلسة الأربعاء قال النائب غازي زعيتر: “القصة مش واقفة على الجنوب والنبطية. لقد ضرب العدوّ الإسرائيلي في بعلبك والغازية. لذلك الخطر قائم في أكثر من منطقة. وحتى إذا استثنيتم محافظتَي الجنوب والنبطية فلن يكون هناك مساواة بعدد سنوات الولاية حين تحصل الانتخابات الفرعية لاحقاً في هذه البلدات؟ وهل هكذا نكافئ أهل الجنوب؟ بمطلق الأحوال نحن مع الانتخابات إذا ساعدتنا الظروف وما حدن يزايد علينا”.

من جهته يتبنّى التيار الوطني الحرّ قرار الاستثناء بقانون بمجلس النواب وإجراء الانتخابات في مواعيدها في باقي المناطق. أمّا موقف الحزب الاشتراكي فعبّر عنه النائب فيصل الصايغ في الجلسة قائلاً: “أنا شخصياً أؤيّد إجراء الانتخابات لكن اليوم أمثّل نفسي فقط، ولا بدّ من العودة إلى الحزب. وأنا لا أعرف قراره بعد”.