التبريرات لعدم توقيع الحكومة مع المحكمة الجنائية: السبب سياسي والمقاربات أدت إلى التراجع

لم ينحصر موضوع عدم توقيع لبنان على التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، بموقف وزير الشباب والرياضة جورج كلاس، بل تخطاه إلى الحكومة مجتمعة لجملة تبريرات أملت عليها القيام بهذه الخطوة، إذ ليس في مقدور الحكومة ولبنان التماهي أو التعاون مع محكمة بهذا الحجم، في ظل الاعتبارات السياسية والخصوصيات الداخلية، وهي متنوعة ومتشعبة، ما دفع الحكومة لتتراجع عن هذا التوقيع للاعتبارات عينها.

ووفق ما يقول أحد الوزراء، رفض ذكر اسمه، ان المسألة سياسية وهناك تعقيدات كثيرة، ولبنان ينوء في ظل ما يعانيه من أزمات، تحديداً الحرب في الجنوب إلى الأوضاع الاقتصادية والشغور الرئاسي، فارتأت الحكومة أن تتراجع عن هذه القضية، وثمّة اتصالات تجري مع المعنيين بغية توضيح الأمر، وليس معنى ذلك أن البلد خارج القانون أو التعاون مع المؤسسات الدولية، لاسيما المحكمة الجنائية التي لها باع طويل على مستويات عديدة، لكن ثمة إحراج للحكومة ما دفعها إلى اللجوء إلى هذا الامر.

في السياق، تشير مصادر سياسية مواكبة الى أن الحكومة تراجعت لأنه ليس بمقدورها أولاً أن توقع اتفاقا مع المحكمة الجنائية الدولية يهدف إلى التحقيق في مقتل صحافيين لبنانيين على يد إسرائيل، وفي حال طُلب منها أن تحقق بأي موضوع آخر، وبقضايا مغايرة لما تقدمت به الى المحكمة، فذلك ليس لمصلحتها، لما ينطوي على مخاطر وحساسيات كثيرة في مواضيع كثيرة من اغتيالات وجرائم، ومنها انفجار مرفأ بيروت، ما دفعها إلى عدم التوقيع، بمعنى ان ذلك يفتح عليها أبواباً كثيرة، ولا يعود باستطاعتها أن تتنصل من هذه القضية أو تلك. لذلك فالموضوع عند مجلس الوزراء مجتمعاً وليس محصوراً بالوزير كلاس، بل إن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب هو من أعلن هذا الخيار في لقاءاته الدولية، ووضح ذلك مع المعنيين من دون الخوض في تفاصيل اخرى.

بدوره، الرئيس السابق لمجلس شورى الدولة القاضي شكري صادر، يقول لــــ"النهار"، إن عدم توقيع الحكومة اتفاق التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، "مرده سبب سياسي بامتياز لجملة ظروف واعتبارات، وهناك سابقة تاريخية تمثلت بطلب إصدار مذكرات توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، واثنين آخرين من الإسرائيليين، ما سيؤدي إلى وجود معادلة ومقاربة واضحة، بمعنى طلب توقيف القائد الحمساوي يحيى السنوار، بما سيجر لبنان إلى أمور كثيرة، خصوصاً أن ثمة جرائم ارتكبت ضد الإنسانية، وتفجيرات واغتيالات وسواها، ما سيشكل إحراجاً، فكان المخرج المذكور الذي أعلن عنه الوزير بو حبيب. صحيح أن لبنان لم يوقع على اتفاقية روما الآيلة لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية، لكن بإمكانه أن يستفيد من هذا التعاون في أمور كثيرة، وقد أضعنا فرصاً عديدة منها هذه الفرصة، لكن ذلك لن يترك أي تأثيرات وتداعيات حول علاقة لبنان بالمحكمة أو مع المجتمع الدولي بشكل عام".

ويضيف صادر "ان ما جرى أراح نصف الرأي العام، بعد التنصل من المحكمة الجنائية الدولية بفعل جرائم إبادة وسواها حصلت، وكان من الممكن أن يتم فتحها في حال سارت الأمور على ما يرام، مع التحقيق حول مقتل صحافي لبناني قصدا بقذيفة أطلقت عليه من دبابة إسرائيلية، لذلك كانت هذه المعادلة التي ارتُضيت بتوافق من مجلس الوزراء وربما حصل في داخله توزيع أدوار، ولا نعرف تحديداً ماذا حدث، إنما المعنيون يدركون ذلك"، لافتاً إلى أن دور الوزير كلاس تمثل بسؤال رفعه بضرورة التحقيق في مقتل الصحافي عبر مذكرة إلى المحكمة الجنائية الدولية، لكن هذا الأمر واضح بأن الحكومة وبكامل وزرائها أخذت القرار بعدم التعاون مع المحكمة".

ويخلص مؤكداً أن "الموضوع سياسي وواضح ولا يحتاج إلى اجتهادات وقراءة، وأعود وأؤكد أن ذلك أدى لخسارتنا فرصة كبيرة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية، لكن تداركاً للأسوأ من خلال طلب الفريق الآخر التحقيق في هذه القضية أو تلك، أدى إلى هذا السيناريو بعدم التوقيع مع المحكمة، وعليه فان ما جرى يدخل في إطار موازين القوى "والشمس طالعة والناس قاشعة"، وكل ما حدث حول هذا المعطى وسواه من القضايا التي تتم إثارتها، سرعان ما يتم التراجع عنها أو حصول معاهدات ومقاربات في الحكومة، للتنصل من قضية معينة، الأمر الذي انسحب على المحكمة الجنائية الدولية".