التحضيرات لانتخابات "المجلس الشرعي": استحقاق في الفراغ السنّي؟

بدأ العد العكسي لانتخابات المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى في بيروت، والمحافظات اللبنانية، والتي من المقرر إجراؤها الأحد المقبل، في الأول من تشرين الأول.  

في الشكل، تكتسب هذه الانتخابات أهمية رمزية لدى الطائفة السنّية، وفي المناطق التي يطغى حضورها فيها، حيث يجدها البعض كسرًا لحالة الجمود والانكفاء السياسي غير المسبوق لدى الطائفة، مع انخراط عدد من القوى السياسية، وعلى رأسها تيار المستقبل الغائب عن الندوة البرلمانية، في دعم بعض المرشحين.  

في حين، يرى مراقبون أن هذه الانتخابات هي مجرد استحقاق دوري يجري كل أربع سنوات، وسرعان ما يتلاشى أثر نتائجه تحت وطأة الأزمات الكبرى، فيما تتعامل معه قوى سياسية سنية كاختبار موضعي جديد في قدرتها على التأثير لدى الرأي العام.  

كيف تبدو التحضيرات لهذه الانتخابات؟  
تجري هذه الانتخابات للمجلس الشرعي في العام 2023، بعد أقل من عام من إجراء انتخابات المفتين في المناطق نهاية العام الفائت. وحسب النظام الداخلي للمجلس، فهو يتألف من 32 عضوًا، حيث يتم انتخاب 24 عضوًا من بينهم من قبل الهيئة الناخبة، بينما يعطي القانون مفتي الجمهورية، الشيخ عبد اللطيف دريان، حق تعيين ثمانية أعضاء موزعين على المحافظات كافة. وفق ما يشرح الشيخ القاضي خلدون عريمط، في حديث لـ"المدن"، وهو رئيس المركز الإسلامي للدراسات والإعلام، ومقرب من المفتي دريان.  

ويُضاف إلى هؤلاء الأعضاء الأصيلين رئيس الحكومة الحالي ورؤساء الحكومة السابقين، كما أن تعيين المفتي للأعضاء الثمانية في المجلس، يأتي مراعاة للاختصاصات المطلوبة داخل المجلس في المال والقضاء والقانون، إضافة إلى مراعاة تعيين أعضاء يمثلون المناطق التي فيها حضور سني، مثل صور وبعلبك الهرمل وعرسال، حسب قول الشيخ القاضي عريمط.  

وتجري انتخابات المجلس الشرعي عبر المديرية العامة للأوقاف الإسلامية، التي تتولى مهمة قبول الترشيحات من المناطق كافة. وسبق أن اجتمعت اللجنة القضائية بالمجلس برئاسة المحامي عبد الحليم الزين للبت بها، فبتت بأسماء المرشحين المقبولين، وفقًا لمعايير تحددها للقبول وأبرزها: أن يكون المرشح صاحب كفاءة علمية، أن يكون مشهودًا له بالأخلاق والالتزام الديني، وأن يكون على استعداد لتقديم الخدمات التطوعية للمجتمع، لأن هذه العضوية من دون أي مقابل مادي.  

أما النطاق الجغرافي لإجراء الانتخابات لـ24 مقعدًا، فتتوزّع كالآتي:  

في محافظة بيروت، يتم انتخاب ثمانية أعضاء داخل مقر دار الفتوى.
في محافظة الشمال، يتم انتخاب سبعة أعضاء لطرابلس وضواحيها (خمسة مقاعد لطرابلس، مقعد للضنية ومقعد للمنية) داخل مديرية الأوقاف في طرابلس. إضافة لانتخاب عضو واحد عن محافظة عكار. 
في صيدا، يتم انتخاب أربعة أعضاء لتمثيل الجنوب وتجري الانتخابات في دائرة الأوقاف في صيدا. 
في محافظة البقاع، يتم انتخاب عضوين اثنين في دار فتوى البقاع.
في محافظة جبل لبنان، يتم انتخاب عضوين اثنين داخل دائرة الأوقاف في الجية.  
أما الهيئة الناخبة لهؤلاء الأعضاء، فهي محدودة النطاق حصرًا لدى الطائفة السنية، وتتألف من الآتي: مفتي الجمهورية اللبنانية، رئيس الحكومة ورؤساء الحكومة السابقين. إضافة لهؤلاء، يحق للنواب والوزراء السنة الحاليين الانتخاب، وكذلك مدير العام للأوقاف وأعضاء لجنتها وأعضاء المجلس الشرعي والأمين العام للمجلس وأمين الفتوى، والشيوخ الرسميين وأساتذة الدين في الأوقاف، والقضاة الشرعيين الحاليين، ورؤساء الدوائر الوقفية، الأئمة المنفردين والمثبّتين والمتعاقدين والمكلّفين، وكذلك مختلف القضاة السنة المدنيين، وأعضاء المجلس الدستوري السنة ورؤساء وأعضاء المجلس البلدية السنة في المناطق المحددة.  

كيف تتجلى المنافسة والمعركة الانتخابية في المناطق؟  
عمليًا، يتمحور ثقل الانتخابات للمجلس الشرعي في بيروت وطرابلس (مع ضواحيها)، حيث العدد الأكبر للمقاعد العضوية، وحيث تتمركز المعركة التي تخوضها القوى السنية السياسية، على رأسها تيار المستقبل، إضافة إلى قوى أخرى.  

ففي بيروت، والتي شهدت ترشح ثلاثين مرشحًا، تشكلت فيها لائحة توافقية مكتملة من ثمانية أعضاء مدعومة من تيار المستقبل، ومعه النائب فؤاد مخزومي والجماعة الإسلامية، إضافة إلى اتحاد الجمعيات والعائلات البيروتية وهي تضم: محافظ جبل لبنان القاضي محمد مكاوي، الشيخ فؤاد زراد، القاضي الشرعي الشيخ وائل شبارو، القاضي المدني طلال بيضون، المحامي حسن كشلي، رجل الأعمال عبد الله شاهين، الشيخ زياد الصاحب رئيس جمعية الفتوة الإسلامية، كما دعمت الجماعة الإسلامية ترشيح عبد الحميد التقي. ومقابل وجود مرشحين منفردين آخرين.  

واعتبر كثيرون أن هذه اللائحة تشكلت بعد محاولات لقطع الطريق على دعم رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة لبعض المرشحين، علمًا أن الأخير سبق أن أعلن في الأسبوع الأول من الشهر الجاري، بأنه لم ولن يتدخل في الانتخابات.  

أما في طرابلس وضواحيها، فما زال الوضع ضبابيًا، رغم تشكيل لائحة غير مكتملة من خمسة أعضاء. وهي مدعومة وفق المعطيات الأولية من تيار المستقبل وكتلة الاعتدال الوطني ومن النواب فيصل كرامي وجهاد الصمد وأحمد الخير. وتضم كل من: الشيخ أمير رعد (مدعوم من الصمد عن الضنية)، الشيخ فايز سيف (مدعوم من الخير عن المنية)، وعن طرابلس كل من بلال بركة، أسامة طراد وأحمد الأمين.  

وفي السياق، يقول عضو مجلس أوقاف طرابلس، الدكتور بديع مطر، في حديث لـ"المدن"، بأن هناك عشرين مرشحًا عن طرابلس وضواحيها، وأن الخمسة المرشحين أعلاه هم أعضاء حاليون قد يتم تجديد ولايتهم، مقابل وجود شاغرين اثنين. واحد كان للراحل عبد الإله ميقاتي، وثاني لربيع الدندشي الذي أعلن عدم رغبته بالترشح. أما من هم من حصة مفتي طرابلس والشمال الشيخ محمد إمام، الأوفر حظًا في طرابلس، حسب مطر، فهم كل من المرشحين منذر حمزة العضو السابق بالمجلس الشرعي، والمرشح وسيم شيخ العرب.  

ويُذكر مطر بأن نطاق عمل المجلس الشرعي واسع جدًا، يبدأ بالأوقاف والمحكمة الشرعية ومختلف الشؤون الدينية، إضافة إلى مهمته في حمل مشاريع المناطق في هذا الإطار إلى دار الإفتاء في بيروت.  

في المقابل، تشير معلومات خاصة بـ"المدن" بأن ثمة مطالب تدور شمالًا حول أخذ مقعد من طرابلس لصالح الكورة التي تحظى بوجود سني واسع. كما أن الجماعة الإسلامية تعمل على رفع حظوظ مرشحها عبد الناصر كبارة عن طرابلس. وثمة معلومات أخرى تشير إلى أن المفتي دريان قد يزكي النائب السابق سمير الجسر، ليكون نائب رئيس المجلس الشرعي، وهو منصب يشترط أن يكون صاحبه شخصية مدنية.  

وتشير معطيات "المدن" إلى مساع تجري في عكار لاختيار أحد المرشحين فيها من بين خمسة، وضمان مقعده في التزكية، والأوفر حظًا هو المرشح وسيم المرعبي، مقابل ترشح كفاح الكسار، نزار قاسم، محمد حافضة وسامر خزعل.  

مناطق أخرى  
في هذا الوقت، حسمت صيدا نتيجتها بالتزكية لصالح ثلاثة مقاعد: عبد الحليم الزين وفايز بعاصيري مدعومان من تيار المستقبل، والمحامي موفق الرواس مدعوم من الجماعة الإسلامية.  

كما يشير الشيخ القاضي خلدون عريمط، لـ"المدن"، إلى أن قضائي حاصبيا ومرجعيون، توافقا بالتزكية على عضوية المرشح نزيه حمد.

في حين، يتنافس في جبل لبنان أربعة مرشحين على مقعدين، هم: القاضيان حمزة شرف الدين ورئيف عبد الله، عاطف قشوع، جهاد اللقيس. 

ومن المرجح أن تكون نسبة المشاركة في الانتخابات واسعة هذا العام، نظرًا لمحدودية الهيئة الناخبة. 

توازيًا، يرفض القاضي عريمط إعطاء أبعاد سياسية للانتخابات، ويقول: "ثمة محاولات لخلق أجواء معركة سياسية، وهذا غير دقيق. فالمجلس الشرعي ليس له أي دور سياسي، ولا علاقة له بما يحكى عن فراغ بالمرجعية السياسية السنية، لأن مهامه اجتماعية وتربوية ووقفية وتنموية وتمويلية للحفاظ على الأوقاف الإسلامية وتنميتها".