التشويش يضرب الملاحة الجوّيّة ومطار بيروت تحت تهديد الصواريخ الذّكيّة ولو أُطلقت من الداخل!

"تشويش الـ GPS خلق تلاسناً مع بعض الزبائن لاعتقادهم أنني سأسرقهم أو أؤذيهم، خصوصاً عندما يقودنا إلى مطار بيروت، بيد أنّ طريق المطار معروفة بالتّشليح"، هذا ما قاله سائق سيارة الأجرة رامي زعيتر لـ "النهار" حول معاناته مع استخدام تطبيق تحديد المواقع خلال تنقلاته.
 
حال زعيتر كحال معظم اللبنانيين المستخدمين لتطبيقات تحديد المواقع في عملياتهم اليومية، إذ يلاحظون اضطراباً في عمل الخرائط الإلكترونية، منذ بدء الحرب على قطاع غزّة وجنوب لبنان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. يؤكد سائق الأجرة أنّ هذه الأزمة أدّت إلى خسارته الزبائن، والوقود، وأفقدتهم الثقة.
 
تعدّت أزمة التشويش المعقول، لتشكّل خطراً داهماً على مرافق حيوية في البلاد، من بينها مطار رفيق الحريري الدوليّ في بيروت لمَا لها من تأثيرات على حركة الطيران وخدمات النقل البرّي.
 
المطار نفسه الذي واجه مؤخراً ادّعاءات من صحيفة "التلغراف" البريطانية بتخزين حزب الله أسلحة وصواريخ فيه، بات اليوم هدفاً للصواريخ نفسها بسبب التشويش، بحسب ما قاله الخبير في شؤون تكنولوجيا المعلومات والاتصالات عامر طبش لـ "النهار".
 
يحصل التشويش عبر ضرب الموجات التي يستعملها نظام تحديد الموقع ممّا يمنع تحديد الموقع بدقة. ويهدف إلى منع "حزب الله" ومن يصبّ في فلك المقاومة من إيصال صواريخ أو مسيّرات تعتمد على تقنية الـGPS إلى أهداف في الأراضي المحتلة. ما يعني، بحسب طبش، أنّ أيّ صاروخ أو طائرة موجّهة عبر نظام التموضع العالمي ستكون وجهتها الوحيدة مطار رفيق الحريري الدولي، حتى لو تمّ إطلاقها من شمال لبنان.
 
"تهدّد مشكلة التشويش أيضاً حركة الملاحة الجويّة. إذ يواجه الطيارون والشركات الجويّة معاناة كبيرة تؤثر على عمليات الهبوط والإقلاع، لاعتماد الطائرات على نظام الـ GPS بشكل كامل خلال الملاحة. الأمر الذي دفع بعض شركات الطيران الأجنبية إلى عدم الهبوط في المطار لأسباب تتعلق بسلامة الطائرة"، وفق طبش.
 
خوف بعض الشركات الأجنبية من دخول المجال الجوي ليس موجوداً بالقدر ذاته عند طيران الشرق الأوسط، لاعتمادهم إجراءات ساهمت في إيجاد حلول موقّتة، من اعتماد تقنية الملاحة الأرضية الموجودة في مطار بيروت والتأكيد البصري للطيارين عند الإقلاع والوصول إضافة إلى مراقبة موجات الاتصالات عبر الاستعانة بالرادارات العسكرية التي تساعد الطائرة على العودة إلى مسارها في حال انحرافها وفق ما قاله مدير سلامة الطيران في طيران الشرق الأوسط شربل جرجس لـ"النهار".
 
وحول سلامة الطيران والمسافرين أكّد جرجس أنّ "لا خطر على سلامة المسافرين بصفته كابتن طائرة سابق"، مضيفاً: "ربما هم قادرون على خداع أجهزة الملاحة، إنّما الطيارون مدربون على التصدّي لعمليات الخداع".
 
من جهة أخرى، وفي ظلّ التطورات الجيوسياسية والتكنولوجية الحديثة، يترك التشويش بعض التأثيرات العميقة على السياسات العسكرية والأمنية في المنطقة ويشكل تهديدًا متزايدًا على الأمن القومي والاستقرار الإقليمي. فالعمليات النوعية التي قام بها "الحزب" المتجسّدة بإسقاط مسيرتين إسرائيليتين هامّتين بواسطة صواريخ متطوّرة، كشفت عن ثغرات إسرائيلية عسكرية صارت تستدعي تشويشاً بشكل دائم على الأراضي اللبنانية خشية استخدام "حزب الله" أسلحة متطورة أكثر. يفسّر الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية خالد حمادة لـ"النهار" اللجوء إلى استخدام الأسلحة التقليدية بسبب عدم تأثرها بالتشويش، مشيراً إلى أنّ "صاروخ الكاتيوشا هو الأكثر استعمالاً عند "حزب الله" لأنّه ليس ذكياً، لكنّ مفاعيل هذا النوع من الصواريخ محدودة".
ويرى حمادة أنّه "لو كان لدى "حزب الله" القدرة على استخدام صواريخ موجهة أو ذكية، ربما كانت لديه قدرات أكثر على التأثير في الداخل الإسرائيليّ".
 
العودة إلى استخدام الأسلحة التقليدية رغم الكمّ الهائل من الأسلحة المتطورة تكنولوجياً، رسم شكلاً جديداً في طبيعة الاشتباك، فالجانب الإسرائيليّ أيضاً أعاد استخدام مدافع كلاسيكية من نوع "فولكن" القادرة على إطلاق 6000 طلقة في الدقيقة، بهدف التصدّي للمسيّرات التي تُطلق من الجانب اللبنانيّ، لأنّه من الصعب إسقاطها بصواريخ موجّهة.
 
في المحصّلة، ما أجمع عليه الخبراء والمختصّون هو ألّا بديل فعّالاً عن "الـ GPS" إلّا نفسه، لتسيير عمل مختلف القطاعات بشكلها المُعتاد، وأنّ جميع البدائل ليست إلّا مسكّنات آنية قد يبطل مفعولها لو استمرّ التّشويش.