"الثنائي" يُصعّد: تعزيز "الشيعية السياسية" من خارج الدستور

ثلاثة مواقف متتالية صدرت من أعلى الهرم في الثنائي الشيعي على مدى ثلاثة أيام متتالية، تدلّ إلى تصعيدٍ في توقيتٍ قد يشكّل مفترقاً سواء على مستوى الحرب في غزة بعد ما أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن عن مقترح لوقف إطلاق النار في غزة والعمل على ترتيبات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، أو على المستوى اللبناني الرئاسي المرتبط بالملف الجنوبي وشكل نهاية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وفق الواقع الذي فرضه الحزب عملياً وبحسب تصريحات معنيين في الداخل والخارج وأبرزهم الموفد الأميركي آموس هوكشتاين.

ثلاثة مواقف شيعية برزت أخيراً بدءاً من الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله ثمّ رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد يليه رئيس مجلس النواب نبيه بري. كان يُمكن لنصرالله أن ينهل من اللغة العربية واستعاراتها وتشبيهاتها للدلالة إلى أنّ غالبية الشعب اللبناني ليست ضدّ فتح جبهة الجنوب لمساندة غزة، بدلاً من إثارة مسألة "العدد"، وهو العارف بـ"الحساسية المسيحية" تجاه كلمة "عدّ". فلماذا يذكّر نصرالله الآن بأنّ "الحزب" هو "أكبر حزب في لبنان وأكثر أصوات تفضيلية وأكبر قاعدة شعبية؟".

كلام نصرالله هذا أتى بُعيد زيارة الموفد الرئاسي الفرنسي جان- إيف لودريان لبيروت لمحاولة تحقيق أي خرق في جدار الاستعصاء الرئاسي، وفي ظلّ حراك خارجي- داخلي متعدّد الأذرع على خط الانتخابات الرئاسية، يبدأ من "اللجنة الخماسية من أجل لبنان" والمبادرة المرتقبة من "اللقاء الديموقراطي" بدفع أو تشجيع فرنسي، وقد لا ينتهي في قمة النورماندي بين الرئيسين الأميركي والفرنسي، وما بينهما الحراك القطري واستقبال أفرقاء سياسيين لبنانيين في الدوحة ومبادرة كتلة "الاعتدال الوطني".

كذلك بعدما ضُخّت أجواء "إيجابية" الأسبوع المنصرم إثر اللقاء الذي جمع بري ولودريان مفادها أنّ رئيس المجلس بات متجاوباً مع استبدال الحوار الذي يصرّ عليه قبل الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس بـ"التشاور" كما تطالب المعارضة وكما يقضي البيان الأخير لـ"الخماسية"، عادت الأمور إلى نقطة الصفر بضربة قاضية من رئيس حركة "أمل" شخصياً، بحيث أكد في حديثٍ صحافي أمس الأول، ما كانت تقوله المعارضة. مباشرةً، قال بري: "تمنّوا (الخماسية) عليّ استبدال الحوار بالتشاور، فلم أمانع وأبلغتهم كما أبلغت لودريان أنّ التشاور والتواصل والتلاقي والتداول، كلّها مرادفات للحوار ولا مشكلة". واعتبر أنّ "المكان الطبيعي لأي تشاور هو مجلس النواب، والمجلس مؤسسة لها رئيس، والرئيس أيّاً يكن اسمه هو المعني بأن يترأس جلسة التشاور بين الكتل"، مشيراً إلى أنّ "هذا الحق ليس ملكاً شخصياً لي حتى أتنازل عنه وإنّما يرتبط بالموقع وصلاحياته". قبل يوم من كلام بري هذا، كان رعد لفت إلى أنّ "رئيس المجلس المكلّف والمولج دستورياً الإعداد لآليات انتخاب رئيس للجمهورية، دعا إلى حوار كما جرى العرف. والعرف عندنا أقوى من الدستور". وأشار إلى أنّ الرئيسين السابقين ميشال سليمان وميشال عون "جاءا بانتخاب بعد جلسة حوار".

 

قبل هذه المواقف كانت المعارضة تكرّر أنّ "محور الممانعة يلعب على المصطلحات لجهة الحوار فلا يُمكن أن نستبدل المصطلح ونبقي على جوهر المسألة نفسها، وأنّ الامور تُقاس في الامتحان". وكانت "الخماسية" ولودريان باتا مقتنعين بأنّ هناك تحجج بالآلية من بري و"حزب الله"، بسبب عدم جهوزية هذا الفريق لانتخاب رئيس، بحسب مصادر معارضة.

كذلك لم تكن المعارضة ترفض الحوار بالمطلق، بل تعتبر أنّ دعوة بري إلى طاولة حوار تكريس لعرف، وهذا ما ترفضه. إذ حين يُقال إنّ الحوار المعبر الالزامي لانتخاب رئيس، فهذا يعني أن لا انتخابات رئاسية من دون حوار. ومن يقود هذا الحوار هو رئيس مجلس النواب. أي عملياً، أصبح رئيس مجلس النواب سلطة وصاية على رئاسة الجمهورية. وهذا المرفوض. فأي نص دستوري ينصّ على أنّ طاولة الحوار التي يدعو إليها رئيس المجلس هي المعبر الالزامي لانتخاب رئيس؟ هذا انقلاب على الدستور. وبالتالي بمجرد الموافقة على حوار برئاسة بري نكون ذهبنا عملياً إلى تكريس عرف خطير، وإلى "إلغاء" آلية انتخاب رئيس الجمهورية التي ينصّ عليها الدستور وتكريس عرف أقوى منها وهو الحوار الذي يدعو إليه رئيس مجلس النواب أي "الشيعية السياسية" التي تصبح مرشدة المؤسسات من خلال موقع رئيس المجلس.

وتؤكد مصادر معارضة أنّ الرئيس الماروني والموارنة لا يقبلون بأن تكون هناك وصاية عليهم من خلال "الشيعية السياسية الايرانية" في خطوة انقلابية على الدستور. وتعتبر أنّ كلام بري ورعد الواضح والذي لا يحتمل التأويل أتى ليؤكّد صحة موقف المعارضة وخشيتها. فـ"الثنائي" يريد تكريس الأعراف لصالح "الشيعية السياسية"، وبعد وزارة المال و"الثلث المعطّل" و"حق الفيتو"، يريد الآن انتزاع عرف جديد يقضي بأن لا انتخابات رئاسية من دون حوار مُسبق يقوده رئيس المجلس. وتشير إلى أنّ ما قاله بري ورعد غير صحيح، فلا سليمان انتُخب بعد حوار إذ إنّ "اتفاق الدوحة" عُقد إثر الاجتياح الذي نفّذه "الحزب" في 7 أيار 2008 وليس لموضوع الرئاسة ولا عون انتُخب بعد طاولة حوار.