"الخماسية" لن تسمّي وتكتفي بالمواصفات قبل الانتقال إلى "النهائيات"

في ظل الخواء السياسي الذي يحكم الساحة الداخلية المضبوطة على إيقاع ساحتي الجنوب وغزة، تحتل حركة سفراء مجموعة الدول الخمس المشهد، انطلاقاً من ان هذه الحركة قد تكون الوحيدة وربما الأخيرة المتاحة أمام لبنان لإجراء خرق في المشهد المأزوم، من بوابة انجاز تفاهم على انتخاب رئيس للجمهورية، يشكل مدخلاً لإعادة تكوين السلطة التنفيذية العالقة اليوم في عنق تصريف الأعمال.

من المبكر البناء على الاجتماع الاول لسفراء الخماسية، او تحميله اكثر مما يحتمل، او تفسير الاستعجال في عقده بعد الغاء موعد كان تقرر للقاء رئيس المجلس. ذلك ان اللقاء جاء تعويضاً عن تسرّع السفير السعودي في تحديد الموعد قبل التشاور مع زملائه، مبرراً ذلك برغبته في بدء التحرك لاضطراره للسفر إلى المملكة، وهو ما حصل.

هكذا استُعيض بلقاء الخيمة عن بدء الجولة التشاورية التي كانت مقررة مع الرئيس نبيه بري اولاً ثم مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وبعده مع الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قبل ان تتحدد روزنامة اللقاءات مع القيادات الاخرى. ولم يُعلن عن اي مواعيد جديدة في انتظار عودة بخاري.

بحسب اجواء اللقاء والطابع الذي اتسمت به الجلسة في الخيمة فهو جاء اولاً في اطار بروتوكولي للتعارف والتنسيق، ولن تتجاوز مهمته التأكيد على قرار التحرك مواكبةً لموقف الدول الخمس الداعم لحل سياسي في لبنان ينهي ازمة الشغور في موقع الرئاسة، ويجنب البلاد الانزلاق إلى حرب موسعة على جبهة الجنوب في ظل تصاعد وتيرة التهديدات الاسرائيلية. من هنا، يحرص السفراء المعنيون على عدم الدخول في لعبة التسميات، تاركين هذه المهمة في عهدة القيادات اللبنانية التي يعود لها ان تطرح مرشحيها وليس القبول بإسقاط مرشحين يُتفق عليهم في الخارج، وإن كانت العادة درجت هكذا، ولا سيما في الاستحقاقات الكبرى.

ليس الحديث عن مواصفات الرئيس إلا لإضفاء زخم يبقي الملف الرئاسي على الطاولة، ويحثّ القوى السياسية على اقتراح مرشحين واستبعاد آخرين، بحيث يضيق هامش المناورة وتضيق معه لائحة التسميات. اما الذهاب في الطرح نحو المرشح الثالث، فلا يعني بالضرورة ان يكون إصبع "الخماسية" موجهاً فقط نحو قائد الجيش العماد جوزف عون، رغم انه الأكثر حظاً، ولكنه في المقابل ليس المرشح الأوحد، خصوصاً ان "حزب الله" لايزال حتى الساعة متمسكاً بدعمه لمرشحه سليمان فرنجية، مخالفاً بذلك كل المعلومات التي تتردد عن انه لا يمانع في وصول عون إلى بعبدا. وثمة في اوساط الثنائي الشيعي من يعود ليؤكد ان حظوظ فرنجية عادت مجدداً إلى الارتفاع، ما يترك علامات استفهام كبيرة حول التضارب في المعلومات الجاري التداول بها في الغرف المغلقة.

وفي رأي مصادر سياسية ان خماسية السفراء، المنوط بها مهمة التحضير والمتابعة والتشاور، تسعى إلى التعامل مع ترشيح عون على غرار ما جرى في التعامل مع ملف التمديد له على رأس المؤسسة العسكرية، حيث كان الاهتمام الدولي بعدم شغور قيادة الجيش، وليس بالتمديد لعون حصراً. ولكن في ظل فشل القوى السياسية في التوافق على تعيين قائد جديد، كان الدفع نحو خيار التمديد. الصورة قد تتكرر اليوم، خصوصاً إذا استمر العجز عن طرح مرشحين تنطبق عليهم المواصفات المطلوبة، واهمها ان يكون رئيساً توافقياً غير مستفز لأي طرف، ويتمتع بالنزاهة والكفاءة، وهي مواصفات عامة، قد يستغربها الوسط السياسي لأنها ربما لا تنطبق على الكثيرين من المسترئسين.

على المقلب السعودي حيث يسعى السفير وليد بخاري إلى قيادة تحرك هادف إلى انجاز تفاهم، ثمة مَن يؤكد ان المملكة ترفض التسمية، لكنها تتمسك بحق النقض على اسماء لا ترتاح اليها. وهكذا هي الحال بالنسبة إلى الدول الأخرى الأعضاء في "الخماسية"، علماً ان التركيز يبدو اليوم على الرئاسة، في إغفال كامل لمدى ارتباط اي تسوية او تفاهم حولها مع رئاسة الحكومة، حيث بدأ الحديث عن مواصفات الرئيس المقبل للحكومة، وسط لائحة لأسماء مطروحة يتم التداول بها في الأروقة الضيقة، من دون ان تتبلور نتائجها ما لم يتم حسم اسم الرئيس أولاً. ولكن الاكيد وفق المداولات الجارية ان المواصفات المطلوب توافرها في رئيس الحكومة ليست بعيدة عن تلك الموضوعة لرئيس الجمهورية، لجهة ان يكون ذا خلفية سياسية (اي ليس من التكنوقراط)، وان يكون مقبولاً لدى الافرقاء وغير مستفز لأحدهم، اضافة إلى عدم تورطه في الفساد.

الاكيد ان المرحلة اليوم ليست لإنضاج التسوية، وانما للتحضير لها. ولذلك يرحّل الكلام عن انتخابات رئاسية إلى مرحلة لاحقة لن تكون قبل نيسان المقبل. وهذا ما يفسر بقاء الأمور في مربع المواصفات وعدم الانتقال إلى المراحل النهائية التي تُسقط المواصفات على المرشحين!