الدوائر العقارية تعمل جزئياً... وموظّفون متّهمون يعودون إلى العمل قريباً

"اشتريت منزلي في الحازمية منذ سنة ونصف السنة ولم أستطع حتى اليوم تسجيله، ولا أملك ما يثبت ملكيتي سوى عقد بيع أبرم لدى كاتب بالعدل. وقد أعلمني حينها وكيلي أنه يسري على العقد مرور الزمن، وبعد 10 أعوام سيصبح حكماً ملغى.


كنت أنوي تسجل العقار باسم ابني البكر، أما الآن فأخشى أن أموت قبل الاطمئنان على سند ملكية المنزل". هذه المعاناة التي يعيشها السبعيني يوسف ماضي يعيشها آلاف اللبنانيين الذين اشتروا عقارات في العامين الماضيين من دون أن يتسنّى لهم تسجيلها في الدوائر العقارية بسبب إقفال الدوائر العقارية في عام 2022 على خلفية تهم فساد بناءً على إشارة المدعي العام الاستئنافي في جبل لبنان سامر ليشع.


فحملة التوقيفات طالت نحو 70 موظفاً من أصل 124 يعملون في عقارية جبل لبنان بتهم تقاضي رشى وإثراء غير مشروع، فيما توارى نحو 65 موظفاً خوفاً من الملاحقة، صدرت بحق 15 منهم مذكرات غيابية. وفي آذار 2023 صدر القرار الظني، وجرى على إثره إخلاء سبيل الموقوفين لقاء كفالات مالية مع منعهم من مزاولة العمل لأربعة أشهر. ولكن بعد انقضاء هذه المهلة حاولت وزارة المال إعادتهم الى العمل، بيد أنهم طالبوا بضمانات بعدم توقيفهم مجدداً، فاضطرت الوزارة الى الاستعانة بفريق عمل من موظفيها لمعاونة الموظفين الذين عادوا الى العمل.


في هذه الفترة، بات تخليص المعاملة العقارية مستحيلاً بعدما كان صعباً، ويمكن القول إن المديرية العامة للشؤون العقارية أضيفت إلى لائحة المرافق العامة ومؤسسات القطاع العام "المُعطلة" عن العمل، وأمسى سند الملكية مفقوداً تماماً كجوازات السفر ورخص السوق.

في كل دول العالم يُعتبر كبح جماح آفة الفساد وملاحقة مرتكبيه ظاهرة سليمة، إلا في لبنان، فتترجم هذه العناوين تلقائياً بشلّ عمل إدارات يُفترض بها تيسير شؤون المواطنين ورفد الخزينة العامة بالمال. أما المواطن اللبناني فينتابه شعور دائم بأن دولته تنصب له فخاً، إذ إن آلاف المواطنين كانوا يأملون تسجيل عقاراتهم على سعر صرف الـ1500، لكنهم لم يستطيعوا تحقيق مبتغاهم لأن حكومة تصريف الأعمال انتظرت إقرار الموازنة الجديدة التي ضاعفت كافة الرسوم والضرائب لتتخذ بعدها قرار الإعلان عن استئناف العمل داخلياً في العقارية، خصوصاً بعدما تفاقمت الخسائر التي تكبّدتها الخزينة من جراء هذا الإقفال.


ولكن رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان يؤكد أن الرسوم لم ترتفع، وكل ما حصل هو تصحيح للرسوم لحظته تعديلات موازنة 2024 قائلاً "من الإجراءات التي لحظتها لجنة المال أثناء دراسة مواد الموازنة وضع حدّ أقصى للرسوم التي كانت محتسبة على سعر صرف 1507،5، إذ تُضرب حالياً بعامل 46 مرة للرسوم و60 مرة لضريبة الدخل". (أما الضريبة على القيمة المضافة والرسوم الجمركية فيجري تحصيلها منذ أشهر وفق سعر السوق).
وفيما يقدر كنعان هذه الخسائر بأكثر من 10 آلاف مليار ليرة لبنانية، أي نحو 100 مليون دولار، قال لـ"النهار" إن "إقفال الدوائر العقارية لأي سبب كان غير مقبول مطلقاً، خصوصاً أن الدولة اللبنانية في هذا الظرف العصيب بأمسّ الحاجة لإيرادات تغنيها عن الاستدانة أو الدخول في عجز".

وضع عقارية جبل لبنان حالياً؟
حتى الآن لا يزال العمل خلال الأسبوع في دوائر جبل لبنان العقارية يقتصر على إنهاء آلاف المعاملات غير المنجزة التي قُدّمت قبل نهاية الـ2022، أي إنه عمل داخلي، فيما تفتح أبوابها أمام المواطنين نهار الجمعة لتسلتم الإيصالات وسندات الملكية المنجزة حصراً، وفق ما تؤكد مصادر معنية لـ"النهار".


وتلاحظ المصادر عينها أن ما حصل من توقيفات وملاحقات قضائية لم يردع الموظفين والسماسرة الذين عادوا الى العمل في عقارية جبل لبنان وعقارية بيروت عن استئناف نشاطهم بتقاضي الرشى وتعديل "بدل أتعابهم" وفقاً لقيمة الإيصالات الجديدة المعدلة في موازنة 2024، هذا غير سماسرة الطوابع الجدد الذين ظهروا عند مداخل كل الدوائر العقارية إبان أزمة فقدان الطوابع في الآونة الأخيرة.

وتكشف المصادر أن عشرات الموظفين المحسوبين على قوى سياسية ومتهمين بتهم فساد، يتهيّؤون لمعاودة عملهم بعد تسديد الغرامات القضائية التي صدرت بحقهم، لكن مع تبديل في أمكنة عملهم، فعلى سبيل المثال الموظف في عقارية بعبدا سيُنقل الى عقارية بيروت، بناءً على موافقة الجهة المنتمي إليها.

فهل أصبح في إمكان المواطنين تسجيل عقاراتهم في جبل لبنان؟ تقول المحامية مريم شرف "من المستحيل تسجيل عقار الآن، لكن نستطيع أن نسجل بعض العقارات احتياطياً، وذلك لحين التسجيل الرسمي والفعلي"، وتضيف "قبل الأزمة كان إنجاز المعاملات في العقارية يؤمن مصدر دخل أكثر من جيد للمحامين وكانت بعض مكاتب المحاماة تعتمد عليها لأن جلسات القضايا الأخرى تستغرق أشهراً وربما سنوات".

وتعتبر شرف أن "الإصلاح البارز الذي حصل في الدوائر العقارية خلال فترة الإقفال يكمن في أمرين، الأول يتمثل بتفعيل الموقع الإلكتروني للمديرية العامة للشؤون العقارية الذي يسمح لأصحاب المعاملات بالتأكد من انتهاء سندات ملكيتهم، أما الثاني فيتمثل في السماح لأصحاب المعاملات بتسديد إيصالاتهم في فروع omt وwishmoney، لأن مراكز المالية في المناطق غالباً ما تعاني من ازدحام ومن أعطال متكررة في منظومتها المعلوماتية".

أما المواطن اللبناني، فليس أمامه سوى خيار الانتظار ليصار الى إعادة فتح الدوائر العقارية، لكي يتمكن من تسيير معاملاته وذلك بعد أن "يكرم" موظفاً وسمساراً ومحتكر طوابع.