العبسي: نحن أبناء الحاضر والمستقبل وعلينا ايجاد الحلول

استهل بطريرك انطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي جولته الاوروبية بترؤسه الليتورجيا الالهية في كنيسة مار يوحنا الذهبي الفم في بروكسل، عاونه فيها راعي أبرشية كندا المطران ميلاد جاويش وخادم رعية بروكسل الاب أنطوان طنوس ولفيف من الكهنة.

وحضر القداس السفير البابوي في بلجيكا فرانكو كوبولا، والسفراء لدى بلحيكا: لبنان فادي الحاج علي والسوري عمار الارسان والفلسطيني عبد الرحيم الفرا والاردني سجا سطام المجالي اضافة الى الوفد المرافق وحشد من أبناء الجاليات اللبنانية والعربية في العاصمة البلجيكية.

وبعد الانجيل المقدس ألقى العبسي كلمة شدد فيها على "أهمية التواصل بين مكوّنات المجتمعات لاسيما في هذه الظروف القاسية التي تفرض نفسها على الجميع"، وقال: "يسرّني كثيرًا أن نجتمع اليوم معًا من جديد بعد انقضاء أربع سنوات على لقائنا الأخير عام 2018. في ذلك الحين كانت زيارتي لكم بداعي انتخابي بطريركًا، جئت أتعرّف عليكم وأصلّي معكم واتفقّد أحوالكم. وفي هذا اليوم زيارتي لكم هي بداعي مرور ثلاث مئة سنة على إعادة الشركة الكنسيّة بين كنيستنا الملكيّة والكرسي الرومانيّ الرسوليّ، في عام 1724".

وأضاف: "جئت أيضًا أتفقّد أحوالكم بعد هذه السنوات الأربع وأنضمّ إليكم في الصلاة من أجل كنيستنا وبعضُنا من أجل بعض في هذه المناسبة المقدّسة. جئتُ أتذكّر معكم في حضرة الله السنوات الثلاثمئة كيف قضيناها وماذا يسعنا أن نعمل في المستقبل من أجل نموّ إيماننا وتقديس ذواتنا ومن أجل الشهادةِ شهادةً ناصعةً صادقة لإنجيل ربّنا يسوع المسيح في حياتنا اليوميّة ببساطتها وعفويّتها، بحلوها ومرّها، بفرحها وحزنها، بجمالها وبشاعتها، بأنوارها وظلالها".

وتابع: "في هذا اليوم، في هذه الليتورجيّا المقدّسة نتذكّر ونعي ما اعترانا من وهن وخطيئة منذ البداية إلى هذه الساعة. نصحو مثل الابن الشاطر من واقع كان فيه بلا شكّ عثرات وانتكاسات وفراقات وخصومات، فنعود مثله إلى ذواتنا نتفحّصها ونرجع من ثمّ إلى حضن الآب، إلى بيت الآب تائبين وطالبين الغفران. بيد أنّنا في الوقت عينه نرى ما كان في سنواتنا المنصرمة من فرح وجمال وخير ومن خدمة ومحبّة وعطاء، ومن إبداع وتألّق ونجاح، فنشكر الله عليها معترفين بإحساناته. لكنّ تذكّر ما مضى على أهمّيته وضرورته لا يكفي لأنّنا لسنا من الذين يعيشون على الماضي ولو كان جميلاً. نحن أبناء الحاضر وأبناء المستقبل، وما نواجهه، ما يتحدّانا الآن وهنا، كثير وملحّ وفي حاجة إلى أن نجد له حلولاً قدر المستطاع حتّى نتابع الشهادة الإنجيليّة ونستمرّ في إنماء إيماننا وتقديس ذواتنا. الظروف والأفكار والأشياء والوسائل والسبل تتغيّر ويتغيّر معها كيف نشهد لإنجيل يسوع ونعيش حياةً ننمو فيها بالإيمان ونقدّس ذواتنا".

وأردف: "أيها الأحبّاء، تعلمون كلّكم، تلمسون وترون ما يتحدّانا، في هذه الأيّام، نحن الذين اعتمدنا بالمسيح ولبسنا المسيح. السؤال المطروح علينا هو هل لنا نحن المسيحيّين المشرقيّين طرقنا ووسائلنا وأفكارنا وتقاليدنا لمواجهة التحدّيات الآنيّة أم أنّنا ننجرّ إلى غيرنا ونذوب معهم فنعالجها كما يفعلون هم فنفقد ما يجعلنا مستمرّين في الشهادة ليسوع، نفقد إيماننا وأخلاقنا؟ لا شكّ أنّنا لا نستطيع ولا نريد أن نعزل أنفسنا وأن نعيش متقوقعين منغلقين على ذواتنا كما في غيتو، على هامش مجتمعاتنا. لقد قال لنا السيّد المسيح أنتم في العالم. أجل نحن في العالم. وهذه هي مشيئة الربّ. ليس لنا عالم آخر نعيش فيه أو نصنعه كما نريد. إنّما أضاف يسوع وقال لنا أنتم لستم من العالم. نحن لسنا من العالم لأنّنا مولودون من الله كما قال القدّيس يوحنّا الإنجيليّ. علينا إذاً أن نسلك في هذا العالم كأبناء الله، أن نزرع فيه زرع الله ولو أنّ الشيطان لا يكفّ عن زرع الزؤان بيننا، عن زرع زرعه السيّء ليقضي على زرع الله الذي فينا، ليقضي علينا نحن زرعَ الله. لذلك علينا أن نتحلّى بالجرأة والثقة، أن لا نخاف، أن لا نستحيي بالسيّد المسيح ولا بإنجيله. وكيف لنا أن نستحيي بالربّ يسوع وبإنجيله وفيهما من الجمال والكمال الإنسانيّين والأخلاقيّين والفكريّين ما هو كفيل بأن يوفّر لنا السعادة الكاملة؟".

وتابع: "ما يثلج القلب في هذه الرعيّة هو أنّها رعيّة جامعة تضمَ أبناءً من مختلف الكنائس ومن مختلف البلدان ومن مختلف العادات. تضمّهم لأنّهم إنّما جاؤوا كلُّهم إلى شخص واحد، إلى السيّد المسيح. رجائي أن نستمرّ على ذلك وأن تكون رعيّتنا رعيّة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم رعيّة التلاقي والتحاور ليس فقط في ما بيننا بل أيضًا في ما بيننا وبين إخوتنا ومواطنينا اليهود والمسلمين كما نفعل في بلادنا. نحن جميعًا عيال الله وعلينا أن نسعى معًا للتفاهم والتلاقي وبناء مجتمعاتنا والإنسان فيهاأينما كنّا".

وأضاف: "بالعودة إلى المئويّة الثالثة لإعادة الشركة مع الكرسي الرومانيّ الرسوليّ، التي نتذكّرها في هذا العام 2024، لا بدّ من ذكر هذه الكنيسة التي أنتم قائمون فيها ومن ذكر هذه الرعيّة التي أنتم أبناؤها. تأسّست هذه الرعيّة الملكيّة، رعيّة القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، عام 1980 بمساعٍ من الأب سيرج دسّي لتخدم أبناء الجاليات العربيّة المسيحيّة على مختلف كنائسهم وبلادهم وتراثاتهم، كما أشرنا في البداية، وهي بذلك أوّل كنيسة من هذا النوع في بلجيكا".

وتابع: "أيّها الأحبّاء، ثلاث مئة عام انقضت.نشكر الله على كلّ ما حصل فيها مستعطفين رأفته ومستمطرين نعمته للانطلاق من جديد إلى الأمام. اليوبيل محطّة للتزوّد والتبصّر ومتابعة المسيرة: "أقوم وأمضي إلى أبي". أمامنا مستلزمات وتحدّيات كثيرة ومنها ما هو مُلِحٌّ كموضوع حضور كنائسنا نحن الشرقيّين في المغتربات،هذا الموضوع الذي يكبر يومًا بعد يوم والذي ينبغي علينا أن نوجّه له عناية خاصّة. حضورنا في المغتربات لم يعد يقتصر فقط على ممارسة طقوسنا وتقاليدنا بل صار شهادة للإنجيل في محيط يبتعد رويدًا رويدًا بل سريعًا عن الله. نحن في المغتربات أصبحنا حملة رسالة هي أن نعرّف على السيّد المسيح.وإن كنّا نتمسّك بطقوسنا وتقاليدنافلكي نستقي منها ما يقوّينا ويساعدنا على القيام بهذه الرسالة. وفي هذا السياق أودّ أن أشدّد على ضرورة أن يقوم كهنة ورهبان وراهبات من بينكم فلا نتّكل على أن يأتي إلينا هؤلاء من الشرق. أملنا كبير أن نصل إلى هذه المرحلة في الأيّام المبلة".

وختم: "في الأيّام القادمة أيضًا سوف نستمرّ بكلّ قوانا من أجل البلوغ إلى الوحدة التي نَنشُدها جميعنا، مذلّلين العقبات التي تحول دونها. وأرجو أن تكون هذه الرعيّةوالرعايا في الاغتراب التي تشبهها نواةً لهذه الوحدة التي أرادها السيّد المسيح وصلّى من أجلها".