العودة الى الصفر... هكذا هو مصير خطة سلطة التجارب الفاشلة!

لبنان بين مصيبتين؛ من جهة، مصيبةٌ هزّت اركانه وحاصرته بأزمة اقتصادية ومالية تتراكم ويلاتها على مدار الساعة، وحفرت عميقاً في الواقع اللبناني والقت بكل اللبنانيين في قعرها، وأفقها مسدود بالكامل. ومن جهة ثانية مصيبة اكبر متمثلة بما باتت تسمى عن جدارة «سلطة التجارب الفاشلة»!

فالخطة التي سخّرت السلطة كل عقول فريقها لابتداعها، واقامت الافراح وعلّقت الزينة السياسية على حبالها التكنوقراطية احتفاء بهذا الانجاز العظيم، ثبت لهذه السلطة، وبعد نحو شهرين من ولادتها، انّها بمضمونها الحالي خطة فاشلة وغير صالحة لأن تحقق التعافي الذي نشدته، وبالتالي هي بحاجة الى تطوير.

من الاساس قيل للسلطة انّ خطتها قاصرة، وبحاجة الى تحصين، لكنّ العناد صمّ الآذان، وضيّع على البلد ما يزيد على الشهرين في الدوران حولها، وهي فترة كانت كافية لإصابة البلد بمزيد من الضعف والترهّل، ولإصابة اهله بمزيد من الهريان، والقت بالكيان اللبناني برّمته في رمال متحركة تبلعه رويداً رويداً.

إقرار السلطة، بعدم صلاحية خطّتها بطبعتها الاولى، يعني سقوطها امام اللبنانيين الذين اوهمتهم بأنّ هذه الخطة هي خشبة خلاصهم، ويعني ايضاً سقوطها امام المجتمع الدولي وكل مؤسساته المالية، وعلى وجه الخصوص صندوق النقد الدولي، الذي شكّك بهذه الخطة من اللحظة الاولى، وتحوّل في جلسات التفاوض الى حَكَم بين الجانب اللبناني، في فضيحة انقسامه على ارقام الخسائر، والذي لم ينتهِ بعد.

عملياً، عادت السلطة بخطتها الى نقطة الصفر، ما يعني انّها ستُقدم على «طبعة ثانية»، ومن الآن وحتى تولد خطتها الجديدة وتتكشف تفاصيلها، وحده الله يعلم بحال البلد وما قد يصيبه، وأيّ منحدر سينزلق فيه. علماً انّ اللبنانيين بالكاد صدّقوا ترويجات السلطة حول الخطة، بأنّها تشكّل بارقة أمل لهم، وانّها المفتاح لتدفقات الاموال من كل حدب وصوب عربي او غربي، وهذا ما اكّدت عليه الجلسة الحوارية حول هذه الخطة التي انعقدت في السادس من ايار الماضي في القصر الجمهوري.

لدى اللبنانيين الفُ سبب وسبب، لعدم الثقة بسلطة لم تستطع ان تبني لها رصيداً لديهم، والقدر نفسه من الاسباب، وربما اكثر، هو لدى المجتمع الدولي ومؤسساته المالية، وتحديداً صندوق النقد الدولي، لعدم تصديق السلطة بالنظر على وعودها السابقة المخلّة بالإصلاح، فكيف لها وبعد تجربة، او بالاحرى تجارب فاشلة، ان تثبت انّها تتمتع ولو بقدر ضئيل جداً من الصدقية؟

وهذا متوقف على ما تُسمّى «الصيغة المتطورة» للخطة، والتي تتوخّى منها السلطة ان تحظى بقبول اللبنانيين، كذلك برضى صندوق النقد عليها، علماً انّ الصندوق، ومن خلفه المجتمع الدولي، لم يقفل الباب امام السلطة، وبشهادة كل الخبراء العارفين بخفايا وتوجّهات الصندوق، فإنّه ظلّ حتى اللحظة الاخيرة، يساعدها في بناء رصيد لها عنده، عبر نصائحه المتتالية وتأكيده على استعداده ان يتعاون معها، لمنع الوضع البائس في لبنان من أن يصبح أسوأ. واما الشرط الاساس لإثبات صدقية ومسؤولية هذه السلطة فهو الشروع فوراً في اجراء الاصلاحات. وهذا ما لم يحصل حتى الآن.

أكد خبير اقتصادي لـ"الجمهورية" انّ الخطأ الكبير الذي ارتكبته السلطة من البداية انها وضعت الخطة بطريقة عشوائية ومتسرّعة تجاوزت كل القطاعات التي يفترض ان يؤخذ رأيها في الخطة وآليات الحلول والمعالجات.

وفي السياق، أشار الخبير المذكور الى انّ الخطأ القاتل الذي ارتكبته هو انها قدمت شيئاً سَمّته خطة، فيما هو فقط مجرد ارقام لا اكثر، واخطر ما فيه انها نَأت بالدولة عن المسؤولية عن الخسائر التي وقعت، وألقتها على كل الآخرين، أي على المصارف وعلى مصرف لبنان - وهذا يحتمل بعض الصحة - وكذلك على المودعين، الّا انّ الحكومة لا تستطيع ان تقول انّ الكل مسؤولون والدولة لا دخل لها، فقط عليها ان تراجع المادة 113 من قانون النقد والتسليف، التي تشير الى انّ العجز يُغطى من الاحتياط العام، ولكن عند عدم وجود هذا الاحتياط او عدم كفايته تغطّى الخسارة بدفعة موازية من خزينة الدولة. وهذا يعني انّ الدولة لا يمكن ان تكون على الحياد فيما تحمّل المسؤولية للمصارف ومصرف لبنان والمودعين.

وقال مرجع معني بالحاضنة لـ«الجمهورية»: مشكلة البلد انّ الداخل مصاب بالتكلّس الوطني، كل الناس تراقب بعضها بعضاً، وربما تضع مخابرات على بعضها بعضاً، وتكمن لبعضها بعضاً، وكل طرف ينتظر من سيصرخ أولاً ومن سيقع في الكمين قبل الآخر. المشكلة الاساس انّ الوفاء للبلد معدوم، فلو انّ اللبنانيين متفاهمين مع بعضهم البعض ومتوحدين على موقف واحد وشعور واحد، فمن يستطيع ان يهزّهم، حتى ولو تعرّضوا للضغوط من كل الدنيا، ولكن مع الأسف «نحن مِش مناح بحقّ بلدنا».