"الفيول المخلوط بالماء": تباين في نتائج الفحوص!

هل كان على "الفضيحة" أن تصيب نائباً ورجل أعمال في آن واحد، وتتسبب وفق ما قال بأعطال في آلات مصنع يملكه، وتتهدد حياة العاملين في مؤسسته الصناعية، ليعلو الصوت أكثر ويتحرك التفتيش والإعلام، والتوسع في التحقيق وفي دقة ما قيل، ولكشف الحقيقة وتحديد المسؤوليات؟. ما الجديد في خبر يقول: "فيول مخلوط بالماء" يباع ويوزع على المعامل الصناعية ومولدات الكهرباء، وغيرها من المؤسسات؟ الجديد أن "الغش" أصاب نائباً، ورجل أعمال قادراً على الوصول إلى وسائل الإعلام، صوته مسموع كما إمكانياته، وهو قادر بحكم موقعه وصلاته السياسية، على تحريك المعنيين في الدولة وأجهزة الرقابة.

الغش في الفيول ليس جديداً، ولعل آخرها فضيحة ملف شركة سوناطراك المدوية في أواخر آذار 2020 بعدما اتضح أن لبنان كان يستورد على مدى أعوام فيولاً مضروباً لمعامل الكهرباء. والفيول المغشوش إلى جانب الغش في اللحوم والإسماك، والرز الهندي، والطحين المنتهي الصلاحية، والنسكافيه أخيراً، وانتشار الدولارات والعملات المزورة والأدوية ووو... حال من أحوال تتكرر يومياً في البلاد وباستمرار معلوم مجهَّل لدى قسم ليس بقليل من القطاعات الاقتصادية والخدماتية وغيرها.

أول من أمس، كتب النائب ميشال ضاهر على منصة "أكس": "هل وصل الغش بشركات النفط إلى حد خلط الماء مع الفيول الذي قد يسبب انفجارا نتيجة تبخر الماء وتحوله إلى بخار في الشوديرات عدا عن توقف الإنتاج في المصانع؟ تواصلت مع وزير الطاقة الذي وعدني بفتح تحقيق واسع ومعاقبة المسؤولين خصوصا ان وزارة الطاقة تقوم بفحص البواخر عند الاستيراد".

مشكلة الفيول المخلوط بالمياه حصلت في أحد معامل الضاهر، وفق ما قال ما دفعه لإثارة الموضوع عبر منصة "أكس"، خصوصاً أن المتخصص في صيانة الآلات الصناعية أخبره أن هذه الحادثة حصلت مع مصانع عدة، بما أدى الى أعطال كبيرة في الآلات، وقد باشرت أمس احدى الشركات المستوردة للنفط بسحب الفيول من خزانات معمل كبير لاستبداله بكميات جديدة.

لكن نتائج الفحوص المخبرية التي أجرتها وزارة الطاقة على عينات سحبت من خزانات شركة Uniterminals أظهرت حقيقة معاكسة لاتهام الضاهر إذ تبين أن فيول الشركة غير "مضروب" بالمياه، فيما أصر الضاهر بأن نتائج الفحوص التي أجرتها مؤسسته في معهد البحوث أثبتت بأن الفيول ممزوج بالمياه، مستغربا نتيجة الفحص الذي أجرته الوزارة.

وكانت وزارة الطاقة أرسلت عينات سحبت من خزانات شركة Uniterminals الى مختبرات الوزارة المعتمدة في الزهراني، فيما بادر الضاهر الى ارسال عينات الى معهد البحوث الصناعة لاثبات شكوكه.

ما بين مسارعة المختصين في الوزارة وبتوجيه مباشر من الوزير بإجراء المقتضى المخبري وظهور النتيجة "سلبية"، وما بين النتيجة "الايجابية" التي ظهرت لدى مختبر البحوث بطلب من النائب الضاهر من يحسم الحقيقة؟ ومن يعطي لكل ذي حق حقه، ومن اي مرجعية نفطية أو صناعية أو قضائية سيعرف الناس الجواب الموثوق؟ على أمل ان لا يحال هذا الملف الذي أشغل الصناعيين ومستوردي النفط ووزارة الطاقة الى ادراج النسيان كما غيره من الملفات المنسية.

وأكد الضاهر لـ"النهار" أن المصانع تستخدم الفيول للحراقات التي إن دخلت إليها المياه تتبخر وتالياً يمكن أن تتسبب بانفجارات. وهذا ما كان سيحصل في المعمل لولا التنبّه للموضوع، ولو أنه لا يوجد نظام حماية فعال في المعمل لوقعت خسائر ضخمة، علماً بأن الإنتاج توقف في المعمل ليوم كامل، ما تسبب بخسائر مادية كبيرة. ويلفت الضاهر الى أنه لن يتساهل مع الموضوع، وسيمضي "بالملف حتى الأخير من خلال الادعاء على الشركة في القضاء ليأخذ كل صاحب حق حقه".

على مقلب وزارة الطاقة، فإن الوزير وليد فياض الذي تابع شخصياً هذه القضية، وأوكل إلى المفتشين بالوزارة الكشف على خزانات شركة Uniterminals التي تورد الفيول لمصنع الضاهر، وأخذ عينات لفحصها للتأكد من جودة المنتج. وتوازياً سيتم الاتصال بجميع العملاء الذين تم بيعهم الفيول من Uniterminals، للتأكد من عدم وجود خلط بالماء في المنتج المبيع لهم. وهذا الأمر طلبه صاحب الشركة شخصياً من وزير الطاقة حتى إنه أرسل له لائحة بأسماء الشركات والمؤسسات التي تم تسليمها الفيول.

من جهته، استبعد رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون شماس استيراد الفيول المخلوط بالمياه، كذلك استبعد حصول الغش في لبنان، إذ إن كلاً من هاتين المادتين تنفصل عن الأخرى بعد خلطهما مباشرة ما يفضح عملية الغش. أمام هذا الواقع، يرى شمّاس أهمية التحقيق في مصدر المياه، مشدداً على "استحالة أن يكون مصدرها شركة استيراد النفط، بدليل أنه يجري فحص الفيول قبل تسليمه لصاحب الشاحنة للتأكد من خلوّه من الرواسب، وكذلك الأمر بالنسبة لمتسلّم الشحنة الذي يتأكد من جودة البضاعة التي يتسلمها". ولا يستبعد شماس أن تكون المشكلة في خزانات المعمل، مؤكداً أن "التحقيقات ستكشف الثغرة التي أدّت الى هذه الحادثة". ويضيف شماس "طلبت الشركة المستوردة للفيول من وزارة الطاقة إرسال مراقبين الى خزاناتها للتأكد من خلوّها من المياه"، مرجحاً أن تكون المشكلة حالة فردية، إذ إن الشركة المستوردة نفسها تتعامل مع معامل عدة ولم ترد أي شكوى منها". وعما إن كان خلط المياه مع الفيول يمكن أن يتسبّب بانفجار، قال شماس: "لا أعتقد أن هذه النظرية صحيحة ولا مبرّر علمياً لها، فالانفجار يمكن أن ينتج عند خلط المازوت مع مواد سريعة الاشتعال كالتنر مثلاً، وحتماً ليس المياه".