النظام السّوريّ يعيد ترحيل اللاجئين "المُرحَّلين".. ويختطف بعضهم!

كتبت بتول يزبك في المدن:

"في 28 من أيار الفائت، وخلال جلسة لمجلس الوزارء، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال، نجيب ميقاتي، أن "لبنان قدّم وللمرة الأولى خطة عمل واضحة ومُحدّدة لتنظيم ملف النازحين (الحكومة متمسّكة بهذه التسمية للاجئين السّوريّين)، في مؤتمر بروكسيل الثامن، وتتضمن التنسيق بين مختلف الوزارات والأجهزة المعنيّة (تعاون لبنانيّ- سوري) ضمن مُهل زمنيّة محددة. كما تدعو لفصل مسألة "النازحين" عن الاعتبارات السّياسيّة وإيجاد مناطق آمنة في سوريا لبدء عملية العودة". وهذا التصريح جاء على متن مئات التصريحات الّتي بُثت في الفترة ذاتها، جلّها ينضوي على ما يُمكن تسميته بالطيش السّياسيّ الذي يجنح في بعض الحالات إلى المخاتلة والمواربة والتهديد في الحديث مع المجتمع الدوليّ والأوروبيّ (كفتح السّواحل أمام المهاجرين) أو التعاطي مع اللّبنانيين أنفسهم.

هذا علمًا أن الإعلان لم يأتِ كبادرة لفتح باب التعاون بين الجانبين. فقد كان التعاون السّوريّ- اللّبنانيّ، منطلقًا على قدمٍ وساق منذ ما قبل المؤتمر بفترة وجيزة (الوفود اللّبنانيّة الرسمية إلى دمشق، وزيارة رئيس المخابرات السورية حسام لوقا إلى أمين عام حزب الله حسن نصرالله)، وبصورة متقطعة علانيّة، وباستمرار خفية، في السنوات الماضيّة.

وإن كان من النافل اليوم، مجدّدًا تفنيد كل المغالطات القانونيّة والدبلوماسيّة والسّياسيّة والثغرات اللوجيستيّة والإنسانيّة، والتباس الموقف الرسميّ إزاء نظام الأسد؛ وفي ظلّ سيطرة الشائع والشعبويّ على الواقع، فإن التساؤل الحقيقي، يكمن حاليًّا، وإن سلّمنا جدلًا أن الحكومة لا خيارات أمامها سوى الترحيل التعسفيّ للاجئين، فما مصيرهم في الداخل السّوريّ؟ هل ترحيلهم هو الحلّ؟ هل برامج التعافي المُبكر هي مدماك مؤسس لمرحلة انتقاليّة سوريا؟ وهل "سوريا الأسد" -أرض اليباب والموت المجانيّ- فعليًّا تُريد استقبال مواطنيها الذين هجّرتهم هي بالمرتبة الأولى؟

لا جدال بضرورة عودة اللاجئين إلى ديارهم، كمصلحة أولى للشعبين اللبناني والسوري. بل لا جدال في حق كل سوري أن يعود إلى بلده من دون خوف، كما من حق لبنان حماية سيادته ومواطنيه. لكن المعضلة تكمن في أن ما يرغبه اللبنانيون لا تحققه الخطة الحكومية. ورمي اللاجئين عند الحدود أو في البحر، ليس حلاً على الإطلاق.

اختفاء قسريّ واحتجاز للاجئين مُرحلين
في تقريرٍ لها، صدر منذ أيام قليلة، أفادت "الشبكة السّوريّة لحقوق الإنسان - SNHR" (وهي منظمة حقوقيّة مستقلة ومعنيّة برصد انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا) أنّه "تمّ توثيق ما لا يقلّ عن 228 حالة احتجاز تعسفيّ، بينهم 13 طفلًا و4 نساء، في أيار الفائت وحده، وأشارت إلى أن النظام السّوريّ يستهدف اللاجئين الذين تمّ ترحيلهم قسرًا من لبنان، أكان بالاعتقال أو بالإخفاء، وغالبيتهم جرى توقيفهم عند نقطة المصنع الحدوديّة".

واستعرض التَّقرير توزُّع حالات الاعتقال التعسفيّ في أيار حسب المحافظات، كما استعرض مقارنة بين حصيلة حالات الاحتجاز التعسفي وحالات الإفراج من مراكز الاحتجاز لدى أطراف النزاع، لتقول الحصيلة إن حالات الاحتجاز التعسفيّ تفوق حالات الإفراج من مراكز الاحتجاز. مما يؤكد أن عمليات الاعتقال والاحتجاز هي نهج مكرّس، وأن عمليات الإفراج محدودة، لدى جميع أطراف النزاع، وبشكل رئيس في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السّوريّ. وأشار التقرير إلى رصد عمليات اعتقال استهدفت لاجئين تم إعادتهم قسريًّا من لبنان في منطقة الحدود السّوريّة اللّبنانيّة عند معبر المصنع الحدوديّ، بعد قيام الجيش اللّبنانيّ بحملات دهم واعتقال استهدفت اللاجئين السّوريّين في لبنان، وترحيلهم إلى الحدود السّوريّة- اللّبنانيّة، واقتيد معظمهم إلى مراكز الاحتجاز الأمنيّة والعسكريّة في محافظتي حمص ودمشق..

وأفاد التقرير بأن قوات النظام السّوريّ نفذت عمليات اعتقال واحتجاز واسعة النطاق استهدفت المدنيين في محافظات ريف دمشق، وحلب، ودرعا، وذلك بذريعة التخلف عن الخدمة العسكريّة الإلزاميّة والاحتياطيّة. تمت معظم هذه العمليات ضمن حملات دهم واعتقال جماعيّة وعلى نقاط التفتيش، وشملت أشخاصًا قاموا بتسوية أوضاعهم الأمنيّة في المناطق الّتي أبرمت اتفاقات تسويّة مع النظام السّوريّ. كما سجل التقرير عمليات اعتقال واحتجاز استهدفت العائدين من "اللاجئين والنازحين" أثناء محاولتهم الوصول إلى مناطقهم الّتي تسيطر عليها قوات النظام، وخصوصاً اللاجئين الذين عادوا عبر المعابر من لبنان والأردن، مثل معبر نصيب في جنوب محافظة درعا.

فيما قالت منظمة "الحملة السّوريّة" الحقوقيّة إنه وبالرغم من ادعاء بعض دول الاتحاد الأوروبيّ أن "أجزاء من سوريا آمنة"، إلا أن عودة اللاجئين إلى سوريا أمر مستحيل. إذ لا توجد منطقة آمنة تحت سيطرة نظام الأسد أو أي سلطة أمر واقع أخرى. وأشارت المنظمة إلى أن حياة الناس في خطر مع استمرار التعذيب والتجنيد القسريّ والفساد. وشددت على أن ترحيل اللاجئين من لبنان والأردن وتركيا يعرّضهم لمخاطر جسيمة.

ويأتي مثل هذا التقرير، كمعطى حاسم يدحض كل مزاعم لبنان الرسميّ وعددٍ من دول الاتحاد الأوروبيّ (كقبرص وإيطاليا)، الّتي ادعت أن ظروف العودة باتت مؤاتيّة، خصوصًا أنّ التقرير أضاف إلى سجل الأسد الحقوقيّ المزيد من النقاط السوداء، ودحض إدعاءاته بأنّه منفتح لمرحلة انتقاليّة لمعالجة المرحلة السّابقة ومناقشتها. بل وكشف عن هشاشة الافتراضات الّتي بنتها هذه الدول، والّتي يشوبها تبسيط لحجم القضية السّوريّة من جهة، وتفريط أو جهل بخريطة السّيطرة العسكريّة في سوريا. وتأكيد أن تصنيف سوريا بالآمنة غير منطقيّ، خصوصًا أن الأسد لحدّ اللحظة لم يضع حدًّا للانتهاكات السّلطويّة، ولا يزال يفرض على الشباب السوريّ الخدمة الإلزاميّة وإقحامهم بنزاعاته المُسلّحة.

النظام يُرحل مواطنيه
وكما ثبت خلال السنتين الأخيرتين، فإن عمليات الترحيل للاجئين من لبنان لم تكن قطّ "طوعيّة" بل كانت الإعادة تتمّ بعد اعتقالهم ورميهم عند الحدود، وقد وثقت "المدن" في عشرات التقارير والتحقيقات سابقًا، عشرات الحالات للاجئين تمّ ترحيلهم قسرًا وتمّ اخفاؤهم في الداخل السّوريّ، إلا أنّه مؤخرًا تبين أن معظم المُرحلين من لبنان، كانوا يعودون إليه إما قسرًا أو طوعًا، ذلك عن طريق سيناريوهين لا ثالث لهما:

أوّلًا: منذ فترة، صدر عن مصدر برلمانيّ لبنانيّ، أن ما يقرب 11 ألف من "العائدين طوعًا" من لبنان، لم يتمّ استقبالهم في سوريا بعد ترحيلهم، وتمّت إعادتهم إلى لبنان بقرارٍ رسميّ من نظام الأسد. وقد يُحاجج البعض أن مثل هذا الإجراء لم يتمّ تطبيقه، لكنه فعليًّا منطقيّ، خصوصًا بعد ظهور المزيد من التقارير الّتي أثبتت أن القوانين التي أصدرها النظام السّوريّ قبل الحراك الشعبيّ في آذار 2011 وبعده، يهدف من خلالها السيطرة على الملكية العقاريّة والأراضي في سوريا، وتستهدف بشكلٍ أساسي ثلاث فئات، 12 مليون مشرد قسرًا، و112 ألف مختفٍ قسرًا، ونصف مليون من القتلى لم يسجل معظمهم في السّجل المدنيّ. هذا وناهيك عن كون النظام أساسًا أبدى امتعاضًا من عودة اللاجئين مجانًا ولا يزال يفاوض على حسابهم.

هذا وللتأكيد أن خيار إعادة المعارضين إلى الشمال السّوريّ، لم يكن أصلًا واقعيًا منذ طرحه، ويشوبه عشرات الشوائب اللوجيستيّة والسّياسيّة..

ثانيًّا: فإن المُرحلين من القادرين ماليًّا، يعمدون إلى العودة إلى لبنان عن طريق التهريب حدودًا. هذه الحدود "السائبة والسائلة" الّتي تسيطر عليها السّلطات اللّبنانيّة والسّوريّة والميليشيات والعشائر البقاعيّة، بحكم الأمر الواقع. الأمر الذي يزيد من حدّة "الأزمة اللبنانيّة" المتمثلة بالوجود غير الشرعيّ، فالداخل خلسة لا يُسمح له بتسويّة أوضاعه في لبنان.

استمرار حملات الترحيل
وبالرغم من كل هذه المعطيات، تستمر الحملات الأمنيّة والإجراءات الرسميّة لتضييق الخناق أكثر على اللاجئين، وآخرها كان يوم الخميس 6 حزيران، حين أقدمت قوّة من أمن الدولة وتنفيذًا لتوجيهات محافظ الشمال، بمداهمة تجمع للاجئين في بلدة كوبا في الكورة، برفقة شرطة بلدية كوسبا، وعمل عناصر أمن الدولة على إخراج اللاجئين من تلك العقارات، التي ختموها بالشمع الأحمر بعد أخذ إشارة القضاء."