الهدف الاستراتيجي لإسرائيل شلّ "الحزب" تمهيداً لضرب إيران

مع تزايد الضغط العسكري الإسرائيلي على لبنان تتساءل مصادر ديبلوماسية عن نيات إسرائيل الاستراتيجية في المستقبل. اختار رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته المتطرفة التصعيد وتوسيع الصراع مع "حزب الله" على جميع الأراضي اللبنانية قبل أن ينتهي القتال في غزة، وفيما يتزايد العنف في الضفة الغربية بين المستوطنين الإسرائيليين والسكان الفلسطينيين. فما تفسير الاستراتيجية الإسرائيلية؟ تشير هذه المصادر الى أن هناك بالطبع أهدافاً تكتيكية وتتعامل إسرائيل مع التهديدات عند ظهورها وليس لديها استراتيجية محددة لضمان سلامة أمنها بل إن تعاملها هو على القطعة. وهناك من جهة أخرى أهداف إسرائيلية محددة لمجابهة رأس الحربة إيران وتهيئة الظروف الملائمة لهجوم على المنشآت النووية الإيرانية التي تعتبر إسرائيل أنها تشكل التهديد الأكبر لسلامتها.

 

بُرّرت الحرب القائمة على لبنان برغبة إسرائيلية ملحة في معالجة الوضع في شمال إسرائيل التي نزح سكانها من المناطق الحدودية بسبب هجمات "حزب الله" الصاروخية. هذا التفسير صحيح الى حد ما مع تزايد الضغوط السياسية على الحكومة لحل مشكلة النازحين من سكان الشمال. وازدادت شدة هذه المطالب مع اقتراب الذكرى السنوية الأولى لاندلاع طوفان الأقصى، إذ تعتبر الحكومة الإسرائيلية أن من المعيب أن تضطر دولة ما الى التخلي عن استخدام أراضيها لأنها معرضة لهجمات من أعدائها.

وبرغم الضربات الموجعة التى يتعرض لها الحزب من الصعب الاقتناع بعودة قريبة للسكان الى ديارهم في شمال إسرائيل دون عمل عسكري كبير بدأته إسرائيل بهدف منع الحزب من العودة الى جنوبي نهر الليطاني.

لكن مثل هذه الخطط ليست واضحة حتى الآن برغم حشد كبير للقوات الإسرائيلية على الحدود ونتائجها غير مؤكدة كما أظهرت التحركات الإسرائيلية السابقة التى أدت في النهاية الى انسحاب القوات الإسرائيلية نتيجة تعرضها لمقاومة شرسة.

إن الهجمات التى انفجرت الأسبوع الماضي في لبنان والتي شهدت مقتل قادة رئيسيين في الحزب على رأسهم الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله دمرت بالطبع التواصل بين الفرق التابعة للحزب وضربت المعنويات لكن قواته ما زالت ترد على القصف وهي ما زالت على الحدود ولن تكون العمليات العسكرية الإسرائيلية داخل لبنان أمراً سهلاً لأن من غير المرجح أن تؤدي الضربات الصاروخية الى القضاء على الحزب.

بالإضافة الى الرغبة في تسديد ضربة قوية الى الحزب هناك بالطبع عوامل سياسية قصيرة الأمد في الداخل الإسرائيلي قد تكمن وراء الهجمات الإسرائيلية. فرئيس الوزراء الإسرائيلي ما زال تحت الضغط داخلياً ولديه نافذة مفتوحة لعدد من الأسابيع تسمح له بالقيام بعمليات عسكرية في لبنان دون معارضة شرسة من المجتمع الدولي تؤمن له في ظل التطرف الإسرائيلي تسجيل نقاط ضد منافسيه في الداخل. وهذا التصعيد العسكري يقدم للمتطرفين في حكومته الغطاء للمضي قدماً في توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة في الضفة الغربية.

والنية الاستراتيجية الأوسع وراء الهجمات الإسرائيلية الجديدة هي التحرك مباشرة ضد إيران قائدة محور المقاومة الذي يشمل "حزب الله" ومنظمة "حماس" والحوثيين في اليمن و"الحشد الشعبي" في العراق. ولطالما طلبت تل أبيب من واشنطن مساعدتها على القيام بضربات ضد المنشآت النووية الإيرانية أو دعم هجوم إسرائيلي، غير أنها جوبهت برفض من الولايات المتحدة.

وكان لافتاً حديث أدلى به الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتزوغ الذي وصف إيران بـ"إمبراطورية الشر" مشيراً إلى أن بلاده "ستزيل تهديدات وجودية لدولة إسرائيل" ومعروف أن هرتزوغ معتدل وليس مؤيداً لنتنياهو.

بالنسبة الى الدول التي تعمل على تجنب توسع الحرب فإن القلق هو من أن الحكومة الإسرائيلية قد تستخدم الهجمات اللبنانية كوسيلة لشل "حزب الله" عسكرياً تحضيراً لهجوم مستقبلي على المنشآت النووية الإيرانية.

من خلال تفجير شبكة اتصالات "حزب الله" (البيجر والاتصالات اللاسلكية) واغتيال نصرالله وقيادة الصف الأول أضعفت إسرائيل التواصل بين القوى العسكرية للحزب وهي تستمر في التصعيد ضده وتأمل من خلال تحييد الحزب بما فيه الكفاية في الاشهر المقبلة القيام بعملية ضد إيران دون القلق من نتائج هذه العملية على حدودها الشمالية، وهناك قلق دولي من قرار إسرائيلي بضرب إيران بغض النظر عن نتيجة الانتخابات الأميركية على أمل حصول دعم من رئاسة دونالد ترامب لإسرائيل وهي على استعداد لتقبل اللوم من إدارة هاريس. وهذه الاستراتيجية محفوفة بالمخاطر للغاية لأن تصعيد القتال لن يؤدي الى حل للصراع في غزة والضفة ولبنان.

أما الوضع في لبنان فالحل الداخلي يتطلب وفق هذه المصادر التمكن من التوافق على انتخاب رئيس جديد في أسرع وقت، بعد شغور دام منذ سنتين وتسليم الجيش المعزز أمن البلاد والحدود وتطبيق القرار الدولي ١٧٠١ بكل مندرجاته وتشكيل حكومة وفاق وطني تقوم بالإصلاحات الأساسية اللازمة لانطلاق عجلة الاقتصاد والاستثمارات الدولية التي قد يستفيد منها إذا تمكنت الدولة من العودة الى تسلّم الحكم. وتأمين هذا التغيير يتطلب إعادة الاستقرار على جانبي الحدود الجنوبية بعد مفاوضات لحل النزاع الحدودي بين البلدين.