آبار الفساد في وزارة الطاقة: أخطبوط المستشار والموظفين والسماسرة

قضية الآبار الارتوازية المخالفة للقانون مزمنة، نظراً للشروط الصارمة لحفر الآبار لناحية العمق المسموح به من دون مرسوم، ومدى بعده عن مصادر المياه الجوفية والينابيع. فيعمد المواطن إلى التلاعب بالوثائق التي يقدمها للاستحصال على الرخصة، أو للحصول على أذونات للاستعمال وتسوية أوضاع الآبار المحفورة قبل الحصول على التراخيص اللازمة. ويلجأ إلى السماسرة وتقديم رشاوى لموظفين في وزارة الطاقة أو للشركات المعتمدة في التدقيق بالشروط الفنية المتبعة.

عودة المعقبين لمزاولة نشاطهم
وكانت شكاوى عدة وصلت من مواطنين تعرضوا لعمليات ابتزاز من معقبين، ولا سيما بما يتعلق بحفر الآبار الارتوازية، في وزارة الطاقة، حيث تتراوح السمسرات بين 5 و10 آلاف دولار، حسب نوعية البئر ومدى مخالفته للقانون، تقول مصادر مطلعة في الوزارة لـ"المدن".
وتشرح المصادر، أن المعقبين يقومون بدفع رشاوى للموظفين لتسهيل معاملات زبائنهم، وذلك بعد توزيع المغانم بين شركات التدقيق والإداريين، لإعداد تقارير فنية غب الطلب وحسب رغبة المواطن والسمسار.
ونتيجة هذه الشكاوى والمخالفات، التي ضجت بها أروقة الوزارة، أصدر الوزير وليد فياض التعميم رقم 2-ت/و(7 تموز 2022) ذكر فيه أسماء المعقبين المعنيين وطلب من القوى الأمنية منعهم من التواجد داخل أروقة الوزارة.
لكن بعد توقف وجيز عن التواجد في الوزارة، عاد المعقبون المذكورة أسمائهم لمزاولة نشاطهم، وذلك بمساعدة من المستشار المفروض على الوزير من التيار الوطني الحر (ب. ف). فالأخير يسهل حصولهم على توقيع الوزير على معاملات وكتب غب الطلب.

المستشار يغشّ الوزير
وتشرح المصادر أن ليس لهذا المستشار أي صفة رسمية في الوزارة. ولا يوقع على أي معاملة. بل عين مستشاراً في العام 2014 لمتابعة شؤون المياه والآبار الارتوازية، وفرض لاحقاً على جميع وزراء الطاقة. ورغم قرار الوزير فياض بمنع المعقبين، عاد هؤلاء ليتجمعوا في مكتبه للحصول على تواقيع الوزير وتسهيل معاملاتهم. وعندما تستدعي الحاجة يتم إخفاء تقارير حول مخالفة الشروط القانونية، وتتم تسوية أوضاع المخالفين بكتب من توقيع الوزير. وقد وقع الوزير فياض نفسه ضحية التعاميم والكتب المتناقضة التي وقّعها في ملف أحد الآبار في منطقة جزين، وهو عينة عن المخالفات الجسيمة في الوزارة.
سبق ووقع فياض قراراً بردم آبار مخالفة للقانون في منطقة كفرحونة، ثم لاحقاً وقع كتاباً مناقضاً للقرار لوقف الردم بطلب من المستدعي صاحب البئر. وتبين أن الكتاب أعد غب الطلب من المستشار ب. ف. واستحصل على التوقيع. ما دفع الطرف المتضرر إلى تقديم شكوى إلى التفتيش المركزي ذكر فيها أن ب. ف. أقدم على غش الوزير بمعلومات غير صحيحة واستحصل على توقعيه، من دون عرض الملفات والتقارير حول المخالفات القانونية المرتكبة.

وفق الوثائق التي اطلعت عليها "المدن" والصادرة عن التفتيش المركزي حول البئرين، والقرارات والكتب التي وقعها وزير الطاقة، تبين أن الوزير فياض طلب من وزارة الداخلية والبلديات بكتاب حمل الرقم 269/ص بتاريخ 23 كانون الأول العام 2021 سحب إيصال العلم والخبر، وإيصال استعمال البئر على سبيل التسوية، وردم بئرين في العقارين 852 و2332 في منطقة كفرحونة العقارية، لأنها مخالفة للشروط القانونية لناحية البعد الأدنى المفروض عن مصادر المياه. ثم قدم صاحب البئر في العقار 2332 كتاباً بمساعدة ب. ف. طلب فيه من الوزير الرجوع عن قرار الردم، بتاريخ العاشر من شباط 2022.

تواطؤ عاملين في الوزارة
يتبين من تقارير التفتيش المركزي حول البئر أن المفتش العام الإداري مخايل فياض رفع تقريراً في 23 شباط العام 2021، استند فيه إلى تقرير المفتش الإداري رشاد السنكري، أكد فيه أن الشكوى التي قدمت أمامه ليست الوحيدة في موضوع حفر الآبار المخالفة للقانون. إذ يسجل قيام رئيس مصلحة الاستملاك والحقوق على المياه، المهندس ح. ش.، بارتكاب مخالفات وعرقلة التحقيقات القضائية. وذكر أن المديرية العامة للموارد المائية كلفت لجنة لتقديم تقرير مفصل حول قضية الآبار وتوصلت إلى نتيجة إقفال البئرين، لأن موقعهما الفعلي غير مطابق للإحداثيات المحددة بالتصريح، وأن هناك تلاعباً في وضعهما القانوني. والمخالفات تطرح إمكانية وجود تزوير في التقارير الموضوعة من شركة Apave التي تتعاقد معها وزارة الطاقة، للتدقيق بالشروط. هذا فضلاً عن وجود تواطؤ من عاملين في الوزارة.

شطب الشركة المعتمدة
وفق الوثائق، وافق المفتش العام فياض على اقتراحات المفتش السنكري لناحية اجراء تحقيق اداري هندسي، لتحديد مسؤوليات العاملين في الوزارة، الذين يعطون التصاريح، ولناحية ردم البئرين وسحب ايصالات التراخيص وإزالة التعديات، وشطب شركة Apave من لائحة شركات التدقيق المعتمدة، وإحالة المخالفات المرتكبة من الشركة بعدم مطابقة تقاريرها لواقع الحال، إلى النيابة العامة التمييزية.
بعدها رفعت المفتشية الهندسية كتاباً في 2 حزيران 2021 وقعه المفتش الهندسي جرجس ضومط اقترح فيه الطلب من وزارة الطاقة العمل بمقترحات اللجة المكلفة من مدير عام الموارد المائية والكهربائية، حسب الكتاب رقم 2946 بتاريخ 14 تموز 2020. واقترح حفظ القضية لجهة مسؤولية الموظفين، ولناحية شطب شركة التدقيق Apave إلى حين البت بالنزاع القائم لدى المراجع القضائية المختصة.

اختفاء تقرير اللجنة
في 15 حزيران 2021 اقترح المفتش العام الهندسي احمد الحجار على رئيس التفتيش استدعاء وزارة الطاقة للإفادة عن نتيجة تقرير اللجنة، لأنه لم يستكمل مجراه الإداري في وزارة الطاقة، رغم مرور أكثر من سنة عليه. لكن في المقابل يتبين من تقرير المفتش السنكري الثاني الذي كتب بتاريخ 2 شباط 2021 أنه اطلع على تقرير اللجنة الذي تم إعداده 30 تشرين الأول 2020. وتبين أن اللجنة خلصت إلى اقتراح إقفال البئرين ووقف استثمارهما وردمهما لعدم مراعاتهما الشروط القانونية.
ووفق المصادر، طلب التفتيش المركزي استدعاء وزارة الطاقة للإفادة عن نتيجة تقرير اللجنة (سبق واطلع عليه المفتش السنكري) يؤكد اختفاء التقرير في أروقة وزارة الطاقة. وهذا يطرح علامات استفهام ليس حول تحوير الوقائع لعدم ردم البئر، بل حول استمرار اعتماد شركة Apave في الوزارة. كما أنه وبعيداً عن تقرير التفتيش المركزي حول الشركة، فبعد صدور قانون الشراء العام، يفترض بوزارة الطاقة فتح مناقصات جديدة لتلزيم شركات على هذا الأساس. لكن رغم مرور نحو سنة على القانون ما زال الوضع كما كان في السابق. وهذا يطرح علامات استفهام حول المستفيدين في وزارة الطاقة من هذه الشركة وغيرها من الشركات المعتمدة من دون إجراء مناقصات وفق قانون الشراء العام.