بشار الأسد يكذب!

 لم تخلُ مقابلة الرئيس السوري بشار الأسد من ادعاءات مضللة، تضمنت إما معلومات غير دقيقة أو إنكاراً لوقائع ومعلومات مُثبتة، أو نفي التهم عن أطراف لإلقائها على أطراف أخرى، وهي ادعاءات رصدتها منصة "مسبار" التي بيّنت مكامن التضليل فيها مع إيضاح المعلومات اللازمة لفهم السياق.

المقابلة ليست الأولى مع قناة عربية
في بداية المقابلة، يقول مذيع "سكاي نيوز عربية" فيصل بن حريز، إن هذه هي المقابلة الأولى للرئيس الأسد مع قناة عربية "منذ بدء الأحداث في سوريا". لكن "مسبار" تحقق من هذا الادعاء ووجد أنه غير صحيح، إذ أجرى الرئيس الأسد مقابلاتٍ مع قناة الميادين اللبنانية في العامين 2013 و2019، كما أجرى مقابلة تلفزيونية أخرى مع قناة "المنار" اللبنانية العام 2015.

مطالب داخلية بتنحي الأسد
سأل مذيع "سكاي نيوز عربية"، الأسد، عمّا إذا فكّر بالتنحي عن السلطة في ظل الضغط الكبير الذي تعرّض له في البداية، ليردّ عليه الأسد بأنه "لم تكن هناك مطالبات داخلية برحيل الرئيس عن السلطة" بل كانت مجرد إملاءات ورغبات خارجية تجعل تنحيه "هروباً وليس تنحّياً". إلا أن ذلك ليس صحيحاً، إذ بدأت المطالبات بتنحيه حتى في الأيام التي سبقت الانتفاضة التي اندلعت يوم 15 مارس/آذار 2011 وقبل تدخل الأطراف الخارجية، ففي 5 فبراير/شباط من العام نفسه، تمت الدعوة عبر موقع فايسبوك إلى ما سُمّي "يوم غضب سوري"، كردّ فعلٍ على تصريحٍ للأسد في 1 شباط/فبراير قال فيه إنه "لا مجال لحدوث تظاهرات في سوريا، لأنه لا يسودها أي سخط على النظام الحاكم". 

كم بلغ عدد المتظاهرين في سوريا؟
وعندما رد المذيع بأن عدداً كبيراً من المظاهرات ردّد ذلك الشعار، أي شعار التنحّي، أجابه الأسد بأن حتى العدد الكبير لم يتجاوز في أحسن الأحوال "مئة ألف ونيف في أحسن الأحوال وفي كل المحافظات، مقابل عشرات الملايين من السوريين".

وعندما تحقق "مسبار" من صحة هذا التصريح، وجد أنه مضلل، إذ شهدت ساحة العاصي، الساحة الرئيسية في مدينة حماة السورية، والتي كانت مركزاً أساسياً للاحتجاجات وشهدت في 3 يونيو/حزيران 2011، مجزرة راح ضحيتها أكثر من 80 شخصاً، أكبر مظاهرة في تاريخ سوريا على الإطلاق يوم 1 يوليو/تموز بواقع أكثر من نصف مليون متظاهر، ليُصدر الأسد في اليوم التالي مرسوماً يفضي بإعفاء محافظ حماة حينها، خالد عبد العزيز، من منصبه. فيما وُثّقت مئات المظاهرات التي بلغ عدد متظاهريها عشرات الآلاف.


الإرهاب ودمار البنية التحتية في سوريا
سأل مذيع "سكاي نيوز عربية"، الأسد، عن التحدي الأبرز لعودة اللاجئين، فقال الأخير إن "البنى التحتية التي دمرها الإرهاب" هي التحدي اللوجستي الأكبر، كما كرر الإجابة نفسها عند سؤاله عن العقبة الأكبر لتحسين الواقع الاقتصادي لدى المواطن السوري.

ما لم يذكره الأسد هو القصف الممنهج كذلك الذي طبّقه الجيش السوري -مع الجيش الروسي في بعض المدن- على منشآت البنية التحتية، حسب تقريرٍ صدر عن منظمة "هيومن رايتس ووتش" العام 2020 بعنوان "عم يستهدفوا الحياة بإدلب". 

وحسب دراسة مشتركة أعدّها باحثون من جامعات ستانفورد وكاليفورنيا وجونز هوبكنز الأميركية، لفحص الهجمات على البنى التحتية في الحرب السورية بين العامين 2012 و2018 بناءً على القطاعات الأكثر استهدافاً والجهات المُستهدِفة، والتي حللت قاعدة بيانات مكوّنة من 2689 هجوماً عسكرياً تم توثيقها خلال تلك الفترة، تبيّن أن الجيش السوري أو الروسي أو كليهما كانا مسؤولين عن 1450 هجوماً استهدف قطاع الصحة بنسبة والمرافق العامة ومنشآت القطاع الخاص والمدارس في كل من الرقة وحلب وإدلب ودير الزور.

لم يعد نصف مليون لاجئ سوري
طرح مذيع "سكاي نيوز" على بشار الأسد السؤال التالي: "أنتم أعلنتم عن ترحيبكم بعودة الأعداد الكبيرة من اللاجئين، الملايين، لكن البعض يتخوف من فكرة العقاب بعد العودة، ماذا تقول لهذه الملايين عبر هذه الشاشة؟"، فرد عليه الأسد قائلاً: "خلال السنوات الماضية عاد إلى سوريا حوالي نصف مليون لاجئ ولم يسجن أي شخص من بينهم"، مشيراً إلى أن عودة اللاجئين توقفت بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والخدمية.


تحقق "مسبار" من الأرقام والتقارير التي تتيحها دورياً المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، وتبيّن أن اللاجئين بدأوا بالعودة في العام 2018، مع انتهاء حدة الاقتتال العسكري في معظم الأراضي السورية، وبحسب إحصائيات المفوضية، عاد 56047 لاجئاً إلى سوريا العام 2018، و94 ألف لاجئ العام 2019، و38 ألف لاجئ في 2020، و36 ألف لاجئ في 2021، و51 ألفاً وثلاثمئة لاجئ في 2022، و16 ألفاً و529 لاجئ في الأشهر الست الأولى من هذا العام، ما يعني أن مجموع اللاجئين الذين عادوا إلى سوريا بلغ 291 ألفاً و876 لاجئ، أي أقل بحوالي 40 في المئة من الرقم الذي ذكره الأسد.

الدولة السورية تعتقل بعض اللاجئين العائدين
أما في ما يتعلق بادعاء الأسد أنه "من غير المنطقي أن تسجن الدولة من يعودوا"، فقد سُجّلت عشرات الشهادات التي تقول عكس ذلك، إذ بحسب تقرير لهيومن رايتس ووتش بعنوان "حياة أشبه بالموت"،  فإنّ كل من يفكر بالعودة إلى سوريا يعلم أنه سيخضع للتحقيق لدى أجهزة النظام، كأن يُطلب مباشرة من العائد مراجعة أحد الأفرع الأمنية لـ"شرب كأس من الشاي"، وهو مصطلح يشير إلى رغبة الجهاز الأمني في التحقيق معه. 

ويتوافق تقرير "هيومن رايتس ووتش" مع النتائج التي توصلت إليها منظمة العفو الدولية وصحافيون ولجنة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن سوريا. إذ وثّقت جميعها اعتقالات تعسفية واحتجاز وتعذيب وسوء معاملة وحالات اختفاء قسري و إعدام بإجراءات موجزة.

تجارة الكبتاغون في سوريا برعاية الدولة
عندما سأل مذيع سكاي نيوز عربية الأسد عن تجارة المخدرات، وما تشكّله من خطر إقليمي وتهديد لاستقرار المنطقة، أجاب: "نحن أول المتحمسين والمتعاونين من أجل مكافحة هذه الظاهرة لأنها ظاهرة خطيرة بكل معنى الكلمة، فمن غير المنطقي أن تكون الدولة معها.. من تتحمل المسؤولية في هذه الحالة هي الدول التي ساهمت في خلق الفوضى في سوريا وليست الدولة السورية".

لكن عدداً من التحقيقات الدولية والمستقلة وثّقت الارتباطات المباشرة بين شخصيات وكيانات النظام السوري وبين صناعة وتجارة مخدر الأمفيتامين، المعروف باسم "الكبتاغون". إذ رصد تحقيق "جمهورية الكبتاغون" الذي نشره التلفزيون العربي العام الفائت، مصانع الكبتاغون داخل الأراضي السورية ومسارات نقله وشحنه، حيث تبيّن، بحسب صور الأقمار الصناعية التي حللها التلفزيون أن السفن التي تم ضبطها في الدول المجاورة وهي تنقل حبوب الكبتاغون حُمّلت وانطلقت من الموانئ الرسمية برعاية من الدولة.


حافظ الأسد ورّث الحكم لابنه بشار
قبل نهاية المقابلة، توجه مذيع "سكاي نيوز عربية" للأسد بسؤالٍ عن نواياه عن توريث الحكم لابنه الأكبر حافظ، على اعتبار أنه ورث الحكم من والده حافظ الأسد الأب و"نجح بعد ذلك بالانتخابات"، فأجاب الأسد: "أنا شخصياً لم يكن للرئيس حافظ الأسد أي دور في أن أكون رئيساً، لأنه لم يُؤمّن لي أي منصب مدني أو عسكري كي أكون من خلاله رئيساً، أنا أتيت عبر الحزب بعد وفاته، ولم أناقش معه هذه النقطة حتى في الأسابيع الأخيرة من حياته، وهو كان مريضاً في ذلك الوقت". 


كان الدور الأكبر لنقل الحكم من حافظ إلى بشار الأسد لوزير الدفاع حينها، العماد مصطفى طلاس، الذي كتب في مذكراته، التي نشرها على شكل كتابين بعناوين "مرآة حياتي 1" و"مرآة حياتي 2"، وصيّة حافظ الأسد له بتيسير عملية نقل السلطة لابنه بشار في حالة وفاته، وذلك من خلال تعديل بنود الدستور التي تنصّ على عمرٍ محدد ورتبة عسكرية لم يملكهما بشار الأسد لشغل منصب الرئاسة، وجمع كبار الضباط والمسؤولين لإطلاعهم على ذلك قبل تعميم الخبر.