بعد إحراق سيارة المفتشة التربوية... تفاصيل جديدة تتكشف

ألقت شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي القبض على العصابة التي أحرقت سيارة المفتشة التربوية مهى الخيّال، التي كانت تحقق بقضايا فساد مالي وإداري في أكثر من مدرسة في طرابلس. وتبين أن بطلة هذا الفعل الشائن هي مديرة مدرسة، يفترض أنها في أعلى الهرم التربوي، مهمتها تخريج أجيال المستقبل.

مقابل مئتي دولار

حسب بيان قوى الأمن الداخلي، العصابة التي ارتكبت هذه الجريمة مؤلفة من  أ. ص. (من مواليد عام 1985، لبناني) و خ. ز. (من مواليد عام 1995، لبناني). وقد اعترف الموقوفان بما نُسِبَ إليهما لجهة قيامهما بإحراق سيّارة مفتشة وزارة التربية في منطقة ابي سمراء. وتبيّن أن العملية نفّذت بناء على طلب المدعو أ. ص. (مواليد عام 1963، لبناني)، الذي أخبرهما أن صديقاً له مقيم في ألمانيا طلب منه حرق السيارة مقابل مبلغ مئة دولار أميركي، قبل التنفيذ، ومبلغ مثله بعد التنفيذ. وبالتحقيق مع الأخير تبين أن عمليّة حرق السّيّارة تمّت بناءّ على طلب من شخص متواجد وزوجته في ألمانيا، والأخيرة كانت تدير إحدى مدارس طرابلس التي لها ملف اشتباه باختلاس أموال تتابعه المفتّشة المذكورة.

في معلومات "المدن"، منذ العام الفائت يتابع التفتيش التربوي قضية اختلاس أموال من صندوق مدرسة حي النزهة الرسمية، والتي تديرها المديرة ف. ح. وعندما اكتشف تورطها وجه إليها البعض نصيحة بتقديم استقالتها، لأن الاختلاس مثبت عليها. فقد سبق لها وأخذت إجازة، لكن لاحقاً وبعدما ضبطت بالجرم المشهود، قدمت استقالتها ثم هربت إلى ألمانيا، مطلع العام الحالي. ودبرت من هناك جريمة الاعتداء على المفتشة.

خلافات إدارية كشفت المستور

لكن السؤال الأساسي هو: كيف لم تتمكن وزارة التربية من الكشف عن اختلاس المديرة؟ ولماذا التفتيش التربوي هو من كشف الاختلاس؟ فوزارة التربية يفترض أن تدقق سنوياً في حسابات المدارس، ومن السهل جداً ضبط هذا الاختلاس. وبالتالي، لماذا لم تكشف الوزارة هذا الاختلاس، الذي ربما هو موجود في العديد من المدارس، خصوصاً أن الشائعات عن هكذا ارتكابات متداولة منذ زمن بين التربويين. فهل تدقق الوزارة جدياً في ميزانيات المدارس الرسمية، ولا سيما تلك التي تعلم طلاب سوريين وتتلقى الأموال بالدولار النقدي من اليونيسف؟ أما أن هناك تواطؤاً ما بما يتعلق بالتدقيق بالميزانيات؟ واستطراداً، هل لا تتدخل الوزارة بأموال المدارس، على اعتبار أنها محميات سياسية، ومنشغلة بملاحقة الأساتذة وحضورهم على الدوام لتحديد مدى أحقيتهم بالحوافز بالدولار؟

وفق مصادر تربوية في طرابلس، حصلت خلافات داخل الإدارة في المدرسة المعنية، فتقدم أحدهم بالبلاغ عن وجود اختلاس. فتحرك التفتيش التربوي وكشف المستور. ولولا هذه الخلافات الإدارية لربما لم يتمكن أحد من معرفة ماذا يحصل في هذه المدرسة. كما هي الحال في العديد من المدارس الرسمية.

وبمعزل عن الأرقام المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي من أن المديرة اختلست نحو مئة ألف دولار، ما هو ثابت أن عملية اختلاس أموال المدرسة حصل. وقد استقالت المديرة وهربت إلى ألمانيا. وعوضاً عن السكوت، اختارت المديرة أفضل وسيلة "تربوية" للمواجهة: تكليف عصابة لحرق سيارة المفتشة التربوية، لأنها تجرأت وحققت في ملفات المدرسة وكشفت الاختلاس.

مدارس أخرى..

وتضيف المصادر، يحكى حالياً عن أن الدور المقبل سيكون على نحو أربع أو خمس مدارس في طرابلس وحدها، يوجد فيها خلافات إدارية وشكاوى حول وجود فساد مالي وإداري. وطبيعة الخلافات في هذه المدارس قد تكون أكثر ضراوة من مدرسة حي النزهة الرسمية.

في ظل عدم تحرك وزارة التربية، الاعتماد في كشف الفساد المالي والإرادي معقود على التفتيش التربوي، بإمكانيته المحدودة. وبالتالي الأسئلة البسيطة التي تطرح هي: هل ستعوض الدولة على المفتشة التربوية التي حرقت سيارتها؟ أما تتركها بلا تعويض لعدم التجرؤ على مواصلة التحقيقات، خصوصاً وأن ضرب أجهزة الرقابة على مر السنوات كان ممنهجاً؟

أما الأهم من التعويضات، فالسؤال هو ماذا عن سلامة المفتشين الشخصية؟ جريمة الاعتداء على المفتشة التربوية لا توضع إلا في إطار ترهيب أجهزة الرقابة، لعدم مواصلة التحقيقات. وتحرك شعبة المعلومات وسرعة كشف المتورطين في هذه الجريمة يؤمن جزءاً من الحماية الأمنية المطلوبة للمفتشين. لكن الدور الأساسي يبقى على وزارة التربية التي يقع على عاتقها منع الجريمة قبل حصولها، من خلال غربلة الفاسدين ورفع الغطاء السياسي عنهم، قبل وصول الأمور إلى التفتيش. فالأخير يكشف حالات محددة بناء على شكوى، بينما أساس الرقابة الشاملة هي وزارة التربية، والأخيرة لا تتحرك منذ سنوات.