بيل غيتس يدعم مشروعاً سرياً لاستخراج "الهيدروجين الأبيض"

بحثاً عن موارد تغني البشرية عن الوقود الأحفوري، وللحفاظ على البيئة والالتزام بالحياد الكربوني، يدعم الملياردير الأميركي الشهير بيل غيتس مشروعاً هو الأول من نوعه على مستوى العالم، باشرت بتنفيذه شركة "كولوما Koloma"، للبحث عن الهيدروجين الجيولوجي الأبيض الموجود في الرواسب الجوفية، والقادر على إشعال ثورة في الطاقة النظيفة، وإزالة الكربون من الصناعات، ما يحول دون إطلاق ثاني أوكسيد الكربون وغاز الميثان في الغلاف الجوي.

البحث عن الكنز الثمين

لطالما أكد العلماء أن ما يُسمى بالهيدروجين "الجيولوجي" الأبيض، والذي تم العثور عليه في رواسبٍ شاسعة على طول الصفائح التكتونية، موجودٌ بكمياتٍ هائلة عبر المعمورة. وقد انتشرت في السنوات الماضية دراساتٍ كثيرة تتحدث عن قدرة هذا العنصر على التخفيف من كارثة مناخية تلوح في الأفق، تُنذر بها بالفعل موجات الحرارة الشديدة الحالية، والعواصف التي تنتج أمطاراً غزيرة، والأعاصير الأكثر عنفاً، ذلك لأن هذا العنصر الأكثر وفرةً في الكون خالٍ من الكربون ويحتوي على أعلى كثافة للطاقة مقارنةً بأي وقودٍ آخر من حيث الوزن.

وبعد أن عجزت الدول والشركات لسنواتٍ طوال عن وضع استراتيجيات فعالة لاستغلال هذا الكنز الثمين، أعلنت شركة "كولوما" المختصة بالهيدروجين ومقرها مدينة دنفر الأميركية، أنها اكتشفت كيفية القيام بذلك. وبدأت الشركة مع تلقيها مبلغ 91 مليون دولار من الملياردير الأميركي بيل غيتس، بحفر آبارها الأولى في الغرب الأوسط الأميركي بسريةٍ تامة، واختبار عينات الصخور والغاز منها في مختبر "دارا" في كولومبوس بولاية أوهايو لتحديد المواقع التي تحتوي على أفضل حجم ونقاء للهيدروجين الأبيض.

ولا بد من الإشارة هنا بأن هناك عدة أنواع للهيدروجين سواء الأخضر الذي يمثل بديلاً جيداً ويعتبر وقوداً منعدم الكربون يُنتج عن طريق التحليل الكهربائي للماء، والأزرق الذي ينتج من الغاز الطبيعي، والأسود المصنوع من الفحم والنفط، والرمادي المشتق من الغاز الطبيعي، والفيروزي الذي يُستخرج من خلال عملية الانحلال الحراري للميثان لإنتاج الهيدروجين والكربون الصلب. كما هناك أيضاً الأصفر الذي يتم تصنيعه من خلال التحليل الكهربائي باستخدام الطاقة الشمسية، والأبيض وهو هيدروجين جيولوجي طبيعي موجود في الرواسب الجوفية.

كمياتٍ هائلة في باطن الأرض

يستخدم العالم في الوقت الحالي كمية تقارب 100 مليون طن متري من الهيدروجين سنوياً، معظمها مصنوع من الغاز الطبيعي، وتبلغ قيمتها السوقية أكثر من 120 مليار دولار. ويقدرّ بيل غيتس وبنك "غولدمان ساكس" أن سوق الهيدروجين سيتضاعف إلى 250 مليار دولار بحلول عام 2030، ويتجاوز تريليون دولار سنوياً بحلول عام 2050.

ويأتي هذا المشروع الذي يدعمه مؤسس "مايكروسوفت" بيل غيتس، ليضيء على نقطةٍ في غاية الأهمية، ألاّ وهي احتواء الأرض على احتياطياتٍ هائلة من مصدر طاقة نظيف وعديم اللون وخالٍ من الكربون، لا سيما بعد أن أصبحت الآثار الكارثية لتغير المناخ الذي يسببه الإنسان أمراً لا يمكن إنكاره البتّة. وهذا ما يؤكده خبير الطاقة الشهير مايكل ويبر، بتشديده على وجود تريليونات الكيلوغرامات من الهيدروجين الأبيض المحتجزة تحت الأرض، على الرغم من أن الكمية التي يمكن الوصول إليها بتكلفةٍ زهيدة غير معروفة حتى الآن.

أرخص وأقلّ استهلاكاً للطاقة

يمكن استخدام الهيدروجين بشكلٍ عام كوقودٍ غازي أو سائلٍ خالٍ من الكربون للشاحنات والحافلات والسيارات وحتى السفن والقطارات، فضلاً عن مولدات الطاقة الثابتة. ومع ذلك أثبتت التجارب صعوبة التعامل معه. فهو أخفّ عنصر في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية، ويوجد في الطبيعة مع عناصر أخرى، مثل الأوكسيجين والكربون والكبريت. إضافةً إلى ذلك، يمكن أن يتسبب عند تدفقه عبر خطوط الأنابيب بجعلها هشّة ومعرضة للتسريب. كما أنه قابل للاشتعال بدرجةٍ كبيرة ويحتاج إلى ضغطه وتسخينه عند تخزينه، ما يتطلب طاقة إضافية.

بَيد أن شركة" كولوما" لا تنفك عن تكرار اعتقادها بأن الهيدروجين الجيولوجي الأبيض سيكون أرخص بكثير من حيث تكلفة الاستخراج وأقلّ استهلاكاً للطاقة. فيما يتوقع المؤسس المشارك بول هاراكا، أن يجد الهيدروجين الجيولوجي دعماً واسعاً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، لكونه يوفر فرصة لإنتاج طاقة نظيفة من مصادر محلية بالكامل، وخلق فرص العمل والاستثمار في المجتمعات.

ولا تريد الشركة حالياً أن يعرف منافسوها الإحداثيات الدقيقة لأماكن بحثها وحفرها. فاكتفى مؤسسوها بالقول إنّ آبارهم الأولى موجودة في الغرب الأوسط للولايات المتحدة، وبأنهم قد يستكشفون الفرص الدولية بمرور الوقت. في حين تعمل شركتا "ناتشيرال هايدروجين إنيرجي Natural Hydrogen Energy" و "هايتيرا HyTerra"، وهما شركتان منافستان تمتلكان إمكانيات مادية ولوجيستية أقلّ من "كولوما"، على تجهيز آبار الاختبار الخاصة بهما في نبراسكا وكانساس على طول 1931 كيلومتر من صدع القارة الوسطى، وهو شقٌ تكتوني عبر وسط أميركا الشمالية.

تكنولوجيا متطورة

تعتقد شركة "كولوما" أن كلمة الفصل ستكون لها فيما يتعلق بمستقبل استخراج الهيدروجين الأبيض، اعتماداً على استخدامها بشكلٍ مكثف لأدوات الذكاء الاصطناعي، وتمكن أحد مؤسسيها الدكتور توم دارا، من الحصول على براءة اختراع لتكنولوجيا تدمج استخدام الأقمار الصناعية وتصوير الليدار، أي الليزر النبضي لقياس أبعاد منطقة ما أو بُعد هدفٍ معين بدقةٍ وثبات، والتعلم الآلي، لإجراء تحليل مفصلّ للغاية للمواقع الواعدة التي طورها في مختبره المتطور داخل جامعة "ولاية أوهايو". يُضاف ذلك إلى استعانة الشركة إياها بخبرات عالمة الجيولوجيا الشهيرة كاري هوداك. 

وبما أن الهيليوم عالي القيمة غالباً ما يوجد في الخزانات الجوفية نفسها، سيخلق هذا الأمر فرصاً للشركة للاستفادة من نوعين مختلفين من الغازات. علماً أن الهيليوم يُباع، وفق تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأميركية، بحوالى 310 دولارات لكل ألف قدم مكعب.

وبذلك، يعني كل ما ذُكر آنفاً أننا دخلنا في عصرٍ جديد من الاستكشافات التي ستعزز تدفق الهيدروجين من الخزانات الجوفية، ما يشير حتماً أن حقبة الإنتاج التجاري للهيدروجين الجيولوجي الأبيض ليست بعيدة المنال.