تباين بين برّي والحزب على "اليوم التّالي"؟

لم تَعُد الحرب البريّة مجرّد توقّع. وَقَع المحظور واكتملت عناصر “الانفجار الكبير” بإعلان العدوّ الإسرائيلي تنفيذه “عملية بريّة محدودة وموضعية ومحدّدة الهدف” ضمن مسار عسكري تصعيدي لا أحد قادر على معرفة توقيت انتهائه وكلفته ونتائجه.

أشارت كلّ المعطيات الميدانية منذ فجر الإثنين-الثلاثاء إلى تمكّن عناصر الحزب، على الرغم من اغتيال عدد كبير من قياداته وعلى رأسهم أمينه العام وضرب جزء من بنيته التحتية العسكرية، من تكريس حالة مواجهة ميدانية بوجه الهجوم الإسرائيلي وصفها العدوّ بـ “القتال العنيف” في الوقت نفسه الذي كان “المطبخ الدبلوماسي” للرئيس نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي يحاول طبخ تسوية أساسها اقتراح معدّل لآموس هوكستين و”نداء نيويورك” تمهيداً لبدء مسار التفاوض على البارد واستطراداً: جنوب خالٍ من الحزب وسلاحه. وليل أمس بدت المنطقة “نظرياً” على فوهة بركان مع إطلاق إيران دفعات صاروخية على إسرائيل ردّاً، كما قال الحرس الثوري الإيراني، على اغتيال إسماعيل هنية والسيّد حسن نصر الله وعباس نيلفروشان، لكنها أوقعت إصابات محدودة في صفوف الإسرائيليين وطالت بعض القواعد العسكرية.

وفق معلومات موثوقة لـ “أساس” وعلى الرغم من تأكيد الرئيس برّي وجود تنسيق مع الحزب في شأن المفاوضات القائمة و”موافقة السيّد نصرالله قبل اغتياله على المبادرة التي طرحتها سابقاً والتي لا يزال مفعولها سارياً”، لم تلقَ تصريحات رئيس الحكومة وكلامه بعد لقائه برّي في عين التينة ارتياحاً لدى القيادة السياسية الحالية في الحزب التي تتولّى عبر قنوات ضيّقة جداً وبسريّة تامّة التواصل مع الرئيس برّي. وللمرّة الأولى منذ استشهاد السيّد حسن نصرالله تحدّث مسؤول العلاقات الإعلامية في الحزب الحاج محمد عفيف إلى الإعلام (قناة الجزيرة) ليؤكّد أنّ استهداف قاعدة غليلوت الاستخبارية أمس ليست سوى البداية، وأنّ المقاومين مستعدّون لمواجهة قوات العدوّ إذا تجرّأت على دخول لبنان.

من يُفاوض من داخل الحزب؟

هنا يُطرح السؤال الكبير عن الجهة داخل بنية المقاومة التي تفاوض حالياً عن الحزب، وعن مدى موافقة قيادة المقاومة “الرديفة” على الطرح الذي يُسوّق له راهناً الثنائي برّي-ميقاتي ونواته تطبيق القرار 1701 من خلال الوقف الفوري لإطلاق النار، من دون ربط ذلك بمطلب وقف النار في غزة، ونشر الجيش في الجنوب، “وهو جاهز لذلك”، كما قال ميقاتي، والموافقة المبطّنة لبرّي وميقاتي، من دون ذكر ذلك حرفياً، على انسحاب عناصر الحزب من جنوب الليطاني.

ضمن التصريحات العلنية أكّد عضو كتلة التحرير والتنمية النائب قاسم هاشم أمس أنّ “الرئيس برّي يجري اتّصالات دولية وعربية على قاعدة الكتمان، ويعمل على شيء ما بموافقة وتنسيق مع الحزب، وقد تكون نتائجه قريبة”.

في مقابل تسويق طرح بري-ميقاتي كان عناصر الحزب ينشطون جنوباً باتّجاه تل أبيب، وضمن سياق إثبات استمرار العمليات العسكرية بعد استشهاد الأمين العام للحزب والتمسّك بحرب إسناد غزة، أعلنت قيادة المقاومة “إطلاق بنداء لبّيك نصرالله صليات صاروخية من نوع “فادي 4″ استهدفت قاعدة غليلوت التابعة لوحدة الاستخبارات العسكرية 8200 ومقرّ الموساد في تل أبيب، وذلك إسناداً لشعبنا في فلسطين ومقاومته ودفاعاً عن لبنان وشعبه”. وهي المرّة الثانية التي يتمّ فيها استهداف قاعدة غليلوت التي استدعت ظهوراً من جانب السيّد نصرالله في آب الماضي لشرح خفايا عملية الثأر لاغتيال القيادي فؤاد شكر.

الجنوب منطقة عازلة

الوجه الميداني لما يجري في الكواليس الدبلوماسية كان يتحقّق عبر ثلاثة معطيات على الأرض:

1- إعلان جيش العدوّ ليل الإثنين مستوطنات الشمال الإسرائيلي منطقة عسكرية مغلقة سبق إعلان بدء الاجتياح البرّي لجنوب الليطاني في مقابل تحويل الضاحية إلى أرض محروقة وارتكاب إبادة حقيقية في البقاع وبعلبك-الهرمل عنوانها القضاء على البنية التحتية العسكرية للحزب.

2- تجديد الإنذارات بإخلاء جنوب لبنان وتهديد العدوّ أمس المواطنين بعدم التحرّك من شمال الليطاني نحو جنوبه بالمركبات، وهو ما يعني محاولة خلق منطقة عازلة تنفيذاً لهدف إسرائيل الأوّل بتحقيق عودة مستوطنيها إلى الحدود الشمالية من خلال محاولة القضاء على البنية العسكرية للحزب. لكن ما كان يحدث فعلياً من الجنوب إلى البقاع والضاحية الجنوبية كان يشي بقرار إسرائيل بالقضاء نهائياً على الحزب وليس فقط على “حالته” العسكرية جنوباً وعدم تكرار سيناريو 1701 صنيعة “حرب تموز”.

3- إعلان الجيش اللبناني تنفيذ الوحدات العسكرية المنتشرة جنوباً إعادة تموضع لبعض نقاط المراقبة الأمامية ومواصلة قيادة الجيش التعاون والتنسيق مع قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان. وهي المرّة الأولى منذ بدء العدوان الإسرائيلي في 8 تشرين الأول يتمّ اتّخاذ هذه الإجراءات التي قد تستتبع بأخرى مماثلة في حال توسّع رقعة الحرب تمهيداً لتنفيذ “القرار الكبير” بإعادة تموضع الجيش مجدّداً ليكون الجهة العسكرية الوحيدة، بالتنسيق مع اليونيفيل، التي تمسك بأمن الجنوب والفاصلة عن شمال إسرائيل.

مصير العسكر جنوباً

في هذا السياق، تفيد معلومات “أساس” بأنّ لقاءات الرئيس بري مع قائد الجيش العماد جوزف عون الإثنين ثمّ اجتماعه مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان أمس تمحورت بشكل أساس حول تموضع القوى الأمنية والعسكرية في جنوب لبنان وإمكانية انسحاب وحدات الجيش وبعض قطعاته ودوره بعد وقف إطلاق النار وإخلاء مراكز للأمن الداخلي تلافياً لوقوع مجازر في صفوف العسكر. ووفق المعلومات أيضاً لم يتطرّق الاجتماع بين برّي وعون إطلاقاً إلى الملفّ الرئاسي ولا جلسة مجلس النواب التي قد يدعو إليها الرئيس برّي لانتخاب رئيس توافقي لا رئيس تحدٍّ أو مفروض من الخارج، كما تعهّد بذلك أمام ميقاتي قبل أيام.