تجارنا "يشفطون" المستهلكين: لبنان أغلى من فرنسا وسويسرا وتركيا

دائماً ما يربط القيّمون على القطاع التجاري وعموم القطاعات الاستهلاكية في لبنان مسألة الارتفاع الهائل بأسعار السلع بمستويات التضخم محلياً وعالمياً، ومن بينهم بعض المتحاذقين الذين يبرّرون رفع الأسعار بتلاعب سعر صرف العملة وارتفاع الرسوم الجمركية وغير ذلك من الذرائع، التي مهما كثرت فإنها لا تبرر حجم الارتفاع الهائل بالأسعار، واختلافها بين لبنان ودول الجوار وحتى الدول الأوروبية.

تقرير تحليلي ورد في "المدن" حول أسباب تضخم الأسعار في لبنان لم يتجاهل تأثير معدلات الضريبة وتغيرات سعر الصرف والتضخم العالمي، لكنه أثبت أن مستويات تضخم الأسعار تتجاوز بحجمها كل تلك العوامل، لتستمد ارتفاعها من العامل الأبرز وهو فوضى السوق وتفلّت الأسعار. أما أسباب الفوضى وتفلت الأسعار، فلا دافع له سوى غياب الرقابة كلياً واستئثار التجار بالمستهلك اللبناني، الذي يفتقد لأي حماية من الجشع والاستغلال.

وليست فوارق أسعار السلع والخدمات بين لبنان وعدد من دول الجوار وحتى بعض الدول الأوروبية، سوى دليل على غياب تام للأجهزة الرقابية، وعلى نفاق الوزراء المعنيين بحماية المستهلك اللبناني، وعلى رأسهم وزير الاقتصاد والتجارة، الذي لم يفقه من الرقابة على الأسعار سوى بعض الجولات الميدانية على صغرى المحلات والملاحم والتقاط الصور الصحافية في الأسواق.

العلامات التجارية

يتعامل المستوردون والتجار ووكلاء العلامات التجارية مع السوق اللبنانية كسوق فالتة لا معايير فيها للربح والتجارة، فلا حسيب ولا رقيب. يحددون الأسعار التي تتلائم ومعدلات أرباحهم، وغالباً ما تفوق معدلات الربح لديهم نسبة المئة في المئة من سعر المنتج.

ومَن يختبر الأسعار في الأسواق خارج لبنان، يلمس الفوارق فعلياً بين أسعار السلع عينها في لبنان والخارج، وعلى رأسها الملابس الجاهزة منها ذات العلامات التجارية الأوروبية والأميركية. فالعلامات التجارية في لبنان بغالبيتها تسعّر منتجاتها بأعلى من مستوى تسعيرها في دول آخرى كعلامات ZARA وOkaïdi وYvesRocher وPuma وغيرها الكثير من العلامات التجارية العالمية.

فيجد المستهلك أن قميصاً للأطفال عند أحد فروع ZARA في باريس على سبيل المثال يبلغ سعره 10 يورو في حين يبلغ سعر القميص نفسه في بيروت لدى أحد فروع الشركة نفسها قرابة 30 دولاراً. كذلك الأمر بالنسبة الى أسعار Okaïdi والعديد من العلامات التجارية الأخرى التي تبلغ في لبنان ضعفين أو 3 أضعاف أسعارها في فرنسا وسويسرا.

أما في تركيا فحدّث ولا حرج عن فارق أسعار السلع بين البلدين. فسعر الحذاء الذي يتراوح بين 60 و70 دولاراً في لبنان لدى شركة Flo على سبيل المثال، يبلغ هو نفسه لدى الشركة عينها في تركيا ما يقل عن 20 دولاراً. والحال نفسه لدى العلامات التجارية مثل Mango وسواها من العلامات الأخرى. فما هي الأسباب التي تدفع بالتجار في لبنان إلى رفع أسعار المنتجات عينها أضعاف ما هي عليه في دول أخرى؟

يقول مدير فرع إحدى العلامات التجارية المذكورة أعلاه، إن الأسعار تختلف في لبنان لعدة أسباب، أولها الرسوم الجمركية، وثانيها وهو السبب الأبرز "أننا في لبنان". وعند سؤالنا عما يعنيه بالقول أننا في لبنان، ألمح إلى التلفت في عملية التسعير والاستيراد وحتى سداد الرسوم الجمركية. وسأل "من يعنيه كيف نسعّر البضائع؟ لا أحد".

لا شك أن الرسوم الجمركية تترك أثراً واضحاً على أسعار العلامات التجارية العالمية، وتعزز فوارق أسعارها عن باقي الأسواق. لكن ارتفاع حجم الفوارق بين الأسعار المحلية والعالمية لا يمكن تفسيره سوى باستئثار أصحاب العلامات التجارية بالسوق المحلية، واستغلالهم المستهلكين بعد خروج الكثير من العلامات التجارية المنافسة من السوق اللبنانية، على مدار السنوات الأربع الماضية. ويُضاف ذلك إلى غياب أي سلطة رقابية على الأسواق من شأنها لجم استغلال التجار، لاسيما تجار المنتجات الأجنبية ووضع حد لجشعهم.

الأدوية لم تسلم

حتى قطاع الأدوية لم يسلم من جشع التجار ومبالغتهم في عمليات التسعير. فمن الأدوية ما تصل أرباحه إلى 100 في المئة. وتفوق أسعاره الدواء نفسه في تركيا. وقد دفعت المبالغة في تسعير الأدوية في لبنان وعجز المرضى عن شراء الكثير منها، إلى دخول مواطنين وتجار على خط استيرادها من تركيا تحت خانة الاستعمال الشخصي.

ومن التجار من بات معروفاً بين شريحة من المرضى، بأن بإمكانه تأمين الدواء من تركيا بأسعار مخفضة. ويقول أحد التجار م. د. أنه يسافر إلى تركيا أسبوعياً على مدار الشهر يشتري الأدوية لحساب الكثير من المرضى في لبنان، وبأسعار متدنية، منها XENICAL وFORXIGA وMENOPUR وIMPLANON وPYLERA والعديد من أدوية الأمراض السرطانية وسواها.