تحذير نصرالله بـ"البريد القبرصي": رسالة إلى واشنطن ولندن أوّلاً!

من خارج سياق خطابات السيد حسن نصرالله، وفي زحمة الصراع مع إسرائيل بعد مرور ثمانية أشهر على الحرب المفتوحة في غزة وجنوب لبنان، يتناول في إطلالته الأخيرة قبرص محذّرا حكومتها من استعمال سلاح الجو الإسرائيلي مطاراتها ومرافئها لاستهداف "حزب الله" ولبنان، الذي تربطه علاقات جيدة مع الجزيرة من خلال إقامة أعداد كبيرة من اللبنانيين على أراضيها منذ منتصف السبعينيات.

وإبان سنوات الحرب، وفي تموز 2006 شكلت الجزيرة الجارة ملجأ للبنانيين الذين اشتروا منازل وأنشأوا مؤسسات وشركات فيها. وكان مطارها في محطات كثيرة بوابتهم الى العالم.

من المؤكد أن وحدات من الجيش الإسرائيلي من قوات الجو والبحر والبر نفذت سلسلة مناورات والتدريبات على الأراضي القبرصية في السنوات الأخيرة في محاكاة لطبيعة لبنان جنوبا وبقاعا، والتحضير لمواجهة مستقبلا مع "حزب الله".

في حسابات الحزب كما يبررها، أنه لم يهدد الجزيرة وأهلها، بل أراد أن يلفت سلطاتها المعنية، ولو على شكل تحذير، إلى خطر إقدام الطيران الحربي الإسرائيلي على استهداف لبنان من المطارات العسكرية القبرصية. وشاء نصرالله توجيه هذه الرسالة بـ"البريد القبرصي" الى أميركا وبريطانيا، مع التذكير بأن الأخيرة تقيم قاعدتين عسكريتين في الجزيرة.

وإذا كانت الحلقة السياسية والعسكرية الضيقة عند الحزب تعرف أن تل أبيب ستستعمل أحدث أسلحتها وأخطرها على مستوى الجو في الحرب المقبلة في حال وقوعها، وإذا كانت القدرات الجوية المضادة عند الحزب لا تتمكن من تهديد طائرةf35 نتيجة ما تمتلكه من احتياطات للهروب من صواريخ أرض- جو، فسيلجأ الحزب الى استهداف المطارات العسكرية والمدنية في إسرائيل لمنع هذه الطائرات من الهبوط بأمان، وقد يلجأ ملّاحوها الى الهبوط في مطارات قبرصية أو في إحدى القاعدتين البريطانيتين. وقد جرى الحديث عن استقدام بوارج أميركية عملاقة من "ايزنهاور" وغيرها تستطيع مدارجها استقبال هذه الطائرات إذا انطلقت من إسرائيل وأدت مهمتها في لبنان.

وفي معلومات الحزب أن الإسرائيليين تواصلوا مع القيادة في القاهرة لاستعمال مطارات عسكرية مصرية، فكان رد من الأخيرة بأنها ترفض الأمر ولا تقبل باستهداف لبنان بطائرات تنطلق من أراضيها أو تحطّ فيها. ولذلك أراد نصرالله القول للندن وواشنطن ولو بطريقة غير مباشرة، إن مياه المتوسط ليست مفتوحة أمام إسرائيل لاستهداف الحزب الذي يحضر بدوره لاستهداف المرافئ الجوية والبحرية وكل المؤسسات الحساسة إذا وقعت الحرب الشاملة.

وبعد عاصفة نصرالله في وجه نيقوسيا، سارع الرئيس نيكوس خريستودوليدس وحكومته الى القول إن دولته لا تعمل على التورط في "أي شكل من الأشكال في الأعمال العدائية ضد لبنان". وتأمل مصادر ألا يؤدي كلام نصرالله الى أزمة ديبلوماسية مع الجزيرة، علما أن ملف النازحين السوريين الضاغط يقلق الطرفين.

والواقع أن كلام نصرالله لن يتلقاه القبارصة بارتياح، مع التذكير بأن الحزب الحاكم وأحزابا أخرى تقيم علاقات جيدة مع تل أبيب، وسط معارضة الحزب التقدمي للشعب العامل (AKEL ) اليساري الذي يملك حضورا لا بأس به ويحذر من التعاون المفتوح مع إسرائيل.

لبنانيا، يعترض المغتربون اللبنانيون على كلام نصرالله وتوجيهه كل هذه الانتقادات لسلطات الدولة القبرصية بعدما اشتروا في السنوات الأخيرة أعدادا كبيرة من الشقق والعقارات في نيقوسيا وليماسول وغيرهما، حيث وجدوا كل التسهيلات. وقد تمكنوا من حجز حضور كبير لهم في قبرص التركية من خلال مؤسسات تجارية كبرى. ويشدد لبنانيون يقيمون في الجزيرة منذ سنوات على أنهم لم يلمسوا من سلطاتها إلا كل التعاون، حتى ان أهلها يخاطبون اللبنانيين عندما يلتقونهم: "أهلا بإخواننا"، في إشارة الى جيرتهما.

وانطلاقا من هذا التطور، تقول أوساط ديبلوماسية إن المطلوب من لبنان توضيح موقفه وتأكيد علاقاته بقبرص، ولا سيما أن ثمة مواضيع مشتركة بينهما وان كلام نصرالله يعبر عن حزبه وليس عن كل اللبنانيين، وقد أطلقه من باب التنبيه لا التهديد للجزيرة، مع الاعتراف بالمناورات العسكرية الإسرائيلية على أرض الأخيرة وبحرها، وان القبارصة في النهاية مثل كل الشعوب يراعون مصلحتهم، لكنهم ليسوا في حالة عداء مع لبنان الذي لم يقصر أهله في رفد الجزيرة بخبرات علمية وفنية واستثمارية في أكثر من حقل تجاري وعقاري.

وقد سارع وزير الخارجية والمغتربين عبدالله بو حبيب الى الاتصال بالمسؤولين القبارصة مشددا على استمرار العلاقة الجيدة بين الطرفين.

وفي دلالة على عمق تعاطف القبارصة مع لبنان، يروي ديبلوماسي لبناني أنه في عز سخونة عدوان إسرائيل في تموز 2006 كان من المقرر أن يخوض فريق إسرائيلي ضد فريق أوروبي مباراة في كرة القدم على ملعب في قبرص، فعمدت الأخيرة الى إلغاء المباراة على أرضها واعتذرت من تل أبيب تلافيا لإزعاج اللبنانيين المقيمين في الجزيرة.