تمديد ثانٍ لقائد الجيش؟

لم تسلك المصالحة طريقها بعد بين وزير الدفاع موريس سليم وقائد الجيش العماد جوزف عون. العلاقة ليست مقطوعة تماماً، إذ يتخلّلها أحياناً شرب فنجان قهوة ونقاش ومعايدات متبادلة، لكنّ التباين في وجهات النظر أصعب من حصر بقعته.

باتت عناوين الخلاف معروفة بين الوزير سليم وقائد الجيش، وتُرصد تداعياته على أكثر من ملفّ. لكنّ ما حصل في اليومين الماضيين يمكن وصفه بالسابقة. فقد علم “أساس” أنّه قبل سفر قائد الجيش إلى الولايات المتحدة الأميركية لم يُصدِر أمراً خطّيّاً كلّف من خلاله رئيس الأركان اللواء حسّان عودة تسيير أعمال قيادة الجيش بالإنابة كما هي العادة عند غياب القائد. وهو لم يفعلها أيضاً حين غادر لبنان إلى قطر في زيارة استغرقت يوماً واحداً.

لا صلاحيّات لرئيس الأركان

صحيح أنّ تعيين رئيس الأركان في مجلس الوزراء شكّل حاجة ملحّة لقيادة الجيش، خصوصاً لجهة تسهيل سفر القائد إلى الخارج بحيث ينوب رئيس الأركان عنه عند غيابه، لكن على الأرض بدا الأمر أقرب إلى الشكليّات. فتعيينه لم يمنحه حتى الآن صلاحية التوقيع على القرارات ولا حضور جلسات المجلس العسكري والتصويت على قراراته ولا الحلول مكان قائد الجيش بالإنابة عند غيابه أو سفره إلى الخارج.

في المقابل، يُسلّم وزير الدفاع بعدم قانونيّة التعيين، وعلى أساس ذلك تقدّم بطعن أمام مجلس الشورى، ويتصرّف على أساس أنّ موقع رئاسة الأركان لا يزال شاغراً. مع العلم أنّ سليم لم يكن يمانع تعيين اللواء عودة رئيساً للأركان وأن لا اعتراض على اسمه، لكنّه رفض أن يتمّ ذلك بمعزل عن سلّة تعيينات تشمل باقي أعضاء المجلس العسكري، مؤكّداً يومها لرئيس الحكومة نجيب ميقاتي أنّه “من أجل هذا التعيين ومصلحة الجيش أنا مستعدّ أن أنزل شخصياً إلى مجلس الوزراء وأقدّم اقتراحات بالتعيين في المراكز الشاغرة في المجلس العسكري”.

على ما يبدو لم يَسمَح الوضع القانوني المُلتبِس لرئيس الأركان لقائد الجيش بأن يتعامل مع اللواء عودة كما يحصل عادة حين ينوب رئيس الأركان عن القائد عند غيابه بموجب أمر صادر عن القيادة العسكرية. وبالتالي فإنّ رئيس الأركان غطّى غياب قائد الجيش خلال زيارته للولايات المتحدة بالشكل فقط وليس بممارسة صلاحيّات القائد أقلّه لناحية التوقيع على معاملات إدارية عاديّة.

الاستاتيكو يستمرّ ويتمدّد

حتى الآن لا شيء يُنبِئ بأنّ هذا الاستاتيكو سيتغيّر قريباً. أكثر من ذلك، تسلّم مصادر موثوقة لـ “أساس” بأنّ التمديد الثاني لقائد الجيش والمدير العام لقوى الأمن الداخلي حاصل حتماً في حال بقيت الأزمة السياسية قائمة وتعثَّر انتخاب رئيس للجمهورية.

في حالة قائد الجيش “لن تفرق” كثيراً بوجود رئيس أركان “مكبّل” أصلاً، وذلك لوجود قرار خارجي، خصوصاً أميركياً، ببقاء القيادة تحت إمرة “الجنرال عون” للأسباب نفسها التي أملت الاستنفار الدبلوماسي لإبقاء قائد الجيش الحالي في اليرزة بعد موعد إحالته إلى التقاعد.

لكن ثمّة تساؤلات تُطرح حول موقف الثنائي الشيعي، وتحديداً الحزب، بعدما انسحب نوابه في كانون الأول الماضي من قاعة الهيئة العامّة عند طرح اقتراح قانون التمديد على التصويت، ثمّ غطّى جلسة مجلس الوزراء التي شهدت توقيع الرئيس ميقاتي على قانون التمديد وكالةً عن رئيس الجمهورية بموافقة 19 وزيراً، بينهم وزير الأشغال علي حميّة ووزير العمل مصطفى بيرم.

على خطّ آخر، أدّى التمديد لعضوَيْ المجلس العسكري اللواء بيار صعب واللواء محمد مصطفى من قبل وزير الدفاع إلى انقسام الآراء حول مدى قانونية هذا الإجراء، فاعتبر فريق أنّ الوزير سليم “اجتهد من تلقاء نفسه في تفسير القانون على ذوقه محوّلاً ضابطين في المجلس العسكري إلى قادة أجهزة، وأحدهما، أي اللواء مصطفى، يحال إلى التقاعد عام 2027، وفي حال استفاد فعلاً من هذه المدّة سيؤدّي ذلك إلى إلحاق ظلم بعدد كبير من الضبّاط من دورته العسكرية سيحالون إلى التقاعد في سنّ 58، وتحديداً ضبّاطاً سُنّة سيقطع عليهم حمل رتبة لواء والتعيين في المجلس العسكري، والأهمّ أن لا تبرير لتمديد يحصل قبل نحو ثلاث سنوات من الإحالة إلى التقاعد”.

هكذا بعد التمديد للّواء صعب واللواء مصطفى، بتنا فعليّاً أمام دولة تدار برمّتها بالوكالة والتمديد. لا رئيس للجمهورية، وحكومة تصرّف الأعمال منذ سنة وسبعة أشهر ونصف. الإدارة العامّة شبه فارغة من الموظّفين المعيّنين بالأصالة و”الترقيع ماشي”. التمديد اجتاح كلّ الأجهزة الأمنيّة في الجيش وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة، وفي الأمن العام هناك وكيل عن الأصيل. مجلس القيادة في قوى الأمن الداخلي خارج الخدمة. وقبل أسابيع أقرّ مجلس الوزراء المرسوم التطبيقي للمادة 91 من القانون رقم 17 (تنظيم قوى الأمن الداخلي) الذي يتيح استبقاء ضبّاط اختصاصيين في الخدمة الفعلية لمدّة سنتين كحدّ أقصى.

الموقع رقم 2 من القضاء، أي مدّعي عام التمييز، يَشغله قاضٍ بالتكليف، فيما مجلس القضاء الأعلى وهيئة محكمة التمييز فاقدان للنصاب بسبب الشغور، إضافة إلى عشرات المواقع التي تدار بالتكليف أو الانتداب بحسب المزاج السياسي.