تملّك الأجانب تخطّى النسبة "المسموحة": آلاف البيوعات غير مسجّلة

يروي مواطن أنّ المنطقة التي يسكن فيها في أحد أقضية جبل لبنان، محدودة المساحة جغرافياً، تضمّ أهالي البلدة وبعض اللبنانيين من مناطق أخرى، إلّا أنّه لاحظ أخيراً ارتفاع نسبة السوريين القاطنين فيها، بحيث بات هناك مبانٍ يسكنها سوريون بنسبة مئة في المئة، فضلاً عن نسبة الشراء المرتفعة من سوريين لشقق في مبانٍ حديثة وجديدة. هذا الأمر غير محصور في هذه المنطقة، إذ تكاد لا تخلو أي منطقة أو حيّ في لبنان من مبانٍ يقطنها سوريون، وذلك في ظلّ غياب أي إحصاء عن نسبة السوريين المستأجرين أو المتملّكين، تماماً ككلّ داتا النزوح «الضائعة» أو غير الموجودة، بعد، لدى الدولة اللبنانية.

أكثر من 30 ألف عقد بيع ممسوح

ركيزة أي إحصاء يفترض القيام به في هذا المجال، هي البلديات، إلّا أنّ وضعها معروف بعد الأزمة، ولا متابعة من الإدارات والوزارات المعنيّة، لإنجاز الإحصاءات اللازمة عن النزوح السوري أو عن تملّك السوريين، إضافةً إلى توقُّف التسجيل في أكثر من دائرة عقارية نظراً إلى شلل عمل إدارات الدولة كلّها تبعاً للأزمة المالية - الاقتصادية. وما يزيد من «ضبابية» صورة التملُّك، الطرق المختلفة للتحايل على القانون على هذا المستوى.

الخطورة في هذا الملف تكمن في «عقد البيع الممسوح»، إذ هناك نحو 30 ألف عقد من هذا النوع بحسب إحصاءات خلال العام الماضي، وفق ما يقول رئيس «حركة الأرض اللبنانية» طلال الدويهي لـ»نداء الوطن». هذه البيوعات بموجب عقد ممسوح لدى الكاتب العدل لا تُسجّل في الدوائر العقارية، ما يحول دون معرفة نسبة تملّك الأجانب الفعلية. وللحدّ من ذلك، يجب وقف البيع بعقد ممسوح أو تقصير مدته، والتي تبلغ الآن عشر سنوات، بحسب الدويهي الذي راجع وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال بذلك.

وإذ إنّ جهات مطّلعة تشير إلى أنّ «العملية مضبوطة» لدى كتاب العدل لجهة قانونية تسجيل أي عقد والتحقق من جنسية مالكه، يقول الدويهي: «هذه العمليات قائمة ولقد اكتشفت هذه العقود وأظهرتها لوزير العدل الذي وعد بمتابعة الموضوع مع نقيب الكتاب العدل. ولقد تمكنا من إجراء هذا الإحصاء مع بعض الكتاب العدل الشرفاء، منذ نحو سنة، فتبيّن أنّ هناك 30 ألف عقد بيع ممسوح». ويرى أنّ هناك مؤامرة تُحاك وعقلاً استراتيجياً يخطّط للسيطرة على أراضي المسيحيين، من القرنة السوداء إلى لاسا والعاقورة والهرمل حيث هناك أراضٍ مسجّلة يملكها مسيحيون وجرى السيطرة عليها من أشخاص من طوائف أخرى بحكم الأمر الواقع، مشيراً إلى أنّ هناك أكثر من 5 آلاف تعدٍّ على أملاك الجمهورية اللبنانية من البقاع إلى الجنوب.

تملُّك النازحين

يُربط موضوع تملّك السوريين بالنزوح السوري إلى لبنان، إلّا أنّ الباحث في «الدولية للمعلومات» الدكتور محمد شمس الدين، يوضح أن لا ربط بين الأمرين، ولا خطر من النزوح على صعيد التملُّك، فالنازحون فقراء ومن يسكن في خيمة لا يمكنه شراء شقة أو عقار في لبنان. أمّا من يقولون إنّ النازح يتلقّى مساعدات بالدولار ربطاً بالتملُّك، فيبالغ كثيراً، إذ إنّ هذه المساعدات بالكاد تكفي النازح لتأمين لقمة العيش لعائلته.

يشير شمس الدين إلى أن لا إحصاء دقيقاً عن نسبة تملُّك السوريين في لبنان، موضحاً أنّ السوريين يتملّكون عبر طريقتين: الأولى، لأنّهم حصلوا على الجنسية اللبنانية، وبالتالي يتملّكون بصفتهم لبنانيين وليس سوريين. الثانية، إذا كانوا متزوّجين من لبنانيات، فيسجّلون العقار باسمها.

بالتالي، إنّ السوريين الذين يتملّكون في لبنان لديهم المال الكافي. وفي حين أنّ معظم هؤلاء هم من المجنّسين عبر مرسوم التجنيس الصادر عام 1994، بحسب جهات متابعة، إلّا أنّ التخوف يبقى قائماً من أن تسعى جهات خارجية إلى تمويل سوريين وغيرهم للتملّك، خصوصاً في ظلّ وجود طرق للتملك بـ»التحايل» على القانون، على رغم أنّه بموجب القانون لا يمكن أن تتخطّى نسبة تملُّك الأجانب الـ3 في المئة من أي قضاء. وما يزيد الفوضى وعدم معرفة نسبة التملّك بدقة حتى من لبنانيين، أنّ نحو 40 في المئة من أراضي لبنان غير ممسوحة، وإذا كان العقار غير ممسوح يُسجّل لدى المختار.

النائب السابق حكمت ديب أثار ملف تملُّك السوريين شققاً ومساكن في لبنان، عام 2019، بالأرقام، مشيراً إلى أنّ التملُّك منذ العام 1969 حتى 2010، زاد بحدود المعقول وما دون المعقول، لكنّه قفز منذ العام 2011 حتى 2015 ليصل إلى 5 ملايين و455 ألفاً و 594 متراً مربعاً. وقدّم ديب رسماً بيانياً يظهر تأثير الحرب السورية على تملُّك السوريين في لبنان مطالباً الحكومة باتخاذ قرار بوقف تملُّك السوريين. وتظهر هذه الأرقام أنّ نسبة التملُّك كبيرة في البقاع خصوصاً في بعلبك وزحلة وفي طرابلس، وفي بيروت هناك تملّك أجنبي لـ85 ألف متر مربع، فضلاً عن النسبة المرتفعة في الشوف والمتن وبعبدا وعاليه.

على رغم أنّه لم يعد نائباً لا يزال ديب يتابع هذا الملف، إلّا أنّ توقُّف العمل في دوائر عقارية عدة يحول دون تحديث البيانات والأرقام. ويقول في حديث لـ»نداء الوطن»، إنّ «اهتراء الإدارة مناسب جداً لعمليات مشبوهة كهذه». ويشير إلى عدم تجاوب الحكومة مع طلب وقف تملّك السوريين أو سحب الجنسية من العدد الهائل الذين جُنّسوا من سوريين وأكثر من 70 ألف فلسطيني، كما سبق وكشف، على رغم أنّ هذا يتعارض مع الدستور. ويرى أنّ هناك إهمالاً وسوء إدارة متعمّداً لتدمير البلد ونسيجه وديموغرافيته، لافتاً إلى ما نشهده من سعي من المجتمع الدولي إلى منح النازحين واللاجئين حق التملك والاندماج في المجتمع اللبناني، معتبراً أنّ هذا كلّه يصب في اتجاه واحد، انتزاع اللبناني من أرضه وتمليك غيره.

الأرقام عن تملّك الأجانب ومن بينهم سوريون جمعها ديب من الدوائر العقارية، ويؤكد أنّها صحيحة. ويوضح أنّ عدم التمكن من معرفة نسبة النازحين ممّن يتملّكون، نظراً إلى غياب اللوائح الاسمية للنازحين. ولذلك يسعى الآن من خلال زملاء نواب، إلى تقديم اقتراح قانون يفرض على المصارف والمنظمات غير الحكومية والجمعيات أن تقدّم لوائح اسمية عن الذين يحصلون على أموالٍ نقدية.

نسبة تملّك الأجانب غير دقيقة


موضوع التملّك يفتح أبواباً إلى إشكاليات عدة، ومنها أنّه عند استحصال أي شخص على إفادة عقارية بالعقارات التي يتملّكها من أراضٍ وشقق ومنازل، تُظهر هذه الإفادة العقارات المسجّلة من دون العقارات غير الممسوحة التي يتملّكها مهما بلغ حجمها، والتي تُقيّد لدى المختار فقط. هذا فضلاً عن عقود الوعد بالبيع أو عقود البيع المحصورة بين الشاري والبائع أو من خلال محامٍ.

المديرية العامة للشؤون العقارية تصدر جدولاً سنوياً يظهر نسبة تملّك غير اللبنانيين عامةً في كلّ قضاء، بحيث لا يجب أن تتعدّى هذه النسبة الـ3 في المئة من مساحة كلّ قضاء. وبحسب هذا الجدول الذي نُشر في الجريدة الرسمية في 19 – 1 – 2023، يتبيّن أنّ نسبة التملّك في قضاء بعبدا تكاد تصل إلى النسبة الأقصى، بحيث تخطّت الـ2 في المئة، وقد تكون تجاوزتها في الواقع، إذ قد يكون هناك عقود بيع غير مسجّلة. وبحسب القانون، يصبح تملّك الأجانب ممنوعاً في القضاء الذي تصل فيه نسبة هذا التملُّك إلى الـ3 في المئة من مساحته، وهذه النسبة «تاريخية» أي مجموع التملُّك تاريخياً وليس سنوياً (منذ 4 – 9 – 1969 لغاية 31 – 12 – 2022).

بحسب ديب، النائب السابق عن بعبدا، تخطّت نسبة تملّك الأجانب في هذا القضاء الـ3 في المئة، منذ زمن. فضلاً عن أنّ هذه النسبة بسيطة وغير دقيقة، إذ إنّها تُعتمد مقابل مساحة القضاء بكامله، فيما بطريقة حسابية بسيطة يجب مقارنة هذه النسبة بالعقارات الصالحة للسكن والاستثمار في القضاء من دون احتساب الأراضي غير الصالحة للاستخدام، من وديان ومناطق غير صالحة للبناء والاستثمار. بالتالي، وفق هذه الطريقة الحسابية، تكون نسبة التملُّك في مناطق بكاملها تجاوزت الـ20 في المئة. وهنا تكمن خطورة التملُّك بحسب ديب، إذ إنّ نسبة تملّك الأجانب من العقارات الصالحة للاستثمار والبناء، هائلة. ويقول: «لم نعد نعرف من يشتري وكيف، خصوصاً أنّ لا تسجيلات حالياً، تحديداً في بعبدا والمتن وكسروان».