"جبهة الإسناد" في الجنوب: مناوشات حربية لخدمة أهداف إيران في المنطقة

منذ انطلقت مرحلة مختلفة في لبنان بعدما استطاع أن يحرز "انتفاضة الاستقلال" سنة 2005 لاحت إشكالية سريعة في الأفق الوطنيّ، لناحية كيفيّة التعامل مع ما تبقّى من سلاحٍ لم يرتّب في المستودعات العسكرية الشرعية التابعة للدولة اللبنانية.

كانت قضية سلاح "حزب الله" الأكثر بروزاً في واجهة المشاورات السياسية بعدما خصّصت جلسات حواريّة بحثاً عن سبل ممكنة للحلّ تبدأ أقلّه من اعتماد استراتيجية دفاعيّة وطنية. ولم تستطع كلّ المشاورات الحوارية التي عقدتها القوى السياسية اللبنانية تطبيق ما كان يصدر عن الجلسات وإنْ من نقاط مخفّفة، بعدما تردّدت عبارة "الاستراتيجية الدفاعية" كثيراً في الأروقة على مدى السنين من دون أن تكون هناك قدرة للدولة اللبنانية على أن تحوز قرار السلم والحرب.

لم يتغيّر ما هو استراتيجيّ بعدما تشابهت تفاصيل تلك السنين حتى في البيانات الوزارية للحكومات المتعاقبة التي كانت كلمة "مقاومة" تشكّل فيها عثرة لا بدّ من البحث في كيفية صياغتها تخفيفيّاً، بعدما انحصرت لبنانيّاً بـ"حزب الله" الذي يأخذ على عاتقه انتهاج شعارات تنطلق من مسمّى "المقاومة الإسلامية في لبنان" في مواجهة إسرائيل، رغم أنها لم تكن حكراً على فريق عند نشوب الصراع اللبنانيّ - الإسرائيليّ إنما كانت خاضتها قوى في الحركة الوطنية، فيما ترفض أحزاب لبنانية عدّة كانت تواجهت قتالياً مع إسرائيل في مراحل سابقة، أن تُختصر المقاومة حالياً في لبنان بفريق سياسيّ أو طائفيّ، أو أن يحصل الاحتفال بالتحرير من زاوية خاصّة أو احتكارية.

وكان لا بدّ للانعقاد الحواريّ الذي شهده لبنان في مراحل ماضية بعد "انتفاضة الاستقلال" أن يبحث بادئ ذي بدء عن وحدة لبنانية في الأعياد الوطنية حتى لا تكون "المقاومة" خاصّة بفريق، ما كان له أن يسهم في التقليل من الانقسامات اللبنانية، علما ان ذلك لن يكون متاحاً قبل الاتفاق على استراتيجية وطنية دفاعية لا تزال غير ممكنة، حيث لم يكن "حزب الله" قد تشاور مع ما تبقّى من قوى سياسية لبنانية قبل أن يأخذ على عاتقه الدخول في "جبهة إسناد" للحرب الناشبة في غزّة ولا يزال يرفض الحلول الديبلوماسية في الجنوب اللبنانيّ قبل انتهاء العمليات العسكرية الإسرائيلية في القطاع.

وثمّة باحثون عسكريون وسياسيون لا ينظرون بامتنان الى المناسبة الخاصّة بعيد المقاومة والتحرير التي لا بدّ انطلاقاً من انطباعاتهم أن تكون مناسبة وطنية لا أن يتولّى شعاراتها فريق عسكريّ يشكّل جزءاً من القوى المحسوبة على المحور الإيرانيّ في لبنان، ضمن استراتيجية متلاقية مع فرق عسكرية لبنانية وإقليمية إضافية محسوبة على محور "الممانعة".

من يتابع في "المجلس الوطنيّ لرفع الاحتلال الإيراني عن لبنان" تطورات المناوشات الحربية الناشبة جنوب لبنان توازياً مع عيد المقاومة والتحرير، لا يقلّل من "أهمية انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبنانيّ الذي كان لا بدّ من أن يشكّل يوماً وطنيّاً، لكن "حزب الله" حوّل المناسبة في السنوات الماضية إلى احتفالية خاصّة به كتنظيم تابع للحرس الثوري الإيرانيّ. وما يحصل حالياً في الجنوب اللبنانيّ يُعدّ بمثابة مناوشات حربية لخدمة أهداف إيران في المنطقة.

وبذلك، لا بدّ الآن من أن يتصدّى اللبنانيون لسلاح "حزب الله" والميليشيات التي يرعاها، والتي منها برزت حديثاً في الأشهر الماضية التالية للمناوشات الحربية واستباحت الجنوب اللبناني. وهناك خفض للترجيحات حول إمكان حصول متغيّرات خاصّة بسيطرة محور "الممانعة" على الجنوب اللبنانيّ، إذا بقي وضع السلطات اللبنانية على حاله ولم يُنتخب رئيس سياديّ وإصلاحيّ للجمهورية اللبنانية، ثم تشكيل حكومة كاملة الصلاحيات تعمل على تطبيق القرارات الدولية وفي مقدّمها مندرجات القرار 1701. وإذا لم تتبلور متغيرات لبنانية جذرية سيبقي "حزب الله" على شعارات المقاومة في محاولة احتكارية في مواجهة معارضيه من اللبنانيين".

في جردة للبيانات الوزارية للحكومات اللبنانية المتتالية بدءاً من المرحلة اللاحقة للانسحاب السوريّ من لبنان سنة 2005، يتبيّن أنها جميعها متشابهة في مضامينها التي حاولت تجاوز الاختلافات اللبنانية حول سلاح "حزب الله" من خلال النصّ على أنّ "المقاومة اللبنانية وسلاحها هما تعبير عن الحق الوطني للشعب اللبناني في الدفاع عن أرضه وكرامته في مواجهة الاعتداءات والتهديدات والأطماع الاسرائيلية من أجل استكمال تحرير الأرض اللبنانية". ويتكرّر فحوى البيانات الوزارية لناحية "حقّ لبنان في تحرير أو استرجاع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا والجزء اللبناني من قرية الغجر المحتلة والدفاع عن لبنان". ولطالما نصّت على "حقّ اللبنانيين في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي واسترجاع الأراضي المحتلة". لكن، هل ستطبَّق البيانات الوزارية في مرحلة لاحقة عبر استراتيجية دفاعية للدولة اللبنانية؟