جهود الحل السياسي متواصلة رغم ضجيج التهديدات...باريس: الحل ممكن

الثابت منذ بدء المواجهات على امتداد الخط الحدودي من جبل الشيخ الى الناقورة، في الثامن من تشرين الاول من العام الماضي، هو أنّ الوضع على هذه الجبهة، ورغم ضجيج التهديدات، وعنف الاعتداءات الاسرائيلية وعمليات «حزب الله» ضد مواقع الجيش الاسرائيلي والمستوطنات، ما زال مضبوطاً ضمن حدوده، ولم يتجاوز بعد موانع انحداره الى حرب واسعة.

واذا كان ثمة من يجزم بأنّ الوضع في تلك المنطقة بات على شفير التدحرج الى حرب واسعة النطاق، وتُجاريه في ذلك منصات في الداخل والخارج، أخذت عاتقها الضَخّ المريب لكلّ ما يعزز احتمال الحرب، الا انّ وقائع الميدان العسكري، مُضافاً اليها قراءات المحللين السياسيين والعسكريين وتقديرات العاملين على خط التهدئة والتبريد، تخالف ذلك، وتجزم بأن الوضع في منطقة الحدود لم يخرج منذ تسعة اشهر من المواجهات العنيفة، عن النقطة الثابت فيها على بُعدٍ مُتساو من احتمال الإنزلاق إلى حرب واسعة، واحتمال نجاح الوسطاء، لا سيما المسعى الأميركي الذي يدفع بقوة الى منع توسّع نطاق المواجهات، وصياغة حل سياسي في جبهة الجنوب، يَلي مباشرة انتهاء الحرب في قطاع غزة.

الميدان لا يَشي بحرب

المناخ العام يبدو حربيّاً، وعَزّزته التهديدات الاسرائيلية المتتالية، والترويجات التي واكبتها حول انّ الحرب الواسعة واقعة لا محالة، وكذلك التحذيرات من اكثر من مصدر دولي، وآخرها ما جاء بالأمس على لسان وزيرة الخارجية الالمانية انالينا بيربوك التي استبقت وصولها الى بيروت بتوصيفٍ تشاؤمي للوضع بين لبنان واسرائيل بأنه بات أكثر من مُقلق، الا انّ ذلك، وفق ما تتقاطع عليه تقديرات سياسية وديبلوماسية، لا يغيّر في حقيقة ان هذا القلق ليس مستجداً بل هو قائم منذ 8 تشرين الأول من العام الماضي، من دون أن يلامس نقطة الانزلاق الى حرب.

الوضع كما يصفه مصدر رسمي رفيع لـ«الجمهورية» بأنه «يراوح في دائرة القلق الشديد، خصوصاً ان التهديدات الاسرائيلية بالشكل المكثف التي تتوالى فيه توحي وكأنّ جيش العدو على وشك القيام بعمل عسكري ضد لبنان، ولكن اذا ما تَمعَنّا بمجريات الميدان العسكري يتبيّن بوضوح ان الميدان لا يَشي بحرب، حيث لم يطرأ اي تعديل او تغيير عما هو سائد فيه منذ 8 تشرين الاول. حيث ان الوقائع العسكرية تبدو اقل حدة من التهديدات والترويجات والتخويفات التي تواكبها. هذا لا يعني انه يجب ان نلغي من حسباننا ما يمكن ان تقدم عليه العدوانية الاسرائيلية. ولكن حتى الآن لا تؤشر المواجهات القائمة الى حرب.

 وبحسب المصدر عينه فإنّ التهديدات بالحرب تصاعدت وتيرتها في اللحظة التي وصل فيها الوسيط الاميركي آموس هوكشتاين الى لبنان واسرائيل، حيث انّ الوضع ما قبل الزيارة هو نفسه لم يتغيّر بعد الزيارة. والاعتقاد الاقرب للواقع انّ هذه التهديدات الاسرائيلية ليست موجهة الى جبهة لبنان، بقدر ما هي جزء من الاشتباك الاميركي الاسرائيلي على مبادرة الرئيس الاميركي جو بايدن لإنهاء الحرب في قطاع غزة. والذي تفاعلَ أكثر أمس مع ضرب رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو هذه المبادرة وإعلان قبوله بحل جزئي، ورفضه إنهاء الحرب، خلافاً لما تدعو اليه مبادرة بايدن.

حرب نفسية

الى ذلك، حذّر مرجع امني ممّا سمّاها «حرباً نفسية متعددة الغايات والاهداف، تُشَن على اللبنانيين من مصادر مختلفة، سواء عبر التهديدات، او الاختلاقات الخبيثة التي كان آخرها تقرير صحيفة «التلغراف» البريطانية حول تخزين أسلحة لـ«حزب الله» في المطار».

وقال المرجع الأمني لـ«الجمهورية»: الهدف الاساس من هذه الحرب النفسية هي محاولة إرباك للبنان، وإشاعة أجواء من الخوف لدى اللبنانيين. لكن ما ينبغي أن يعلمه اللبنانيون هو أن هشاشة هذه الحرب النفسية تتبدّى في تضخيم التهديدات، وتكبير الاختلاقات التي لا اساس لها.

اضاف: «في هذه الاجواء المتوترة، لا يمكن استبعاد خيار توسّع الحرب، وايضاً لا يمكن الاستسلام للتهديدات، ذلك أنه وفق المعطيات والمعلومات والتقديرات الديبلوماسية الغربية التي نقف عليها من جهات مختلفة، فإنّ هذا الخيار ما زال مُستبعداً لأنّ «رادع» توسيع الحرب ما زال حاكماً مسار المواجهات، خصوصاً من قبل الأميركيين، الذين رسموا للاسرائيليين حدود المواجهة مع «حزب الله» ضمن النطاق الذي دخلته منذ تسعة اشهر، وحدّدت إنهاءها بحل سياسي، وهو ما تؤكد عليه وتعمل له الادارة الاميركية بكل مستوياتها».

وفي موازاة ذلك، يقول المرجع الامني عينه، «ثمّة رادع أساس لعدم توسّع الحرب، يتجلى في التحذيرات التي تتقاطع عليها تقديرات مستويات سياسية وعسكرية واعلامية في اسرائيل، من عمل عسكري اسرائيلي واسع ضد لبنان، ونتائجه الكارثية على ما تُسمّى بالجبهة الداخلية في اسرائيل. ومعلوم في هذا السياق انّ مصلحة اسرائيل تشكل أولوية بالنسبة الى الولايات المتحدة الاميركية، التي قرنت رفضها توسيع الحرب، سواء عبر البيت الابيض او الخارجية او البنتاغون بالتحذير من أنّ توسيع المواجهة مع «حزب الله» سيؤدي الى حرب واسعة، ليست في مصلحة اسرائيل».

تحذير أممي

الى ذلك، كشفت مصادر ديبلوماسية أممية لـ«الجمهورية» عن رسائل وجّهت في الآونة الاخيرة الى مستويات مسؤولة في لبنان تعبّر عن مستوى عال من المخاوف من توسّع نطاق المواجهات، التي تتسبب في دمار وقتل مباشر للمدنيين على جانبي الحدود». وبحسب المصادر فإنّ ما تضمنته تلك الرسائل، يشير بوضوح الى تمادي اطراف الصراع في خرق القرار 1701، ويجدد الدعوة الى جميع الاطراف بالتزام القرار بما يؤمّن الامن والاستقرار على جانبي الحدود، كما يكرر مخاوف قوات حفظ السلام (اليونيفيل) من تزايد احتمالات حصول خطأ في التقدير من شأنه أن يُفاقم الصراع، وخلصت الى التأكيد على انّ مصلحة كل الاطراف تقتضي انتهاج مسار الحل السياسي، والامم المتحدة تشجّع على ذلك، خصوصاً انّ فرصة بلوغ هذا الحل قائمة».

إستبعاد عربي للحرب

وفي سياق متصل، قَلّل ديبلوماسي عربي كبير من احتمالات الحرب، وقال لـ«الجمهورية» انّ «حرب غزة أنهكت كل اطرافها، وأتعبت الاميركيين وحلفاءهم والغرب بشكل عام، ومن هنا يأتي الاستعجال الاميركي لإنهائها، عبر مبادرة بايدن، ورفض توسعها الى ساحات اخرى بدءًا من لبنان. وعلى هذا الاساس، فإنّ مبادرة بايدن في مخاض يبدو صعباً، ولكنها ليست في مسار مقفل. وفي يقيني ان لا أحد يريد حرباً جديدة، فكيف اذا كانت حرباً يتفق الجميع على أنّ اكلافها هائلة لا بل كارثية، وليست في مصلحة اي من اطرافها، ومن هنا فإن الجهد الدولي مجتمع على فرصة جدية لحلّ سياسي يؤمن الهدوء والاستقرار بين لبنان واسرائيل. وانّ الاميركيين، كما هو واضح، مصممون على بلوغ هذا الحل».

باريس: الحل ممكن

وفيما ربط الديبلوماسي العربي بلوغ الحل السياسي على جبهة لبنان، بما ستؤول إليه الاتصالات الاميركية مع اسرائيل، عَبّر مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل عن قلقٍ بالغ من أن «الخطر يتزايد كل يوم من امتداد حرب غزة إلى لبنان». فيما قالت مصادر ديبلوماسية من باريس لـ«الجمهورية»: إنّ توسّع المواجهات على جبهة جنوب لبنان ينطوي على مخاطر هائلة ليس في الامكان تقدير حجمها او التحولات التي يمكن أن تنتج عنها».

ورداً على سؤال اشارت المصادر الى انّ تحذيرات فرنسية مباشرة من استمرار المواجهات أبلغت الى كل الاطراف. وقالت: انّ باريس تواصل مساعيها مع الجميع، وتشارك بشكل مباشر المساعي الاميركية لإبقاء الامور تحت السيطرة، وبلوغ حل ديبلوماسي ما زال ممكناً.

ورداً على سؤال آخر، لم تستبعد المصادر أن تشهد الفترة المقبلة حراكاً فرنسياً مباشراً مع الجانبين اللبناني والاسرائيلي لتعزيز فرصة الحلّ السياسي.