جوزف ابو خليل " كثيرُ الحضور ، قليلُ الظُّهور !؟ "

قبلَ ثلاثِ سنوات ، رحلَ جوزف ابو خليل ، صاحبُ السّيرةِ العَطِرَةْ والمَسيرةِ الرّائدةْ من الولادةِ الى الوَداعْ :
وُلِدَ ليلةَ ذِكرى ميلادِ المَسيح ! وبَعدَ خَمسِ سَنواتٍ من ولادةِ لبنان الكبير ! وقبلَ أحَدَ عَشَر عاماً من مَوْلِدِ حزبِ الكتائب !
    قضى العُمر مُتَدَرِّجاً بينَ بَيْتَيْن :
                      بيت الدّين : مَسقَط رأسِه 
                     وبيت الكتائب : ميدان كِفاحه .
      إرتَدى باكراً "الرّوب" الأبيض ، ليُحقِّقَ أُمنيَةَ والدتِه بأنْ يُصْبِحَ " فرمشاني " فنجحَ في المِهْنَة ، وباتَ قَريباً مِن " الفَرمشاني " الأوّل الشيخ بيار الجميّل ... وبَدَأت المُّهِمّة ؟!
     دَخَلَ الوظيفَة في شركةِ كَهرباء لُبنان ... ولكنّ العَمَلَ الحِزبي كنائِب للأمينِ العامْ كانَ بِنَظَرِهِ أهمّ مِنَ الوَظيفة،  فاستقالْ ؟!
     دخلَ الجامعةَ  لِيدرُسَ الحُقوق لكي يَزيدَ على ثَقَاَفتِه ثَقافة .
    ساهمَ في إختراع إذاعةٍ صَدَحَ منها لأول مرّة : " هنا صوتُ لبنانْ ، صوتُ الحرّيةِ والكرامَة ...؟!"
    عُيّنَ رئيساً " للماكينةِ " الإنتخابيّة الكتائبيّة . ثمَّ رئيسَ تحرير جَريدة "العمل" فأصبحَ كَبيراً بَين الكِبار الذّين كتبوا المقال الشّهير " من حصاد الايّام... " ؟!
      في زمنِ الكتائب المُزَوَّرَةْ – والتعبيرُ لهُ – تركَ جريدة " العمل "  وأصبحَ رئيسَ تحرير" نداء الوطن" !
    معَ الوِلادَةِ الحزبيّة الجَديدة عُيّنَ أميناً عاماً أصيلاً ومِن ثُمّ انتُخِب نائباً أوّلاً لِرَئيس الحزب ... ليُصبح لاحقاً عُضواً في المكتبِ السياسي مَدى الحياة :
 عاشَ شعارَ الحزب قَولاً وعَملاً :
 آمنَ باللّه ربّاً : فكانَ مُؤمناً مُمارساً ، يخافُ الله في السرّ والعلنْ.
 آمنَ بلبنانَ وطناً ، عاشَ فِعْلَ إيمانٍ حَقيقيٍّ بلبنان ،  فأحبّهُ  كيفما كانت أحوالُه ، سيئةً كانت         أو حَسَنَةْ ، هادِئةً أو مُضطربةْ ... إلتزمَ العملَ  مِن أجلِهِ كمشروعِ وَطَنٍ ودَولة !
 مُنْذُ مَطلعِ شبابِهِ ، شاركَ في العمل الوطنيّ ، وكانَ همُّه أنْ يَبقى الوطنُ ويدومَ كي يبقى  لِما تَبقّى مِن عُمرِه معنى ، مِن هُنا جاءَ عُنوان كِتابَه الأخير " عُمري ... عمر لبنان " وإنْ كانَ يُدرِكُ أنَّ أعمارَ الأوطانِ لا تُقاسُ  بأعمارِ البشرْ ، ورغمَ ذلك  قاسَ عُمْرَه بعمرِ الوَطن  ولمْ يَقِسْ عُمْرَ الوطنِ بعمرهِ ِ!
آمنَ بالكتائب " عائلة " :
       إلتحقَ بالحزب يافعاً وانتسبَ راشداً والتزمَ مَدى العمر، وبات له بَيتان : بيتُهُ العائليّ وبيتُه الكتائبي !
      لمْ يكُن إنتماؤُه الحِزبيّ مَوسميّاً أو مُتَقَطِّعاً أو مُنْقَطِعاً ، فما غابَ يوماً ولا تَعِبَ يوماً أو أصابَه المَلل ، ولا خَطَرَ في بالِهِ يوماً أنْ يُغَيّرَ دربَه أو أنْ يَستريحَ !
       كانَ يَرى في إلتزامِهِ الحِزبي شَيئاً مِنَ القَداسَة :  نُذْراً رُهبانيّاً قوامُه الطّاعةْ والإستقامةْ !
       وكانَ رأيُه على الدّوام : "... إننّي لمْ أعرِف الكتائب إلاّ على ارتباطٍ وثيقٍ بهذا البيتِ العَريق " بيت الجميّل " حتّى لأكادُ أقولُ أنَّ لا كتائبَ حتّى الآن بِلا بَيت الجميّل ... "  فكان إلتزامُه مع الرّئيسِ ومع الرَّئيسَينِ ومع الحَفيدينْ ... ؟!
      كان كاتبَ تصريحاتِ الرّئيس المُؤسّس الصحافيّة ، شارِحاً لها لتَزْدَادَ عُمقاً ووُضوحاً ،  وصائِغَ بياناتِه الى مُؤتمر الحزب ، ومُدّون أفكارِه  بأمانةٍ ، وأمينَ سِرّه بإستقامةْ ...  فإذا كانَ الشّيخ بيار الجميّل قد صنعَ تاريخاً للحزبِ وللوطنْ ، فإنّ كبيرِنا جوزف ابو خليل قد أرَّخ هذا التّاريخْ ... ومُؤَرِّخُ التَّاريخِ كصانِعِهِ وَجْهَان لِقضيةٍ واحدة ...؟!
     جوزف ابو خليل ، إذا كانَ اللهُ قد أضافَ سنواتٍ الى حياتٍه ، فهو قد أضافَ حياةً الى سنينِه :  فعاشَ مَسيرةً مُكلّلةً بالمَجدِ والكرامَة ، مُتوّجةً بِعزّةِ النّفْسِ والشَّهامَة مَوْسُومَةً بِالوفاءِ والإستقامةْ... مَسيرةً كانَ طَوالَها كثيرَ الحُضورِ قليلَ الظّهورِ عَمَلاً  بالمَثل الفَرنسيّ الذي حَفَرَهُ ووضَعهُ لوحةً على مَكْتًبِهِ والقائِل :   “Etre et non paraitre”
    ... وبعدَ أنْ إتّكأَ على سنينَ مديدةْ مِن عُمْرِ الزَّمن ،  فَضّلً الرّحيلَ في إبحارٍ أبديَ ، مُتجاوزاً المَوت الى القيامةِ ... فالعودةُ الى الله .
    جوزف ابو خليل :
 سَتبقى البَصمةَ التي لا تُقلّد !
 ستَبقى البحرَ الذي لا يُكرِّرُ إلاّ نفسَه !
ستَبقى  أيقونةً مُعلّقةً على صَدارةِ جِدارِ ذاكِرتِنا  ، وعلى جدرانِ البيتِ المَركزي !
ستَبقى الحُضور في الغِياب !