حرب إسرائيل على لبنان... هل تنشب قريباً؟

اشتعلتْ الحربُ الإعلامية والنفسية على لبنان، وكأن الحربَ الشاملة ستقع في أي لحظة. ومنذ أن أَخْرَجَ «حزب الله» جزءاً يسيراً مما التقطتْه الطائرة المسيَّرة «هدهد» التي أظهرتْ مواقع حساسة عسكرية ومستوطنةً مكتظة مدنية قبل أن يبثّ الحزب شريطَ إحداثياتٍ لمواقع عسكرية ومنصات غاز، اضطربَ الداخلُ الإسرائيلي من الرسالة، وما أشّرتْ إليه لجهة النتائج والأكلاف الباهظة للحرب المحتملة القريبة - البعيدة.

ولم تكد رسالة الحزب أن تفعل فعلها، حتى أطلّت «دعاية» في وسيلة إعلام بريطانية معروفة بمالكيها الداعمين للشركات التي تسّلح إسرائيل، رفعتْ مستوى التهويل حول إمكان أن تقوم إسرائيل بقصف مطار بيروت «بسبب تخزين صواريخ وأسلحة في صناديق» وبالتحديد الفاتح 110 الذي يزن 3.5 طن بطول 9 أمتار تقريباً.
ولكن هل هناك تحضيرات حقيقية للحرب المقبلة الشاملة؟

لا شك في أن الحربَ قائمةٌ منذ 8 أكتوبر 2023 وقد طالت جميع القرى والمستوطنات على الحدود مع لبنان. كما طاولت بعض المناطق الداخلية في شكل متقطّع، ليبقى الطرفان ضمن حدود المواجهة المحدودة وقواعد الاشتباك التي رُسمت منذ بداية الحرب.

إلا أن خسائر الجيش الإسرائيلي المرتفعة وعدم وجود أي جدول زمني لعودة المستوطنين إلى أماكن إقامتهم في الشمال، والهواجس الكبرى لهؤلاء من البقاء في المناطق الحدودية التي يعتقدون أن هجوماً مماثلاً للذي شنّته «حماس» في السابع من أكتوبر غير مستبعَد وواقعيّ عبر الحدود مع لبنان، وكذلك الدعم الناري الذي كثّفه (حزب الله) منذ الخامس من مايو - بعد موافقة «حماس» على مقترح وقف إطلاق النار ورفْضه من إسرائيل التي فضّلت التفاوض تحت النار - كل هذا أجبر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو على تكرار احتمال الحرب الشاملة مع لبنان.

ويقول المسؤولون الإسرائيليون إن «واشنطن تعهّدت لتل أبيب بدعمٍ عسكري واسع للجيش إذا توسعت الحرب ضد الحزب وذهب التصعيد إلى حرب مفتوحة».

ويتكلّم الأميركيون بلغةِ الفرضية وليس كأنّ الحرب واقعة غداً. إضافة إلى ذلك، فإن واشنطن لم تقدم شيئاً جديداً بتصريحاتها لأنها ملزَمة الدفاع عن إسرائيل في وجه كل الأخطار التي تحدق بها منذ عقود.

ولكن رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية الجنرال تشارلز براون، قال إن «أميركا لن تستطيع حماية إسرائيل من صواريخ حزب الله كما فعلت عند القصف الإيراني لإسرائيل التي ستجد نفسها بمواجهة خطر ردّ إيراني دفاعاً عن منظمة حزب الله القوية، وان القوات الأميركية ستواجه تحدياً يتمثل في تعزيز مظلة الدفاع الجوي الإسرائيلية».

والأمر هنا لا يتعلّق بمسألة «الدفاع المستحيل» عن إسرائيل في حال الحرب مع لبنان بسبب المسافة القريبة التي ستُطلق منها الصواريخ، على عكس الصواريخ الإيرانية والمسيَّرات التي أطلقت من 1600 كيلومتر، ولا بكمية ونوعية السلاح الذي يملكه الحزب وانتشاره على الحدود وقدرته على التصدي لأي محاولة اجتياح.

كما لا يتعلّق الأمرُ بعدد السلاح والذخائر التي تريدها إسرائيل من أميركا والخلاف الدائر بينهما حول الـ3500 قذيفة التي لم تسلّمها واشنطن التي أرسلت - ومازالت ترسل يومياً - عشرات الآلاف من الأسلحة والذخائر التي تطلبها تل أبيب.

بل إن نتنياهو أكد أن إسرائيل «تستطيع القتال بما لديها، ولكننا نتوق للمزيد»، ذلك أن الترسانة الإسرائيلية مكدّسة بالأسلحة والذخيرة، ولم يستخدم الجيش الذخيرة والرجال الذين خُصصوا للجبهة اللبنانية.

وتالياً انها مسألة الدمار الذي يستطيع «حزب الله» إلحاقه بالبنية التحتية وسمعة الجيش «الذي لا يُقهر» والذي فشل في تحقيق أهدافه في 364 كيلومتراً مربعاً في غزة والذي لن ينجح في 4000 كيلومتر مربع التي تمثّل مناطق الجنوب والبقاع اللبناني.

بالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل تفتقر للأهداف الممكن تحقيقها بإبعاد «حزب الله» الذي يشكل سكانَ المناطق الجنوبية الحدودية والبقاع جزءاً كبيراً من عناصره. ولا تستطيع تل أبيب الاعتماد على القوى الميكانيكية التي تمثّل هدفاً سهلاً لصواريخ الحزب الليزرية الموجَّهة، ولا على سلاح البحرية الذي أُخرج من المعادلة منذ عام 2006.

وما زاد الطين بلة لإسرائيل أن جوهرة الجيش، سلاح الجو، لم يعد طليقاً في العمل فوق لبنان بسبب نظام الكشف الإيراني والأنظمة المتقدمة التي تسلّمها الحزب من طهران، خصوصاً من دمشق والتي تستطيع إسقاط الطائرات الإسرائيلية المناورة وكشْف توجهها نحو الحدود اللبنانية قبل اجتيازها للحدود.

ولم يدعُ «حزب الله» إلى الجهوزية التامة في صفوفه، بل أبقى حركته العسكرية منخفضة لتَفهم إسرائيل أنه لا يسعى للحرب. إلا انه نقل منظوماته إلى كل الجغرافيا اللبنانية من دون ترْك بصمات، ووَضَع مسيّرات في وضعية كمائن ليتمكّن من إطلاقها وإطلاق صواريخه على مدار الساعة وبسرعة...

وقد عمل الحزب على تكثيف عمله لتأمين مظلة جوية للقوات البرية لوضع حد للمسيَّرات والطيران الحربي الإسرائيلي في حال نشوب حرب.

وفرض أيضاً ضوابط مشددة لمكافحة إستخدام الهواتف والكاميرات. ونُقلت هذه الثقافة للبيئة الحاضنة لمنع إستغلالها من إسرائيل في حال نشوب حرب واسعة .

ويؤكد نتنياهو انه "بحاجة لأسلحة أميركية لردع حزب الله" وليس لإعلان حرب شاملة على لبنان. فمنذ أشهر يردد المسؤولون الإسرائيليون أن "خطط الهجوم قد أُقرت" وان "لبنان سيُدمر ويعاد للعصر الحجري في حال الحرب الشاملة"، لتكون الـ إذا والإفتراض موجودة من دون تأكيد أن الحرب وشيكة.

وتالياً فإن هذه التهديدات ليست جديدة ولو أرادت إسرائيل الحرب وتضمن إنتصارها وتلقين حزب الله درساً قاسياً لَشنّتْها منذ زمن بعيد.

إن الحرب النفسية مسموحة لجميع الأطراف لدرء الحرب وليس لخوضها، وللضغط على الجبهة الداخلية لكلا الطرفين في محاولةٍ لوقف الحرب المحدودة الدائرة. إلا أن الجبهة الإسرائيلية بدأت بالتأثّر وبتحريك السكان لعلمهم أن أكثر من مليون إسرائيلي سيُهجرون من منازلهم إذا بقيت الحرب على حدود نهر الليطاني جنوباً فكيف إذا تخطّت النهر؟