حرب غزّة تعجّل خطّة الطوارئ... عمل جدّي في زمن الشحّ!

دخلت الحرب الإسرائيلية على غزة يومها الـ24، ودخلت معها المنطقة في حالة الخوف من تردّداتها السلبية المتوقعة على الأمن الاقتصادي والاجتماعي لدول وشعوب الإقليم.

خوف الدول تُرجم بوضع خطط سريعة وطارئة للاستجابة الفورية لدى وقوع حالات نزوح أو ترانسفير، أو حتى معارك وعمليات عسكرية تفضي إلى تعطل البنى التحتية للخدمات الصحّية والإنسانية.

وبما أن لبنان هو إحدى دول الطوق، وهو أكثر جيران فلسطين تأثراً وتفاعلاً وشراكة في مآسيها منذ ما يقرب الـ75 سنة، لذا يتخوّف كثيرون من تمدّد الحرب إلى أراضيه، وإدخاله في أتونها، والتسبّب بحالات نزوح جماعي وتهجير قسري خصوصاً من قرى ومدن الجنوب والبقاع الغربي.

أمام ما سبق، ولكي لا نكون أمام مشهد آخر من الفوضى التي حصلت في حرب تموز 2006، استنفرت الدولة وزاراتها ومرافقها لتوحيد الجهود في خلية أزمة مركزية لوضع خطة طوارئ بغية مواجهة أي تطورات دراماتيكية قد تحصل، وبدأت مناقشة وبحث الخطوات الواجب اتباعها للخروج بخطة واقعية، شاملة وممكنة التنفيذ والفعالية على كافة الأراضي اللبنانية.

المخاطر في حال وقوع الحرب على لبنان كبيرة وخسائرها لا تُقدر مسبقاً، لكن الخسائر الكبرى ستكون حتماً في الفوضى الإسكانية والصحّية والبيئية وخطرها على الأمن الاجتماعي والسياسي في البلاد. لذا بدأ البحث في خطة طوارئ شاملة، تأخذ في الاعتبار أولوية تأمين مراكز إيواء وتنظيم انتشارها، وتجهيزها بما يحفظ الكرامة الإنسانية للنازحين، من لوازم يومية ومياه وكهرباء ومتابعة صحية وبيئية.

وقد تشكلت لجنة وزارية انبثقت عنها لجنة تنسيقية مؤلفة من تقنيين من كل الوزارات لمتابعة الخطة، والخطوط العريضة لتحركها بالتنسيق الكامل مع القوى والمؤسسات الأمنية والجيش، ووزارة التربية، ومصرف لبنان، ومؤسسات الأمم المتحدة المعنية بالشؤون الإنسانية والإغاثية، الى جانب مؤسسات المجتمع المدني اللبنانية.

اللجنة في صدد الاجتماع اليوم أو غداً، لمتابعة التفاصيل وخصوصاً المعضلة الكبرى التي يُطرح السؤال دوماً عنها: من أين سنأتي بالتمويل؟ فالخطة تحتاج الى مبالغ طائلة للاستجابة لتكاليف إيواء ومساعدة ما لا يقل عن مليون نازح متوقع نزوحهم إلى خارج منطقة الجنوب والبقاع الغربي والضاحية الجنوبية وبعض مناطق بيروت وجبل لبنان. في ظل الوضع الاقتصادي والنقدي السيئ، الاتكال على الدولة بمفردها ضرب من الجنون، لذا لا بدّ من التوجّه نحو المؤسسات الأممية الدولية ذات الصلة بالأعمال الإنسانية، وإشراكها في الخطط والتمويل بما أمكن من الفاتورة الباهظة المتوقعة لخدمات الإغاثة.

وفي زمن الشح، فالتحوط المالي للدولة منحها بعض القدرة والقوة، للتدخل وتمويل موجات البدايات الأولى للنزوح، واستيعاب الصدمة الأولى. فالدولة ليست خارج القدرة على التمويل كلياً، وهي تملك الإيرادات اللازمة التي تخوّلها المساهمة في تنفيذ خطة الطوارئ بدليل أن إيرادات الرسوم والضرائب وغيرها وخصوصاً الضريبة الجمركية والـTVA خلال تشرين الأول الجاري قد تتخطى 30 ألف مليار ليرة، نصفها "كاش" تقريباً، أي إن مجموع الإيرادات في شهر تشرين الأول الجاري قد يصل الى ما يعادل 330 مليون دولار، بالإضافة إلى نحو 25 مليون دولار دخلت إلى الخزينة اللبنانية خلال تشرين الأول معظمها ناتج عن رسوم المغادرة "Tickets". ووفق مصادر متابعة فإن لدى الدولة مبالغ تناهز 90 ألف مليار ليرة ناتجة عن الإيرادات في الأشهر الماضية، ولديها أكثر من 40 مليون دولار نقدي يمكنها التصرف بها، فيما يقوم مصرف لبنان بتأمين حاجات الدولة الأساسية من الدولار عبر الشراء من السوق ولا سيما تأمين الرواتب والأجور التي تبلغ قيمتها نحو 75 مليون دولار شهرياً.

حتى الآن لا تزال التكاليف الإجمالية المتوقعة لفاتورة الإغاثة، إذا ما وقعت الحرب، غير واضحة المعالم كلياً، فهي تبقى رهن نوع العمليات العسكرية وتصاعد وتيرتها، ومساحة الجبهات وحجم التوغل الميداني والتمادي في تدمير البنى التحتية الخدماتية. لذا تؤكد مصادر متابعة أن ثمة حاجة ملحّة لتدخل المجلس النيابي لإقرار تشريعات تتيح للحكومة تأمين موارد أو تمويل، أو توقيع عقود تغطي المطلوب وتساعد على بناء شبكة أمان وصمود اجتماعي وأمني لتمرير المرحلة.

 

50 ألف عائلة في مراكز الإيواء

إذن، ما إن بدأ العدوان الاسرائيلي على غزة، حتى قررت الحكومة اللبنانية إعداد خطة طوارئ تحسباً لأي عدوان على لبنان، وشهد آخر الأسبوع الماضي اجتماعاً تقييمياً لنتائج العمل والاجتماعات التي عُقدت على مدى أسبوع، ونوقشت الموارد المتوافرة للاستجابة لدى مختلف الشركاء والتحديات والإجراءات المطلوبة للاستعداد لمواجهة تداعيات أي عدوان والنزوح الداخلي ولا سيما إدارة الشؤون الإنسانية.

وينخرط في خطة الطوارئ منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية بالإضافة إلى ممثلين عن الوزارات في اللجنة الوطنية لتنسيق مواجهة الكوارث والأزمات والصليب الأحمر اللبناني، فيما تهدف مشاركة منظمات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية العاملة في المجال الإنساني إلى ضمان مواءمة خطة الطوارئ الإنسانية التي وُضعت بقيادة وتنسيق منسّق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية لخطة الاستعداد والاستجابة الشاملة للحكومة اللبنانية.

وزير البيئة ناصر ياسين المكلف تنسيق خطة الطوارئ والعمل مع منظمات الأمم المتحدة والهيئات المعنية، شرح لـ"النهار" أبرز معالم الخطة وبنودها، لافتاً الى أنها خطة طوارئ شاملة تهدف الى تخفيف الأعباء عن المواطنين وتسهيل إيوائهم ومساعدتهم من خليّة أزمة.

‎تشمل الخطة قطاعات عدة منها الصحة، الأمن الغذائي، المساعدات الأساسية، والتجهيزات والأمور اللوجستية، المياه، الحماية، المأوى البديل، الاستقرار الاجتماعي، التغذية والتربية.

النقطة الأهم في الخطة وفق ياسين تتعلق بالإيواء، وحضر في السياق تجربة حرب تموز عام 2006، حيث إن 20% من المواطنين الذين غادروا مناطقهم مكثوا في مراكز الإيواء، و80% إما في منازل مستأجرة أو عند أقاربهم.

ويكشف ياسين أن "الخطة تلحظ مبدئياً الاستجابة لمليون نازح وإيواء 200 ألف شخص (50 ألف عائلة) في مراكز الإيواء كالمدارس التي ستُجهّز بكلّ المستلزمات. ويجري التنسيق في هذا الجانب من الخطة مع المنظمات والهيئات الدولية والشؤون الاجتماعية، إضافة الى وزارة الشباب والرياضة (المراكز الكشفية)".

‎بالنسبة للأمن الغذائي يجري التنسيق مع برنامج الغذاء العالمي، ووزارة الزراعة والاقتصاد إضافة الى وزارة الداخلية، إذ باتت هناك قدرة على تأمين الغذاء لنحو 400 ألف شخص لمدة شهر، فيما العمل جارٍ على تأمين المساعدات لأكبر عدد ممكن من النازحين، ولرفع القدرة لفترة تقارب الشهرين. وفي هذا الشق تحديداً يجري التنسيق، بين وزارة الاقتصاد ووزارة الداخلية حيال كيفية التعاطي مع مخزون القمح والطحين والأفران والمواد الغذائية، فيما النقاش يتركز حيال إمكان استخدام قرض البنك الدولي لاستيراد كميات أكبر من القمح لتعزيز المخزون.

موضوع الصحة من العناصر الأساسية في الخطة، برأي ياسين. لذا تعمل وزارة الصحة على تحسين النظام الصحي وتعزيز مخزون الأدوية والجهوزية لمواجهة أي تطورات ميدانية وتجهيز الأماكن المخصصة لتلقي العلاج، إضافة الى تأمين العلاج للمواطنين الذين انتقلوا من منازلهم الى مناطق أخرى. ويجري التنسيق في هذا الإطار بين وزارة الصحة ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر اللبناني.

أما بالنسبة للشق المتعلق بالنظافة وتأمين المياه، فيجري التنسيق بين وزارة الطاقة واليونيسيف لتجهيز مراكز الإيواء واستمرارية ضخ المياه من المحطات في حالة الحرب وتأمين مخزون استراتيجي من المازوت لخدمة هذا الهدف.

لوجستياً، وخصوصاً ما يتعلق بتأمين طرقات بديلة إذا ما قُصفت الطرق الأساسية، يوضح ياسين أنه "يجري التنسيق بين وزارات الأشغال والطاقة والاتصالات وبرامج الغذاء في الأمم المتحدة لكونها ستصبح مخوّلة إيصال المساعدات للناس المحاصرين أو أولئك الذين تركوا منازلهم قسراً، علماً بأن من الأمور التي نبحثها كيفية تعزيز المساعدات النقدية للأسر الأكثر حاجة إذا ما تطوّرت الأمور سلباً وحصل تهجير".

وفيما تعمل "أوجيرو" على خطّة لضمان استمرارية الاتصالات والإنترنت، تعمل وزارة الطاقة على التنسيق مع مستوردي الفيول لتعزيز المخزون وتوزيعه على أماكن عدة. أمّا بالنسبة لموضوع الكهرباء، فيشير ياسين الى أنه تم تحديد 3 نقاط استراتيجية (المستشفيات، والأفران ومحطات ضخ المياه) لتزويدها بالكهرباء لفترة أطول من خلال تأمين المازوت للمولدات.

هل يمكن القول إننا أصبحنا جاهزين لمواجهة أي تداعيات للعدوان؟ يؤكد ياسين أن غرفة العمليات المركزية أصبحت جاهزة، كما جهزنا آلية التنسيق بين الوزارات والمنظمات وربط غرف العمليات المحلية بعضها ببعض (8 غرف عمليات)، على أن يُستكمل العمل والاجتماعات في الأيام المقبلة لتعزيز التنسيق على المستوى المركزي والمحلي، وكذلك لوضع الموازنات المطلوبة لتعزيز جهوزية القطاعات وتحديد فرص التمويل المتاحة محلياً ودولياً.

 

تمويل الخطة: الدولة ومنظمات دولية

في انتظار تقدير الكلفة الإجمالية وتفاصيلها الأربعاء المقبل، يؤكد ياسين أنه تم تحديد مصادر التمويل عبر مصدرين أساسيين: الأول من الخزينة، إذ إن وزارة المال في صدد فتح اعتمادات لوزارة الصحة ومجلس الجنوب. أما المصدر الثاني فعبر المنظمات الدولية التي باشرت بنقل بعض الإيرادات الموجودة من قطاع الى آخر وخصوصاً لقطاعات الصحة والغذاء والمياه. وستطلب هذه المنظمات عبر مكتب منسق الشؤون الانسانية في الأمم المتحدة دعماً مالياً إضافياً للقطاعات الأكثر حاجة.