حكاية الصيد في لبنان... صور مفزعة ومؤذية والمطلوب كثير من الرقابة والاحترام

لطالما عُرف سهل بعلبك - الهرمل بكونه وجهة أساسية للصيّادين، حيث يجتمع هؤلاء على ترويقة وشاي، و"البارودي ع اكتافن"، مع سائر معدات ولوازم الصيد. وشهر أيلول هو شهر الصفاريات والتين والترغل "الدرغل"، أول الطيور التي تصل، معلنةً بداية موسم الصيد، وأفضلها طعماً والأكثر شهرة وشعبيّة لعشّاق الصّيد.

بعض الصيّادين حوّلوا هواية الصيد إلى مهنة تدرّ أرباحاً لهم، لكن بأسلوب غير قانونيّ، عبر "الصيد الجائر"، ونصب الشِبَاك ليلاً في البساتين، حيث يتمّ اصطياد الطيور المهاجرة والمهدّدة بالانقراض، ثم يتمّ بيعها للمطاعم والمحالّ. وقد انتشرت في الآونة الأخيرة مجموعة من الصور تُظهر هذه الشِبَاك والأعداد الكبيرة للطيور التي تمّ اصطيادها.

رئيس بلدية القاع المحامي بشير مطر يؤكّد لـ"النهار" أن الصّورة التي انتشرت على منصّات التواصل الاجتماعي لشبكة الصيد، والتي تُفيد بأنها في بلدة القاع، غير صحيحة إطلاقاً، بل كان أجرى تفتيشاً كاملاً، ودعا من يعرف المكان إلى أن يُشير عليه، في الوقت الذي دعا الأجهزة الأمنية إلى إجراء تحقيق في ذلك.

وبحسب ج. مهنا، أحد الصيّادين في البقاع الشمالي، تعتبر هذه الفترة موسماً بالنسبة إليهم، فينصبون الشباك المصنوعة من خيوط الصوف أو النايلون الرفيعة في البساتين، حيث تعلق الطيور ليلاً. ويكون ارتفاعها بحدود المترين، وطولها حوالَى 10 أمتار. يأتي الصياد في الصباح ويجمع صيده من الطيور الحيّة المعلّقة على الشبك، فيذبحها، ثم يبيع كل طير بدولار أميركي واحد، فيما يتراوح سعر الطير غير المنظّف ما بين 60 و70 ألف ليرة لبنانية. وقد يتجاوز ربح الصيّاد أكثر من مئة دولار، ممّا يجعل هذه الهواية مهنةً موسميّةً للعديد من السكان.

يلفت مهنا إلى أنّ الكميات الهائلة من الطيور المتوافرة في الأسواق اللبنانية يتم تهريبها من الداخل السوري، بعد تجميدها وبيعها في الأسواق على أنها طيور لبنانية طازجة، إلا أنّ الأخيرة غالية الثمن ولا تكفي السوق المحليّة.

هواية الصيد ليست ممنوعة، وهي ذات قوانين وقواعد، وتنظّمها الإدارات المعنية في الدولة، وتُطبّق الأجهزة الأمنية القانون كما في أيّ بلد آخر. لكن فترة الصيد السنويّة محدّدة زمنياً، ولا تشمل كلّ أنواع الطيور بل أعداداً محدّدة، وإلا كان "القاتل" عرضةً للغرامة والسجن. وليس الوضع الحالي الموصوف بالفلتان إلا نتيجة غياب الرقابة والمتابعة من قبل الأجهزة، وبتأثير من "المَوْنة" بين أبناء البلدة أو المنطقة الواحدة، مما يحول دون تطبيق القانون.

مصدر أمني يكشف لـ"النهار" عن أن هناك من هو متواطئ مع الصيّادين، ويبلّغهم بموعد مداهمة البساتين التي تنصب فيها الشباك للطيور، فيعملون على إزالتها قبل يومين، ثمّ يقومون بإعادتها.
 
من جهته، وزير البيئة في حكومة تصريف الأعمال ناصر ياسين اكتفى بالقول: "إن هناك مخالفات كبيرة لقانون الصيد ونسعى دائماً للتعاون مع المحافظين وقوى الأمن والقضاء لوقفها".
 
ومع وصول "التشرينين"، يتحضّر الصيادون لاستقبال طائر "المطوق" الأحبّ إلى قلوبهم. فأسرابه تمرّ في سمائنا بكثرة، ومذاق لحمه طيّب، وسعره ثمين. لذلك ينتشر الكثير من الصيادين في أنحاء سهل البقاع، فيحوّلون بعض مناطقه إلى خطوط "عسكرية" للمواجهة بين الطيور، التي اختارت العبور، والصيادين الذين جاءوا قبل شروق الشمس من مختلف المناطق، لتفتح الجبهات عند أول شروق الشمس وتمتد طوال النهار.

أما الليل فله صيده الخاص كالبطّ والإوز ضمن برك وغرف معدّة مسبقاً مع أعشاش يختارها الصيادون، بالإضافة إلى طائر السُمّن، وهو أكثر الطيور انتشاراً، فيتمّ استدراجه عبر آلة تسجيل لأصوات الطيور، أو وضع إضاءة في شجرة وتسليط الضوء نحو السّماء.
 
للصيد جوانب إيجابية في لبنان عادة، شرط أن يتمّ احترام المبادئ والقواعد الموجودة والالتزام بها. فهو يحرّك الدورة الاقتصادية والسياحيّة في فترة محدّدة من السنة، وينعكس إيجاباً على قطاع الأسلحة والذخائر. ومحترفو هواية الصيد، ومنهم مغتربون، يتقصّدون أخذ إجازاتهم في هذه الفترة، للمجيء إلى لبنان وممارسة مهنة الصيد التي يحبّونها.

وقد ساهمت المشاريع الاستثمارية الناجحة في ميدان الصيد بإنعاش الحياة الاقتصادية في المنطقة، وقام بعضهم بتحويل بعض غرف منازلهم إلى شاليهات لاستقبال الصيادين.
 
على الطريق الدوليّة قرب مفترق بلدة شعث، تقول أم محمد صاحبة محلّ لبيع خبز الصّاج الطازج لـ"النهار": "أنتظر شهر تشرين بفارغ الصبر موعد مرور الصيادين في منطقتنا، حيث أحقق وفراً من المال بفضل كثرة الطلب، فيأكلون مناقيش الزعتر والكشك مع كوب الشاي إلى جانب شراء الخبز الطازج".

كلّ ما هو مطلوب على باب الموسم حالياً قليل من الرقابة من قبل الأجهزة، وكثير من الاحترام من قبل المواطنين، وقضاء موسم صيد ممتع ومفيد.