رسالة من أهالي رياق - حوش حالا إلى البطريرك عبسي حول تحويل ملعب كرة القدم الأولمبي في "مدرسة إكليريكية القديسة حنة البطريركة" إلى كرم عنب

هال أهالي بلدة رياق - حوش حالا مشهد آلية حفر تنقّب أرض ملعب كرة القدم الأولمبي في "مدرسة إكليريكية القديسة حنة البطريركة" في بلدتهم، بغرض تحويله إلى كرم عنب، على ما أفيد.
وتوجّهوا بالتماس إلى بطريرك إنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف الأول عبسي لإنقاذ الملعب استعادته، مفندين في رسالة موجهة إلى غبطته، القيمة التاريخية، والاجتماعية والرياضية للمكان، والأسباب الوجودية لتعلّقهم به.
وقد استهلوا رسالتهم بالإشارة إلى أن "الجعرافيا وضعت بلدتنا رياق - حوش حالا، لعقود من الزمن، في قلب حوادث تاريخية، كان لها أبلغ الأثر على صعيد لبنان والمنطقة، وعلى أكثر من مستوى. وبقيت من هذه الحقبة شواهد عديدة مفعمة بالمرويات التي توثّق للأجيال ما كان وما حصل. ولا يخفى على غبطتكم، أن الذاكرة الجماعية تصوغها ذاكرة المكان، ومنها يتولد الشعور بالانتماء، وزوال المعالم أو إزالتها يقطع الروابط ما بين المكان وناسه، فيسهل هجره، ويرمى به وبهم في غياهب النسيان".
وتابعوا: "إن الملعب الأولمبي لكرة القدم، موضوع رسالتنا لغبطتكم، كان الأول من نوعه في البقاع، وقد تميّز وحلقة الركض حوله، بهندسة مدروسة لتصريف المياه، ووقاية اللاعبين من عين الشمس.
وهو جزء لا يتجزأ من الأدوار التي لعبتها مدرسة القديسة حنة على مرّ الحربين العالميتين، فحقبة الانتداب، والاستقلال وما بعده، من ثكنة ومستشفى عسكريين، فصرح تربوي متقدم في عصره بإدارة "الآباء البيض"، ليعود التاريخ ويكرر نفسه في الماضي القريب، فتحولت إلى ثكنة للجيش السوري قبل أن تعود صرحاً تربوياً بعهدة البطريركية".
وتضيف الرسالة: "كيفما قلّبنا ألبوم الصور المحفوظة في أرشيف البلدان التي مرّ عسكرها على هذا المعلم من ألمان وأنكليز وأوستراليين وفرنسيين سواء فيشيين أو ديغوليين، أو ألبوم الصور الخاصة، إلى الذكريات المدوّنة في المجلة السنوية التي كانت تصدرها المدرسة، أو تلك المروية أباً عن جد، ستطالعنا أخبار التنافس الوديّ لفرق رياضية عسكرية في فسحة بعيدة عن المعارك، إلى العروض العسكرية، والمهرجانات السابقة لمهرجانات بعلبك التي إستضافها المكان، المهرجانات العسكرية والعروض المدرسية في ذكرى الاستقلال، مباريات وبطولات دوري اتحاد كرة القدم اللبناني على أرض الملعب. فضلاً عن أن هذا الملعب قد شهد، خلال تولي الآباء البيض إدارة المدرسة، تعويضاً عما خسروه في القدس، الخطى الأولى لخريجين من مختلف أقطار لبنان والمنطقة، ومن بينهم من واصل خطاه إلى أرفع المناصب في الأمم المتحدة ووكالة الفضاء الأميركية - ناسا، لنذكر مثلين فقط".
وتواصل الرسالة: "من ركائز المواطنة هي علاقة المواطن مع الحيّز العام. وهذا الانتماء هو الذي يدفع بالمواطنين إلى المحافظة على المكان انطلاقاً من شعور بالشراكة وبالتالي بالملكية المعنوية. ولهذا الملعب ارتباط وثيق بالشقّ الاجتماعي لرياق - حوش حالا. إذ أننا نفتخر بـ"نادي الشباب الرياضي- رياق" الذي تأسس في العام 1945، وأصبح نادياً اتحادياً منذ العام 1966، ولطالما كان هذا الملعب ملعبه للتمرين وخوض المباريات، وتنظيم بطولات اتحادية على أرضه. إلى جانب التقاليد السنوية للنادي التي ارتبطت بعيدي السيدة ومار روكز. نحن نتحدث عن بوتقة تجمع مختلف الشرائح الاجتماعية لاسيما الشبابية لأهالي البلدة، تحت مظلة الرياضية، وبعيداً عن الآفات. عن شغف ينمو على هذا الملعب، من خلال النادي، فيخرج من بين لاعبيه حكم اتحادي. وخسارة الملعب سيكون عثرة في مسيرة النادي، ويكبد تكاليف استئجار ملعب ونقليات، في وقت تناضل كل المؤسسات في لبنان للبقاء".
 
وقالوا: "نحن إذ نثمّن عرض استخدام ملعبي كرة القدم الداخليين للمدرسة، إنما إلى جانب عدم تمتعهما بكل المواصفات الآنف ذكرها، فإن ما نسعى للحفاظ عليه هو الحيّز العام، بعيداً عن الملكية العقارية، من علاقة الشراكة ما بين الصرح وبين الأهالي، والتي كانت واحداً من أسباب البقاء. ذلك أن لهذا الملعب موقعاً في صلب التركيبة الاجتماعية لرياق- حوش حالا بحيث إنه حتى لما شغلت قوات الجيش السوري مباني المدرسة، لم تمنع النادي من استخدام الملعب الواقع على طرف المباني، وظل متنفساً للأهالي للتنزه حوله، وظلت المباريات والتدريبات تخاض عليه، وتنافس عليه رياضياً الجيشان اللبناني والسوري".
ويمضي الأهالي بسرد حججهم: "في وقت نشهد مناطق عدة من لبنان تبتني معالم توّثق للماضي القريب، وتشدّ عرى أهل الأرض بالمكان، وتستثمرها قطباً جاذباً للزوار. يعزّ علينا أن تقطع صلتنا بمعلم تروى للتلامذة، في كتب التاريخ، حوادث عاصرها، الى جانب كونه واحداً من أسباب إستمرار ناد رياضي عريق. لقد جار الزمن على رياق- حوش حالا ولفّ الإهمال معالمها. إنما لكون جذور عائلاتها تترابط مع هذه المعالم التي كانت، في يوم من الأيام، سبباً في تطوّر البلدة وتنوّع سكانها، وحفاظاً على هذا التجذر، سبق وناضلنا لصونها من كل تهديد بإقتلاعها. فأنقذنا الأشجار المعمّرة على طريق أبلح- رياق، ونجحنا في أن يكون في البلدة مركز للأمن العام من دون أن نخسر جزءاً من محطة القطار، إنها مسألة وجود، وإرث لبناني وعالمي".
وتابعوا: "لم تسلم مدرسة القديسة حنة من جور الأيام، وقد توسمنا خيراً، يوم باتت بعهدة بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك، لتنقذ ما تبقى وتعيد إلى الصرح روحه. إن صرح القديسة حنة يقوم على 165 دونماً من الأراضي، وقد ضمّ هذا الصرح إلى المباني المدرسية، مساكن للتلامذة، ملاعب داخلية، ملعب ومسبح أولمبيين، سينما، مختبرين للأرصاد الجوية، كنيسة وكابيللا، بيوت للعمال، مخازن للعدة، حاووز كبير للمياه، وحدائق".
 
ويخلص الأهالي متوجهين إلى غبطة البطريرك عبسي: "نلتمس عنايتك، بأن تعيد لدونمات الأرض التسعة ما كانت عليه، ملعباً أولمبياً لكرة القدم في خدمة الرياضة وأهالي البلدة، حبل سرّة مع هذا الصرح، ونموذج عن شراكة عنقودية ستثمر للمستقبل ما لا يجتنى من كرم عنب. نحن جميعاً كمخلوقات سنمضي، ولن يبقى من أثر لنا سوى أعمالنا. لذلك فلنعمل برعايتكم مع وزارتي الثقافة والشباب والرياضة، مع منظمة اليونيسكو، مع المؤسسات البحثية والجامعية، مع خريجي هذا الصرح، مع المتمولين، لنعيد لرياق- حوش حالا ملعبها أولاً، وننشّط ناديها العريق، وأن تكون ورشة تحفظ ذاكرة الصرح، وتغنيه بمشروع ذات دور تربوي، اجتماعي، اقتصادي يخبر للأجيال القادمة ما كنا وما حصل".
وختموا رسالتهم: "ما نحدثكم عنه، هو في وجداننا كالأرزة الخضراء وسط العلم اللبناني، وغبطتكم مؤتمن على هذا الوجدان".