رغم تطمينات هوكشتاين خطر الحرب لا يزال حقيقيا

توقفت جميع المحاولات الخارجية لفتح ثغرة في جدار الاستحقاق الرئاسي. فالجهد الأكبر منصبّ على محاولة تجنيب لبنان حربا واسعة وتدميرية بين إسرائيل و"حزب الله". هذا أقلّه ما توحي به الاتصالات الأخيرة للموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الذي وصل الى باريس يوم أمس الأربعاء لإجراء محادثات مع معاوني الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون حول جملة من المواضيع والملفات تهم الإدارة الأميركية والرئاسة الفرنسية، ومنها الملف اللبناني من زاوية الخطر الكبير المحدق بلبنان جراء فشل كل الوساطات لحمل "حزب الله" على إنهاء حرب الاستنزاف التي يخوضها ضد إسرائيل تحت شعار دعم غزة ومساندة حركة "حماس" والفصائل الفلسطينية المقاتلة في القطاع.


وقد أدى فشل المحاولات الدولية لإيقاف هذه الحرب العبثية، إلى تأجيج الجبهة بين لبنان وإسرائيل، وإيصال الموقف إلى حافة الحرب الفعلية. وعلى الرغم من إن رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي يصر على الترويج لخبر يزعم زواره أن مصدره آموس هوكشتاين، مفاده أن واشنطن تمكنت في الوقت الحاضر من إبعاد شبح هجوم إسرائيلي كبير على "حزب الله" في لبنان كان سيحصل هذا الأسبوع أو الأسبوع المقبل على أبعد تقدير، فإن المؤشرات لا تبعث على الارتياح في ظل تراجع قدرة إدارة الرئيس جو بايدن على الضغط بفاعلية على حكومة بنيامين نتنياهو لمنعها من إعطاء الجيش الإسرائيلي الأمر بشنّ هجوم على "حزب الله" بهدف تغيير الواقع على الحدود الشمالية لإسرائيل.


المشكلة لا تزال قائمة في شأن الشمال الإسرائيلي، وانتشار قوات "حزب الله" في كامل منطقة عمليات القوة الدولية "اليونيفيل" بما يتناقض تماما مع منطوق القرار ١٧٠١ الذي ينص على إقامة منطقة منزوعة السلاح في الجنوب اللبناني. هذا الواقع وقيام "حزب الله" بشن حرب استنزاف على إسرائيل وإصراره على مواصلة خوض الحرب إلى أن تتوقف حرب غزة، ستدفع عاجلا أم آجلا الطرفين على جانبي الحدود إلى مواجهة خطيرة جدا.


أما ما ينقل عن هوكشتاين في شأن تراجع احتمالات الحرب فلا يعني بالضرورة أن الخطر ابتعد نهائيا وأنه بات من الممكن للبنانيين التأقلم مع سطو "حزب الله" على قرار الحرب والسلم السيادي من دون أن يسائله أحد من المسؤولين أو القادة. من هنا، نتوقف عند النقطة المتعلقة بالسكوت الصارخ عن تفرد "حزب الله" في ربط لبنان بجبهة غزة، وبما يسمى "محور وحدة الساحات". خطورة الأمر لا تتوقف على سلوك الحزب المذكور فحسب، بل إنها تشمل هذين التواطؤ والاستسلام اللذين نسجلهما على مستوى الطاقم الحاكم.

لقد جرى الاستسلام في ملف الاستحقاق الرئاسي، وتأقلم المعنيون مع التعطيل المتمادي الذي يمارسه "الثنائي الشيعي". ثم تأقلموا مرة أخرى مع قرار إقحام لبنان عنوة في حرب، وتحويله إلى ساحة في خدمة الأجندة الإيرانية عبر وضعة تحت الخطر الشديد طوال تسعة أشهر.

واللافت أن التعطيل والفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية والمؤسسات الدستورية مستمران من دون أي اعتراض حقيقي وجدّي. ويبدو أن المواطن اللبناني اعتاد من ناحيته أن يبقى لبنان أشبه بدولة معلّقة، شبه فاشلة، فيما هو صامت. وكما علقت الدولة ومؤسساتها واستبيح القرار السيادي المتعلق بالسلم والحرب، جرى تحويل لبنان بعد الأزمة المالية سنة ٢٠١٩ إلى دولة اقتصاد "الكاش"، أي إلى اقتصاد يقوم على تدوير رؤوس أموال مشبوهة ومافيوية وتبييضها من دون أدنى رقابة أو سلطة شرعية.