سرّ إصرار بوتين على السيطرة على منشآت أوكرانيا النووية

في وقت كان العالم يترقب جلوس الروس والأوكرانيين على طاولة المفاوضات، لوضع حد للحرب المستمرة منذ تسعة أيام، دخلت القوات الروسية، الجمعة، منشأة زابوريجيا النووية بعد معارك عنيفة، بعد أن كانت سيطرت على محطة تشيرنوبيل الشهيرة قبل أيام.

وتقع هذه المنشأة، وهي الأكبر في أوروبا، جنوبي أوكرانيا على نهر دنيبر، على بعد نحو 525 كيلومتراً جنوب تشرنوبيل، حيث وقع أسوأ حادث نووي في التاريخ عام 1986، موقعاَ مئات القتلى.

وبسبب الخطورة التي يشكلها وصول المعارك إلى المحطات النووية، اقترح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرّية، رافاييل غروسي، زيارة تشيرنوبيل للتفاوض مع أوكرانيا وروسيا على مسألة ضمان أمن المواقع النووية الأوكرانية.

وقال "أبلغت الجانبين بأنني جاهز للسفر إلى تشيرنوبيل في أقرب وقت ممكن"، موضحا أن "الطرفين يدرسان" هذه الإمكانية.
واندلع حريق في أحد مستودعات محطة زابوريجيا النووية جراء القصف الروسي مما هدد بوقوع كارثة نووية.

ولم يمر الحريق الذي استمر لوقت قصير من دون ردود فعل فورية قوية، إذ حذّر رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون من أنّ تصرّفات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "المتهوّرة" يمكن أن "تهدّد مباشرة سلامة أوروبا بأسرها". ودعا مجلس الأمن الدولي إلى عقد اجتماع طارئ لبحث هذه المسألة.

في غضون ذلك، تساءل متابعون للحرب الروسية على أوكرانيا، عن السر وراء سعي بوتين للسيطرة على المواقع النووية في أوكرانيا؟

في 24 فبراير الماضي، اندلع قتال بين الروس والأوكرانيين بالقرب من محطة الطاقة السابقة في تشيرنوبيل، على بعد نحو مئة كيلومتر شمال كييف وهي الآن بأيدي القوات الروسية.

وبينما قالت السلطات الأوكرانية إن القوات الروسية قصفت منشأة زابوريجيا النووية، الجمعة، ما تسبب في اندلاع الحريق، يرى المحلل السياسي الروسي، فيتشيسلاف موتازوف، إنه "لا يمكن تصديق كل الأخبار التي تبثها وسائل الإعلام وحتى الحكومات في حالات الحرب".

وأوضح في حديث لموقع الحرة، أن النيران التي اشتعلت في منشأة زابوريجيا، كان سببها وصول المعارك إلى هناك وليس قصفا روسيا مباشرا (متعمدا).
وأظهرت مشاهد مباشرة من منشأة زابوريجيا حريقا وتصاعد دخان من المحطة، لكن السلطات الأوكرانية أكدت أن الموقع بات آمنا.

مدير معهد السياسات الدولية في واشنطن، باول فان شير، يرى في المقابل بأن بوتين يحاول "رفع درجة التهديد إلى أقصى الحدود بمحاولته السيطرة على تلك المنشآت النووية".

وأضاف في اتصال مع موقع الحرة أن الرئيس الروسي يسعى جاهدا، من جهة أخرى، للرد على العقوبات الاقتصادية المفروضة عليه بالاستيلاء على مخزون الوقود الموجود في منشأة زابوريجيا.

وإذ أكد موتازوف، أنه ليس بصدد الدفاع عن الموقف الرسمي الروسي، اعتبر أن غرض الروس من احتلال تلك المنشآت النووية "هو حمايتها من بعض المجموعات المسلحة المدافعة عن أوكرانيا.

وقال: "يعلم الروس أن الجيش الأوكراني لا يمكنه بأي حال من الأحوال قصف أي منشأة نووية، لكن ما يخشونه هو تلك المجموعات المسلحة التي ربما لا تعي خطورة الموقف".

وبرر سعي الجيش الروسي السيطرة على تلك المنشآت بمحاولة "حماية" الدول المجاورة بما فيها روسيا وأوكرانيا من اندلاع تفجير نووي قد يدفع ثمنه الجميع.
وتعمل مفاعلات محطة زابوريجيا على الوقود المخصب بيورانيوم 235 (fissile isotope Uranium-235).

وقال فان شير في الصدد : "لا أرى غير هذين السببين، لكن أرجح أن يكون الهدف هو الاستيلاء على الوقود الموجود هناك، ردا على العقوبات القاسية التي تكبدها اقتصاده ولا سيما قطاع الطاقة."

وبعد العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا عام 2014، طوّرت كييف أنظمة أمان جديدة تضمن الحماية المادية للمنشآت النووية في أنحاء البلاد، بما في ذلك عمليات تفتيش منتظمة وتقييم مواضع الضعف وتطبيق أنظمة تحكم آلي بالبيانات.

والجمعة، أكّدت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد أن القصف الروسي على محطة زابوريجيا شكّل "تهديدًا هائلًا لكلّ أوروبا والعالم"، خلال اجتماع عاجل لمجلس الأمن الدولي.

وقالت "بفضل الله، نجا العالم من كارثة نووية" في الليل، واصفة الهجوم بأنه "غير مسؤول" و"خطير".

وأضافت "لم يكتف (فلاديمير بوتين) بتجاهل دعوات وقف غزوه لأوكرانيا، "لكننا شهدنا للتو تصعيدًا خطيرًا جديدًا يشكل تهديدًا خطيرًا لكل أوروبا والعالم".

وخلال الاجتماع، شددت السفيرة البريطانية باربرا وودوارد على أن لا شك في أن "القوات الروسية (هي التي) هاجمت" موقع زابوريجيا الذي يضم أكبر محطة للطاقة النووية في أوروبا.

ولفتت المسؤولة عن إدارة الشؤون السياسية في الأمم المتحدة روزماري دي كارلو إلى أن "الهجمات على المواقع النووية تتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان".

ومن جهته، شدّد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرّية رافاييل غروسي خلال اتصال مباشر بالفيديو من طائرة في طريقها إلى طهران على "أهمية" محطات الطاقة النووية الموجودة في أوكرانيا.

وقال غروسي للصحافيين "أبلغت الجانبين -- جمهورية روسيا الاتحادية وأوكرانيا -- بأنني مستعد (...) للسفر إلى تشيرنوبيل في أقرب وقت ممكن". وأضاف أن "الجانبين يدرسان" هذه الإمكانية ذلك.