سعادة خلال ندوة نظمتها كلنا إرادة على هامش مؤتمر بروكسل: لا يمكن الاستمرار في ربط عودة اللاجئين بتحقيق التسوية السياسية في سوريا

أوضحت رئيسة جهاز التشريع والسياسات العامة المحامية لارا سعادة خلال ندوة نظمتها منظمة كلنا إرادة على هامش مؤتمر بروكسل حول مستقبل سوريا والمنطقة بحضور ومشاركة ممثلين عن الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة والمجتمع الدولي، أن لبنان يستضيف أعلى عدد لاجئين نسبةً لعدد السكان في العالم، حيث يشكل السوريون ثلث عدد سكانه، الأمر الذي يفوق قدرته الاستيعابية من حيث الموارد والبنية التحتية.

وأكدت استحالة دمج اللاجئين السوريين في لبنان سواء من الناحية الدستورية أو العملية، لأن ذلك سيؤدي إلى اختلال التوازن الديموغرافي الذي يقوم عليه المجتمع اللبناني، كما أن إعادة توطين اللاجئين في بلدان ثالثة لا يُعتبر حلًا قابلًا للتطبيق على نطاق واسع، إذ أظهرت معظم دول العالم عدم رغبتها في تقاسم هذا العبء خلال السنوات الثلاث عشرة الماضية، لذلك، فإن تسهيل عودة السوريين إلى المناطق الآمنة في بلادهم هو المسار الأكثر واقعية واستدامة. ولا يمكننا الاستمرار في ربط عودة اللاجئين بتحقيق التسوية السياسية الشاملة والدائمة في سوريا، فهذا الهدف بعيد المنال حاليًا.

وأكدت سعادة أن التشبث بالمواقف الجامدة وجعل عودة اللاجئين مشروطة بتحقيق اختراق سياسي غير واقعي في سوريا، سيؤدي لا محالة إلى تصاعد التوترات الاجتماعية في لبنان وانعدام الاستقرار وانتشار العنف.

ورأت أن من الأهمية بمكان أن البرلمان الأوروبي نفسه اعترف في قراره الصادر في يوليو 2023 بشأن لبنان بأنه على الرغم من عدم تحقق الاستقرار الشامل في سوريا، إلا أن هناك مناطق آمنة حاليًا. وتتفق هذه التقييمات مع وجهات نظر العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ومنها النمسا وجمهورية التشيك وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا. فانطلاقًا من الاعتراف بالوضع الأمني المتحسن في سوريا، دعت هذه الدول، وبحق، إلى إعادة النظر في سياسات الاتحاد الأوروبي والبحث عن نهج أكثر فعالية لمعالجة قضية النزوح الممتدة، كتحديد مناطق آمنة وتسهيل العودة الطوعية للاجئين إليها.

أضافت: "نظرًا لبعد آفاق التسوية السياسية في المدى المنظور، من غير المنطقي أن يتشبّث المجتمع الدولي بنفس الشروط والمعايير الصارمة التي قد تكون كانت جائزة عام 2011 ولكنها أصبحت غير ملائمة بعد مرور أكثر من عقد من الزمن. لذا، يتعين على الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي بأسره التحول بشكل جذري عن المواقف الجامدة، وفصل قضية عودة اللاجئين عن العملية السياسية المتعثرة في سوريا. يجب علينا جميعًا البحث عن نهج تدريجي ومرحلي يتيح العودة استنادًا إلى تقييمات أمنية شاملة ومستمرة منطقة بمنطقة. يمكن لهذا المسار المتدرج أن يصون الحقوق الأساسية للاجئين، في الوقت الذي يوفر فيه إطارًا عمليًا لحلول مستدامة تتوافق مع مصالح لبنان الوطنية".

وأشارت سعادة إلى أنه سيكون من الحكمة أن يتخلى الاتحاد الأوروبي عن استراتيجيته القائمة على مبدأ "كل شيء أو لا شيء"، ويتبنى بدلاً من ذلك عملية أكثر مرونة وتدرجًا، حيث تسير عملية تسهيل العودة الآمنة للاجئين بشكل مستقل ولكن بحذر من خلال عمليات عودة جزئية تستند إلى تقييمات أمنية محلية. ستحرم هذه العملية نظام الأسد من قدرته على استغلال أزمة اللاجئين كورقة مساومة لانتزاع تنازلات سياسية من الاتحاد الأوروبي والمجتمع الدولي. وفي الوقت ذاته، يمكن للاتحاد الأوروبي قيادة مبادرات "التعافي المبكر" التي توفر حوافز للعودة الطوعية إلى المناطق الآمنة.

وختمت مشددة على أن إعطاء الأولوية لمسارات إعادة اللاجئين إلى المناطق الآمنة داخل سوريا يتماشى مع المسؤولية المشتركة الملقاة على عاتقنا جميعًا. وفي الوقت ذاته، فإن هذا المسار يخدم المصالح الوطنية السيادية للبنان؛ إذ سيساعد على التخفيف من حدة التوترات، وتصحيح الاختلالات الديموغرافية غير المستدامة، وتخفيف الضغوط الحادة على اقتصادنا وبنيتنا التحتية الناجمة عن أزمة النازحين.

كلنا إرادة: لبنان غير قادر على احتمال الأزمة وعلى المجتمع الدولي مساعدته وتأمين شروط العودة

ضمن إطار الفعاليّات على هامش مؤتمر بروكسل الثامن لدعم مستقبل سوريا والمنطقة، نظّمت "كلنا إرادة" طاولة نقاش حول موضوع "اللاجئون السوريون في لبنان.. نحو إطار سياسي يدعم حقوق اللاجئين ويحمي مصلحة لبنان"، وذلك اليوم الإثنين 27 ايار 2024 في فندق راديسون رد في بروكسل، بمشاركة مسؤولين معنيّين بالملف على الصعيدين الأممي والأوروبي. خلال النقاش، تمّت المطالبة بإعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا لتأمين إمكانية العودة للّاجئين، عملاً بما بدأت بعض الدول الاوروبية بالمطالبة به. كما تمّ التشديد على ضرورة تأمين الدعم للرّاغبين بالعودة، ورفع قيمة المساعدات للبنان لتشمل الدعم بعمليّة فرز اللاجئين عن غير اللاجيئن، وضبط سوق العمل والحدود اللبنانية. هذا علماً بأن هذه الجلسة تأتي بعد عدد من النقاشات التي نظّمتها كلنا إرادة بين مختلف الأفرقاء المعنيّين في بيروت، خلصت بنتيجتها إلى ورقة تقترح حلولاً على مستويات مختلفة، عرضتها وناقشتها ضمن جلسة نقاش موسّعة في بيروت قبل التوجّه الى بروكسل.

في الكلمة الترحيبية، اعتبرت الرئيسة المشاركة لمجلس إدارة كلنا ارادة وفاء صعب، بأن النقاش حول أزمة اللاجئين السوريين في لبنان إتّسم إمّا بالإنكار أو بخطاب الكراهية. وقالت:"كلنا إرادة ترفض كلا النهجين، لذا فتحت نقاشاً بين كافّة المعنيين بالقضية وتوصّلت إلى ورقة سياسيّة شاركتها مع مجموعة من النواب والجهات السياسية  بالإضافة إلى المنظّمات المعنية.  وتشكّل جلسة النقاش اليوم جزءاً من هذه العمليّة، وتهدف إلى فتح حوار مع المجتمع الدولي وممثلي المجتمع المدني السوري".

المديرة التنفيذية لكلنا إرادة ديانا منعم أكّدت أنّه من الواضح أن تحمّل لبنان لعبء استقبال اللاجئين السوريين لم يعد مستداماً. وطالبت بتأمين الدعم للدولة اللبنانية على ثلاثة مستويات: تصنيف السوريين المقيمين في لبنان بين من تنطبق عليه صفة اللجوء ومن لا تنطبق عليه، تنظيم سوق العمل، وضبط الحدود. وأشارت منعم إلى أن سياسة المجتمع الدولي باتت غير مستدامة في هذا الاطار. وأضافت: "يجب إعادة تقييم الوضع الأمني في سوريا لتسهيل عودة اللاجئين. وقد بدأت بعض الدول الأوروبية بالمطالبة بذلك. كما يجب تأمين المساعدات والدعم للراغبين في العودة. كذلك يجب رفع معدّلات إعادة التطوين في بلدان أخرى للّاجئين السياسيين الذين تعرّضهم العودة لخطرٍ على حياتهم. كما يجب رفع مستوى المساعدات للبنان، وذلك نظراً للتفاوت المتصاعد بين حاجات لبنان لإدارة اللجوء والدعم المقَدَّم من الدول المانحة".

المستشار في شؤون السلام والصراعات والأمن والمحاضر الزائر في جامعة القديس يوسف إيلي أبو عون، أشار بدوره الى أن "التوتّرات المتصاعدة، وزيادة ضعف المجتمعات اللبنانيّة والسوريّة، واحتمال التطرّف وعسكرة اللاجئين السوريين في لبنان، كلّها عوامل تساهم في عاصفة كاملة تهدّد بإغراق أوروبا بتدفّق آخر من الهجرة غير الشرعية". وأضاف :"إن تجاهل هذه العلامات التحذيرية يزيد من المخاطر الأمنية في لبنان وأوروبا".

المستشار القانوني لكلنا إرادة د. علي مراد قال: إذا كانت مصلحة لبنان هي اليوم في عودة السوريّين إلى بلادهم،  لا بدّ من نقاش حول المعوّقات التي يجب العمل عليها من أجل تأمين هذه العودة. المعوق الأول هو أن النظام السوري لا يريد عودة السوريّين بعد أن أحدث تغييراً في التركيبة الديموغرافية السورية، وإن أراد عودتهم فمقابل ثمن مالي وسياسي. أمّا المعوق الثاني، فهو أن المجتمع الدولي ربط العودة بالحلّ السياسي وإعادة الإعمار، وهذه اللازمة التي تربط بين المسارات الثلاثة تتعارض مع مصلحة لبنان. ثالثاً، الدول العربية التي طبّعت مع النظام السوري لم تفرض عليه شروطاً تخصّ العودة. رابعاً، لا تملك الدولة اللبنانية الداتا الكافية لتكون جاهزة لتحضير العودة، ممّا يصعّب العمل في حال التوصّل الى حل سياسي.

شارك في اللقاء عدد من المسؤولين المعنيين بملف اللاجئين على الصعيد الأممي والأوروبي، ومن بينهم: نجاة رشدي (نائبة المبعوث الأممي الخاص لسوريا)، ألكسندر تايلر (ممثل المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في الشرق الأوسط وأفريقيا)، إيفو فرايجسن )ممثل مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان(، عمران ريزا (المنسق المقيم للأمم المتحدة ومنسق الشؤون الإنسانية في لبنان)، آدم عبد المولى (المنسق المقيم ومنسق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في الجمهورية العربية السورية)، أليسيو كابيلاني (مدير قسم الشرق الأوسط في دائرة العمل الخارجي الأوروبي)، سيباستيان برابانت (نائب رئيس قسم الشرق الأوسط في دائرة العمل الخارجي الأوروبية)، ستيفانو رافانيان (المبعوث الإيطالي الخاص بشأن سوريا)، بيورن غيرمان (نائب المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا)، يوهانز هوجفين (مدير قطاع الممارسات العالمية لشؤون الفقر والإنصاف في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في البنك الدولي)، مازن درويش (رئيس المركز السوري للإعلام وحرية التعبير) معتصم السيوفي (المدير التنفيذي لمنظمة اليوم التالي)، يارا شحيد  (المركز الدولي للعدالة الانتقالية)، يارا نصير ( LDSPS).