سلامة ليس بريئاً في ألمانيا.. والتحقيقات الأوروبية وملاحقته مستمرة

كتبت فرح منصور في المدن:

بعد تسريب خبر "انتصار رياض سلامة" على القضاء الألمانيّ، تحت ذريعة إبطال مذكرة التوقيف الصادرة بحقّه في أيار 2023، تبين وللمفارقة أن الانتصار هذا لم يكن إلا فقاعةً أخرى من الانتصارات الدونكشوتيّة العابرة للحدود، للمنظومة السياسية-المالية اللبنانية، المستعدة لفرش كل أنواع الشماعات لحماية أعوانها وأزلامها وأدواتها من الملاحقين بقضايا فساد ونهب مال عام أو المطلوبين للقضاء الدولي أو اللصوص والفاسدين. فرياض سلامة لم ينتصر أبدًا على أي قضاءٍ بعد، بل إنه وببساطة ولحسن حظّه أبطل مذكرة توقيف وفقًا للقانون الألماني، من دون أن يعني ذلك حصوله على صكّ البراءة من هذا القضاء.

إبطال مذكرة التوقيف
أما الخبر اليقين، فهو أن سلامة قام وبعدما أصدرت مذكرة توقيف غيابية بحقه في أيار العام 2023، بتقديم دعوى أمام القضاء الألماني ضد المدعية العامة في ميونيخ، وبتاريخ 10 حزيران الجاري، أصدرت الغرفة السابعة في المحكمة الإقليمية في ميونيخ قرارها في الدعوى، وأبطلت مذكرة توقيفه. وبطبيعة الحال، وهو الأمر البديهي، راسل القضاء الألماني الإنتربول الدولي لإلغاء تعميم مذكرة التوقيف. وحسب معلومات "المدن"، فإن النيابة العامة التمييزية تبلغت صباح يوم الأربعاء 19 حزيران، كتابًا من القضاء الألماني يفيد بسحب مذكرة التوقيف المعممة عبر النشرة الحمراء بحق سلامة.

وعلى خلاف ما يتم تسريبه حاليًا، فإن هذا الإجراء ليس مرتبطًا بالقضاء الفرنسي أو السويسري أو التابع للوكسمبورغ، بل هو معزول ويرتبط بألمانيا وحدها. وهذا ما يدحض أي دعاية تروجها السلطات بأن سلامة صار معفى من الملاحقة القضائية الأوروبية ككل، أو أن هذا الإجراء سينطبق على مذكرة التوقيف الغيابية التي أصدرها القضاء الفرنسي.

وللتفصيل أكثر، أصدرت مذكرات التوقيف الغيابية بحق سلامة من دون استجوابه. ولكن بالعودة إلى العام 2023، فإن القاضية الفرنسية أود بوروسي أثناء تواجدها داخل قصر عدل بيروت قد أبلغت سلامة بموعد جلسته في فرنسا في السادس عشر من أيار، إلا أن القاضي شربل أبو سمرا رفض هذا التبليغ الشفهي وطلب إرسال استنابة قضائية ليتولى بنفسه مهمة تبليغ سلامة، وحصل ما طلبه أبو سمرا، وبعد وصول الاستنابة، اختفى سلامة ولم تتمكن الأجهزة الأمنية من تبليغه عدة مرات، وفي المرة الأخيرة رفض استلام تبليغه لعدم وجود توقيع القاضي أبو سمرا عليه، وعلى هذا الأساس اعتبر سلامة أن تبليغه لم يكن قانونيًا وبالتالي لن يمثل أمام القضاء الفرنسي، فتغيب عن جلسة استجوابه، وبعد عدة أيام أصدر القضاء الفرنسي مذكرة توقيف غيابية بحقه، وبعد يومين تقريبًا أصدر القضاء الألماني مذكرة توقيف غيابية أخرى بحقه. فالقضاء الأوروبي كان على علمٍ بأن سلامة يتهرب من جلسات استجوابه، وعلى هذا الأساس اتخذت هذه الإجراءات بحقه.

"عدم توفر جميع الشروط"
والجدير بالذكر، فإن سلامة كان محظوظًا، ونجح في إلغاء مذكرة التوقيف الغيابية الصادرة بحقه عن القضاء الألماني، مستندًا إلى القانون الألماني. وهذا ما شرحته رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل، القاضية هيلانا اسكندر "أن القانون الألماني يفرض تحقق شرطين مجتمعين لإصدار مذكرة التوقيف، الأول هو ضرورة توفر شكوك كبيرة حول ارتكاب المتهم للجرم، والثاني يقتضي أن يكون هناك خطر كبير من هرب المتهم أو محاولته إتلاف الأدلة". والمحكمة الألمانية ألغت مذكرة التوقيف "بسبب عدم توفر الشرط الثاني فقط"، فيما أكدت توافر الشرط الأول لجهة وجود أدلة كبيرة على ارتكاب المتهم للجرم الملاحق به، وتابعت قائلةً "إن إجراءات الحجز على أموال المدعى عليه سلامة ستبقى سارية المفعول بمعزل عن وجود مذكرة توقيف بحقه أو من دونها..".

وأكدت مصادر قضائية لـ"المدن" أن هذا الإجراء "منفصل ولا يتعلق بالتحقيقات التي أجريت داخل القضاء اللبناني، ولن يكون مرتبطًا أيضًا بالتحقيقات الأوروبية كلها، فإن إلغاء مذكرة التوقيف الغيابية لا يعني توقف التحقيقات أبدًا". 

أما بما يرتبط بقضية سلامة داخل القضاء اللبناني، فإن الملف مجمد بشكل كامل، فسلامة خاصم الدولة وقضاتها وتلاعب بالقضاء، وقطع الطريق أمام عدد لا يستهان به من القضاة، كذلك قرر عدد من القضاة عدم خوض هذه المعركة مع سلامة، ولم يتحرك الملف منذ أشهر. أما النيابة العامة التمييزية فقد باشرت بتحقيقات موسعة في بعض الملفات المصرفية، ومن بينها ملف الاعتماد المصرفي، وملف "أبوتيموم" (المعروف أنه من أهم الملفات التي تدين سلامة)، وبحسب مصادر قضائية لـ"المدن"، فإن النيابة العامة التمييزية تسلمت العديد من المستندات والوثائق من هيئة التحقيق الخاصة في مصرف لبنان، وعلى هذا الأساس باشرت بتحقيقات موسعة في مجموعة من الملفات.

"ملفات مجمدة"
في الواقع، فإن مصير ملف سلامة لن يكون مختلفًا عن مصير ملف المرفأ، ربما، كُتب الموت السريري على هكذا ملفات، ولكن كان الأجدى على القضاء اللبناني منذ أشهر طويلة أن يذهب فعليًّا ويلاحق سلامة، عوضًا عن إقناع الرأي العام بمسرحيات هزيلة، كدخول سلامة في قبعة سحرية وعدم تمكن الأجهزة الأمنية من إيجاده، وأنه متوارٍ عن الأنظار ولا سبيل لمعرفة موقعه.. واختفى، مع العلم أنّه وكما ذكرنا في تقاريرٍ سابقة موجود وحاضر في لبنان ويظهر في المناسبات الاجتماعية أو العائلية.. أو على الأقل، فليحاول القضاء اللبناني إيجاد سبل لتحرير هذا الملف العالق بألاعيب مكشوفة ومفضوحة.

وخلاصة الأمر، وفي وقتٍ كان على المنظومة السياسية أن تلتفت وتعيد ترتيب أولوياتها الحالية، وعلى رأسها تداعيات الحرب جنوبًا والحرب الشاملة التي تهدد لبنان، أو إقرار الخطط والقوانين الإصلاحية.. ماذا فعلت المنظومة هذه؟ قامت بالاحتفاء والاحتفال برياض سلامة، الفار من وجه العدالة اللبنانية والدولية، وقامت بتلميع صورته أمام الرأي العام، وانتصرت له، هو المهندس الشريك لمحنة لبنان الحالية.