عودة النازحين: الأسد يتطلع إلى أميركا لا إلى لبنان

المؤتمر الثامن “لمستقبل سوريا والمنطقة” المنعقد على مدى يومين في بروكسل سيحمل إشارات إلى توجّهات المجتمع الدولي حول النازحين السوريين. فقبل أسبوع اجتمعت 8 دول أوروبية في قبرص واتّفق قادتها على إعادة تقويم الوضع في سوريا باتجاه إعادة النازحين إليها. يتوازى موقف هذه الدول مع ارتفاع صوت لبنان المطالب باعتبار بعض مناطق سوريا آمنة لإعادة النازحين إليها. لكنّ الأمر لا يتوقّف على هذه الدول وحدها، بل يتعدّاها إلى سائر دول أوروبا الـ27 وأميركا، والأهمّ النظام السوري نفسه.

يتّجه بعض الدول الأوروبية نحو تغيير موقفه من نظام بشار الأسد. فكلّ من النمسا وتشيكيا وقبرص والدنمارك واليونان وإيطاليا ومالطا وبولندا أبدى استعداداً لإعادة التواصل مع النظام السوري لهذا الغرض. وكانت اجتمعت على مستوى القمّة في قبرص في 18 أيار لهذا الغرض. وبعضها بدأ كسر القطيعة مع النظام بالفعل، إثر التهديدات السورية، وتلك التي يطلقها الحزب، بفتح طريق الهجرة بحراً أمامهم.

زار دمشق وزير الدولة للشؤون الخارجية التشيكي والتقى نظيره السوري فيصل المقداد. وتسرّبت معلومات عن زيارة مدير المخابرات الرومانية سوريا. وقيل إنّه التقى الرئيس بشار الأسد. فهذه الدول بمعظمها تعاني من الهجرة غير الشرعية إليها. وقبرص محطّة رئيسة لانتقال المهاجرين انطلاقاً من شواطئ لبنان. ومعاناة الأخير من فائض النزوح جرّاء فوضى الحدود البرّية جعلت للأوروبيين مصلحة في التواصل مع النظام للتخفيف من عبئه.

الابتزاز بالعودة والحلقة المفرغة

ليس جديداً ابتزاز دمشق الدول الغربية بالنزوح من أجل كسر القطيعة الدولية معها وسط الاقتصاد السوري المنهار. فبالإضافة إلى تهريب الكبتاغون تشكّل الهجرة غير الشرعية وسيلة ضغط على أوروبا من أجل تغيير موقفها حيال النظام. فالسنوات الأخيرة أبقت أزمة النازحين في حلقة مفرغة تغرق فيها دول الغرب والجوار التي تفاوتت سبل تعاطيها معها بين المعطيات الآتية:

– وقف النزوح إلى أوروبا والجوار بشكل جذري يتطلّب عودتهم إلى بلدهم.

– العودة تتطلّب تمويلاً يعجز عنه النظام.

– التمويل، لا سيما العربي، يحتاج إلى رفع العقوبات الأوروبية والأميركية (قانون قيصر) على التعامل مع النظام.

– رفع العقوبات دونه امتناع النظام عن خطوات جدّية نحو شراكة جديدة في الحكم تنفيذاً لقرار مجلس الأمن الرقم 2254.

– لكنّ الأخير يعتبر أنّه انتصر على المعارضة وغير مستعدّ لأيّ تنازلات على الرغم من الانفتاح العربي عليه. وضمناً يتعاطى مع هذا القرار على أنّه غير موجود مع أنّه ذُكر في قرارات القمّتين العربيّتين الأخيرتين اللتين شارك فيهما، أي قمّتي جدّة 2023 والمنامة 2024.

– يساهم حلفاء الأسد، ولا سيما الحزب، في الضغوط على أوروبا عبر تسهيل الهجرة، بفتح الحدود البرّية اللبنانية السورية، والتشجيع على فتح الحدود البحرية من لبنان.

تعقيدات العودة الداخليّة والجيوسياسة

– ارتباط حلّ أزمة النازحين السوريين في لبنان والأردن وتركيا بالحل السياسي والصراع الجيوسياسي يزيد من تعقيدها. فمناطق العودة خاضعة لوجود عسكري لستّ دول، إضافة إلى الميليشيات الموالية للنظام وتلك الموالية لإيران.

– أضافت رعاية أجهزة أمنيّة سورية لصناعة وتهريب الكبتاغون تعقيدات جديدة على شروط تمويل عودة النازحين. فالدول القادرة ماليّاً تشترط وقف هذه العملية. الأمر الذي وعد به الأسد ولم ينفّذه.

114 مليون نازح خارج أوطانهم..

يقول دبلوماسي أجنبي في بيروت إنّ الإقبال الدولي على حلّ للأزمة السورية في الظروف الدولية الراهنة المعقّدة غير متوافر. في العالم 56 أزمة سياسية كبرى وحروب تزدحم مشاكلها وتداعياتها على المسرح الدولي، وهناك أولويات. من الواضح أنّ حربَي غزة وأوكرانيا في الصدارة. أمّا في ما يخصّ أزمات النزوح فتتكاثر، وتفيد تقارير الأمم المتحدة أنّ أعدادهم في العالم بلغت نهاية 2023 أكثر من 114 مليون نازح خارج أوطانهم… وتكاثرت في 2024.

أمّا النزوح داخل الأوطان فتضاعف بحكم حربَي غزة والسودان. ولكلّ ذلك كلفة ماليّة على المفوضية العليا للّاجئين التابعة للأمم المتحدة.

هل تكون الحلول جزئية أو تدريجية لأزمة النازحين السوريين بالتزامن مع ترتيبات سياسية تتجاوز الحلّ السياسي الشامل مثل التغاضي عن العقوبات؟

التسليم الدولي ببقاء الأسد في السلطة، حتى من أميركا، اقترن مع الطلب منه “أن يقوم بشيء ما” لاستيعاب القوى السورية المعارضة. وهذا أقرب إلى الاستحالة حالياً.

المراهنات اللبنانيّة

يقوم الإصرار اللبناني على إزالة الشروط السياسية من أمام عودة النازحين على الآتي:

1- القناعة باستحالة انتظار الحلّ السياسي من أجل تخفيف عبء النازحين. إذ إنّ الاحتقان في لبنان بلغ ذروة جديدة.

2- يتّكل لبنان على تفهّم الدول الأوروبية الثماني وغيرها من تلك المتضرّرة من النزوح (إسبانيا ورومانيا) لإقناع فرنسا وألمانيا بإعلان مناطق آمنة في سوريا. فهذا يتيح إعادة بعض الموجودين عبر التواصل المباشر مع النظام الذي يشترطه ثمناً لقبوله بهذه العودة. بات الفرقاء اللبنانيون المعادون للنظام يسلّمون بوجوب التنسيق الرسمي مع الأسد. من هؤلاء الرئيس السابق للحزب التقدّمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي أبلغ رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بأنّه لم يعد يمانع التواصل الحكومي المباشر مع الحكومة السورية. لكن حين فاتح جنبلاط الرئيس إيمانويل ماكرون بالأمر خلال زيارته باريس، مطلع أيار، خالفه الأخير الرأي، إذ قال له إنّ الدول التي طبّعت مع الأسد خاب أملها وباتت مستاءة من عدم تجاوبه في وقف تهريب الكبتاغون. في اعتقاد ماكرون أنّ التطبيع مع الأسد غير مفيد. ويفترض انتظار موقف باريس وبرلين النهائي في بروكسيل بعد ثلاثة أيام. وتردّد أنّ استنتاج ميقاتي بأنّ معارضة الدول الرئيسة في الغرب للتطبيع مع الأسد تؤخّرعودة النازحين، دفعه للامتناع عن رئاسة وفد لبنان إلى بروكسل.

3- الوفد اللبناني برئاسة ميقاتي إلى القمّة العربية في البحرين في 16 أيار كان ينوي عقد لقاء موسّع مع الجانب السوري لتنسيق عودة النازحين. لكنّ الأخير لم يبدِ تجاوباً. في اعتقاد مصدر وزاري لبناني أنّ دمشق تتصرّف على أساس أنّ فتح باب التمويل، والتطبيع معها، واستطراداً إعادة النازحين هي قرار أميركي. ولهذا السبب تسعى بين الفينة والأخرى إلى إعادة التواصل خلف الستار مع واشنطن.

4- يقول دبلوماسي أجنبي إنّ حقّ العودة بالنسبة إلى الأسد غير موجود فعليّاً، لأنّه يخشى أن يكون أكثرية النازحين ضدّه. وهؤلاء يخافون قمع النظام.

مناطق يمكن للحزب الانسحاب منها

بين حاجة لبنان الملحّة إلى خفض عدد النازحين واستثمار نظام الأسد الأزمة للحصول على دعم ماليّ لإنشاء بنى تحتية للعودة، يدعو بعض النشطاء السوريين إلى خطوات متواضعة. يسأل هؤلاء: إذا كان لبنان ومعه الحزب يثيرون بقوّة مسألة العودة فلماذا لا ينسحب الحزب و”حرس الثورة” الإيرانية من مناطق محدّدة، منها القصير، القلمون، الزبداني، عسال الورد، داريا ويبرود… ليعود إليها أهاليها. وعلى الرغم من أنّ المنازل فيها مدمّرة يمكن تأمين الخيم لهم والطاقة الشمسية ليتمكّنوا من ريّ الأراضي الزراعية الخصبة ويعيشوا منها؟

أهالي هذه البلدات السورية نزح معظمهم إلى مناطق قب الياس وعرسال ومحيط الهرمل اللبنانية، ويناهز عددهم 400 ألف. فهل لدى الحزب استعداد للتخلّي عن المناطق السورية المذكورة؟ أم بعضها بات مصدر تمويل للحزب أو قواعد عسكرية؟