عويدات يفتح تحقيقاً بمضمون تقرير ألفاريز: سلامة بالمصيدة؟

اليوم وأكثر من أي وقت مضى، بات واضحًا أن حاكم مصرف لبنان السابق، رياض سلامة، قد جُرّد من الغطاء السياسي الذي تسلّح به لسنوات طويلة. تبخّرت الحصانات التي تمتّع بها، بعدما فُرضت العقوبات الأميركية عليه، وفتح تحقيق في نيويورك يتعلّق بقضايا الفساد المالي المتهم بها سلامة.

جولة قصيرة داخل قصر عدل بيروت تُختصر بعبارة واحدة فقط، نُزعت الحصانات عن سلامة، ولم يعد أمام القضاء اللبناني إلا توقيفه ووضعه خلف القضبان.

اللافت اليوم، أن "الضمانة" التي حصل عليها سلامة سابقًا من القضاة، للحضور إلى قصر عدل بيروت شريطة عدم توقيفه، انتهت صلاحيتها في الأسابيع الماضية. وبات واضحًا أنه لن يتجرأ مرة أخرى على زيارة قصر عدل بيروت، خوفًا من وضعه خلف القضبان، وهي رغبة بعض القضاة التي رددوها خلال الأيام الماضية بجرأة لم نشهدها سابقًا.

تحرك قضائي
صباح اليوم الثلاثاء 22 آب، ونتيجة الإخبار السابق الذي تقدّم به وزير العدل في حكومة تصريف الأعمال، هنري الخوري أمام النيابة العامة التمييزية، فُتح تحقيق موسع حول المعلومات المذكورة في التدقيق الجنائي لشركة آلفاريز آند مارسال، الذي كشف ألاعيب سلامة خلال عدة سنوات، وفضح الكثير من الشخصيات السياسية والمصرفية والإعلامية، التي استفادت من صلاحيات سلامة داخل المصرف المركزي، وحصلت على آلاف وملايين الدولارات بطرق غير قانونيّة.

انطلاقًا من "الفضائح" المالية التي عرضها التدقيق الجنائي، حيث كشف التدقيق بالأرقام عن الاحتياطات بالعملات الأجنبية، التزوير في ميزانيات المصرف المركزي، الهندسات المالية، حسابات الحاكم السابق، تكلفة تشغيل مصرف لبنان، قيمة المكافآت والمساعدات المرضية التي قدمها سلامة، وكيفية استعمال احتياطات المصرف بالعملات الأجنبية بين عام 2010 حتى 2020.. ففي مضمون هذا التدقيق، أظهر أن تكلفة الهندسات المالية كانت مرتفعة بسبب الفوائد المرتفعة، كما حُوّل مبلغ 111,3 مليون دولار أميركي من حساب العمولات لدى مصرف لبنان إلى حسابات مصرفية مفتوحة لدى 6 بنوك وحساب مصرفي سويسري وغُذّي الحساب من العمولات على الهندسات المالية.

كما تبيّن في التدقيق، بأن سلامة حوّل بين عام 2010 و2020 مبلغ وقدره 98.8 مليون دولار من حساباته  لدى المصرف المركزي إلى حسابات في سويسرا، ألمانيا، لوكسمبورغ، فرنسا، المملكة المتحدة، بمعدل 16.5 مليون دولار سنويًا. هذا عدا عن إهمال مفوض الحكومة الذي لم يقدم التقرير السنوي الملزم بتقديمه لشرح حالة المصرف.

دوافع شخصية واستغلال منصب
لذلك، قرر المدعي العام التمييزي، القاضي غسان عويدات، فتح تحقيقات موسعة حول التفاصيل المذكورة في تقرير التدقيق الجنائي، لمعاقبة كل متورط وملاحقته قضائيًا، خصوصًا أن التدقيق قد كشف عن توزيع حوالى 111 مليون دولار أميركي على أشخاص مختلفين لم تذكر أسماؤهم.

على هذا الأساس، ستكون التحقيقات قادرة على كشف هوية الأشخاص والمؤسسات الذين استفادوا من تقديمات سلامة، والأسباب الكامنة وراء هذه المساعدات والتقديمات، وعما إن كانت تجمعهم علاقة بشركة فوري الوهمية، وشركة أوبتنيوم التي تجري الوفود الأوروبية تحقيقات موسعة حولها منذ أشهر.

ما يعني بأن المرحلة الأولى كانت اليوم بإحالة مطالعة عويدات إلى النيابة العامة المالية، النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، وهيئة التحقيق الخاصة. وذلك لإجراء التحقيقات اللازمة في هذا الأمر، كما حوّلت إلى مجلس النواب، ديوان المحاسبة والتفتيش المركزي.

مفاد هذا الكلام، أن الفضائح المالية التي كشفها التدقيق الجنائي، دفعت القضاء اللبناني إلى التدخل لفتح التحقيقات اللازمة في هذا الأمر، بغية معاقبة سلامة والمتورطين معه. وبالتالي، فإن هذا التحقيق سيكون دليلًا إضافيًا على إدانة سلامة وأعوانه، حيث ستضاف نتيجة التحقيقات إلى ملفه القضائي.  

أهمية التدقيق الجنائي أنه كشف للرأي العام الأسباب الرئيسية التي ساهمت في انهيار الليرة اللبنانيّة، حين استغّل سلامة منصبه لدوافع شخصية. وبمعزل عن الأسباب التي فرضت على القضاء اللبناني تغيير أسلوب تعاطيه مع سلامة، وإن تُرجمت هذه الخطوة نتيجة الخوف من فرض العقوبات الأميركية على شخصيات سياسية بارزة وقضاة، إلا أن الجو المسيطر حاليًا داخل أروقة العدل يشي بأن القضاء اللبناني يتجه نحو إصدار مذكرة توقيف غيابية بحق سلامة خلال الأيام المقبلة.

إذ علمت "المدن" أن سلامة ارتدى قبعة التخفي. فالأجهزة الأمنية تعذر عليها تبليغه بموعد جلسته أمام الهيئة الاتهامية في 29 آب الجاري حتى تاريخ كتابة هذا التقرير، لذلك سيبلغ لصقًا خلال اليومين المقبلين.

في المقابل، أفاد مصدر قضائي بارز في حديثه لـ"المدن" بأن تطورات كبيرة ستطال ملف سلامة القضائي، وإن المسار المقبل قد يكون بإصدار مذكرة توقيف غيابية بحقه، "لأن وضع سلامة بات حساسًا، ويجب وضعه خلف القضبان".

الخلاصة إذن، انقلبت الأمور على سلامة، الضمانات انتهت، والظروف السياسية الداخلية والخارجية تغيرّت. دخل رياض سلامة في النفق المظلم، ولن يتمكن من الخروج منه بسهولة.

وببساطة، نأمل أن يكون انتهى زمن الامتيازات وحان وقت المحاسبة!