فرنسا في حال تشتت ولا استقرار... من سيحكم؟

تصدر تحالف اليسار الجولة الثانية من الانتخابات التشريعية في فرنسا، التي جرت أمس الأحد، وفق نتائج أولية توقعت حصوله على ما بين 172 إلى 215 مقعدا في البرلمان الفرنسي.

وأظهرت النتائج أيضا حلول تحالف الوسط "معا من أجل الجمهورية" المدعوم من الرئيس إيمانويل ماكرون في المركز الثاني، وتوقعت حصوله على ما بين 150 إلى 180 مقعدا.

في المقابل، أخفق تحالف أقصى اليمين في الحصول على الأغلبية، حسبما كانت تتوقع بعض استطلاعات الرأي، حيث يُتوقع حصوله على 115 إلى 155 مقعدا.

ووفق هذه النتائج، لن تستطيع أي من الكتل الثلاث الحصول على غالبية مطلقة في البرلمان. فمن سيحكم فرنسا؟

مدير مركز المشرق للشؤون الاستراتيجية الدكتور سامي نادر يؤكد لـ"المركزية" ان "النتائج أتت على عكس التوقعات التي كانت تشير إلى ان "التجمع الوطني"، او اليمين المتطرف –رغم انهم لا يحبذون هذه التسمية- بزعامة مارين لوبان، كان من المفترض ان يكرّس الموجة التي حققها في الانتخابات الاوروبية وفي الدورة الاولى وأظهر أنه القوة السياسية الاولى، جاءت النتائج ووضعته في المرتبة الثالثة، وبالتالي تعرّض اليمين المتطرف لنكسة".

ويعتبر نادر ان "هناك منتصرَين في حسابات الربح والخسارة: المنتصر الاول دون شك هو اليسار المتشدد، الجبهة الشعبية، والمنتصر بالدرجة الثانية ماكرون، الذي بالرغم من خسارته لتقريباً لنحو 100 مقعد من أصل 250، لأن التوقعات رجحت بأن تكون انتكاسته أكبر بكثير وبأنه سيحافظ فقط على نحو 100 مقعد، تبين أنه حافظ على وضعه كلاعب أساسي في السياسة. وبالتالي، يمكنه، كقوة ثانية في البلاد ان يلعب دور الحَكَم".

 عن العبر الممكن استخلاصها يقول"أولاً، ان اليسار المتشدد أي "فرنسا الأبيّة" استطاع مع كيانات يسارية أخرى بناء تحالف. صحيح ان هذا التحالف كان هجيناً (على نقطة واحدة) لكنه قطع الطريق على اليمين المتشدد، لكنهم نجحوا في هذا الرهان. أما نكسة لوبان، فتعود إلى أنها لم تستطع ان تبني "الخيمة الكبيرة" او التحالف الكبير وتنفتح أكثر على قوى اليمين لأنها أرادت الاستئثار بهذا الغضب الشعبي تجاه التضخم (inflation, immigration, irritation)، وهذا كان سببا أساسيا للنكسة التي تعرّضت لها، وبالتالي بناء التحالفات هو درس أوليّ".

ويضيف: "بالنسبة لماكرون، صحيح أنه حافظ على وضعه، لكن اتضح ان الرهان الذي وضعه كان خاسراً، بمعنى أنه دعا الى انتخابات مبكرة على قاعدة رسم صورة أكثر وضوحاً للمشهد السياسي، على اثر الانتخابات الاوروبية، اليوم أصبح هناك غموض أكبر، لأن من الصعب إرساء حُكم في فرنسا، لأن لا أحد يملك الأكثرية المطلقة كي يُطلب منه تشكيل الحكومة. وبالتالي هو مجبر للذهاب باتجاه "فرنسا الأبية"، لوك ميلانشون، الذي لا يتفق معه ماكرون مطلقاً. وإذا اراد بناء اي حكومة، عليه ان يتجه الى اليسار ويفكك كل الإصلاحات والبرنامج الذي وضعه، ابتداء من نظام التقاعد، انتهاء بالنظام الضرائبي، وسيعودون الى فرض ضرائب أعلى على الاغنياء. وبالتالي كل الانجازات التي أعادت إحياء فرنسا اقتصادياً وخلقت مليوني وظيفة، هذه كلها ستتم الإطاحة بها إذا أراد تشكيل حكومة، لأنه سينفتح على اليسار المنتصر، وبالتالي من الصعب تشكيل حكومة. وهناك خياران، إما تشكيل حكومة تكنوقراط وهذا صعب اليوم في الوضع الفرنسي خاصة وان الانتخابات كانت سياسية بامتياز. لذلك، لو سلّمنا جدلاً بأنه تمّ تشكيل حكومة تكنوقراط، فما الذي ستفعله؟ من الصعب ايجاد أرضية مشتركة، لأن الكتل الثلاث الفائزة متوازية نوعاً ما".

ويختم نادر: "إن فرنسا مقبلة على فترة من اللااستقرار والتشتت وغياب البرامج الواضحة. وعلينا انتظار انتخابات 2027 لحسم الامور. حتى لو استقال ماكرون -هذا احد السيناروهات، لكنه لن يستقيل- لا يمكن للرئيس الجديد ان يحلّ البرلمان، وبالتالي سيعاني من حال التفتت وغياب الأكثرية الموجودة اليوم".