فيضانات الطرقات شتاءً: مجاري النفايات والفساد

تتجدَّد أزمة فيضان المياه الأمطار على الطرقات مع بدء موسم الأمطار، وخصوصاً الطرقات الأساسية التي تشكِّل مداخل ومخارج العاصمة بيروت. ويعرف اللبنانيون أن معاناتهم سنوية ومتكرِّرة ولا أمل في إنهائها، فيستعدّون لزحمة السير وتعطُّل السيارات والتأخُّر عن دوام العمل.

وللأنفاق الحصة الأكبر من الفيضانات، إذ تتجمّع المياه داخلها محوِّلة الأزمة إلى كارثة، سيّما وأن الطريقة الهندسية التي شقَّت وفقها الطرقات، لا تلحظ إمكانية تخطّي طوابير السيارات للوصول إلى السيارة المعطّلة أو تلك التي فيها إصابات، في حال حصول الحوادث.
ومع أن المشهد متكرِّر ومملٌّ، لا يكلُّ اللبنانيون من رشق الاتهامات للجهات المعنية، وعلى رأسها البلديات ووزارة الأشغال العامة.

حركة استباقية لوزير الأشغال
تشهد معظم المناطق اللبنانية هطول أمطار غزيرة منذ نحو يومين. سارَت المياه كما هو مرسوم لها نحو أقنية التصريف على جوانب الطرقات. والأخيرة، سُدَّت بالنفايات والأتربة والوحول، فخرجت المياه إلى الشوارع معلنة بدء موسم الفيضانات وانقطاع الطرق.

استباقاً للموسم، بدأت وزارة الأشغال حملة تنظيف لمجاري المياه في غير منطقة لبنانية. لكنها عجزت عن إتمام المهمّة بشكل كامل. فواجهتها مشكلة النفايات المنتشرة. وهو ما عبَّرَ عنه وزير الأشغال العامة علي حمية، في تغريدة صباحية على منصة "إكس". فأعاد حمية سبب زحمة السير عند منطقة السفارة الكويتية، يوم الأربعاء 4 تشرين الأول، إلى "ارتفاع منسوب مياه الأمطار وتكدّس النفايات على مجرى المياه". موضحاً أن الوزارة عملت مع بلدية الغبيري على تنظيف المجاري بشكل منتظم "أمس وقبل أمس وقبل أسبوع.. ونعمل على إعادة تنظيفها اليوم". وتشترك الفيضانات في المناطق الأخرى، وتحديداً طريق المطار، محطة الرحاب، الشفروليه، نفق مار مخايل، وغيرها، بسبب واحد، وهو النفايات.
لم يقف عمل الوزارة بحسب حمية، عند تنظيف مجاري تصريف المياه، بل امتدّت إلى مجاري الأنهار. وهذه العملية بدأت "منذ أشهر. وتحوّلت معها الوزارة إلى شركة لرفع النفايات".

نفايات وفساد
لا يُلام الهشيم على اشتعاله بلا مضرِم النار. فتكدّس النفايات والرواسب والأتربة وأغصان الأشجار وما إلى ذلك، وانجرافها نحو مجاري المياه سنوياً، يعود إلى تجذّر الفساد في كل التلزيمات والتعهّدات المرتبطة بالنفايات وإنشاء الطرق ومجاريها، وعقود صيانتها.

والمعضلة لا تنحصر في السنوات الأربع التي شهدت الأزمة الاقتصادية والنقدية التي استعملتها أجهزة وإدارات ووزارات الدولة شمّاعة لتعليق عجزها عليها. فقبل العام 2019 كانت الأموال موجودة والمشاريع والتلزيمات في أوجها، وكذلك كانت السمسرات وغض الأبصار عن دقّة التنفيذ وصحّته، وبعدها عن الصيانة والمتابعة. فتلزيمات النفايات كانت منجم ذهبٍ تتنافس عليه الزعامات السياسية. أما تلزيمات إنشاء الطرق وأشغالها، فهو مصدر إنعاش لمتعهّدي الجمهورية ومَن يحميهم.
فالمسألة في هذه الحالة لا تقف عند تكدّس النفايات. فسدّ مجاري المياه وخطوط الصرف الصحّي بالإسمنت، خدمةً لمشاريع خاصة، لا يقلّ أهمية عن باقي أسباب الأزمة. لكن صوت حصول النافذين على ضوء أخضر سياسي لمشاريعهم، يعلو فوق صوت معركة الناس ضد تكدّس النفايات وغرق الطرقات والسيارات والبيوت. والضوء الأخضر يُعمي الأعين عن مراقبة حُسن تطبيق الأشغال بالقياسات والمواصفات التي تنص عليها دفاتر الشروط التي تُلَزَّم الأشغال وفقها. فلا أحجام مجاري المياه مضبوطة بالأرقام الصحيحة، ولا تلزيمات الطرقات وجمع النفايات.
ويلعب الخطاب السياسي والحزبي والطائفي دوره في تأجيل الناس معركة نيل حقوقهم، بل وفي إسقاطها وتحويل البؤس إلى واقع يتعايشون معه بوصفه طبيعياً. ففيضان مياه الصرف الصحي والممزوجة بمياه الأمطار الجارفة للنفايات، يتعايش معه سكّان محيط مجرى نهر الغدير في الضاحية الجنوبية لبيروت، والتابع في جزء منه، عقارياً، إلى بلدية الشويفات. فمعضلة النهر وفيضان الطرقات والأنفاق "مشكلة مزمنة نعيشها مذ وُلِدنا"، تقول مصادر متابعة لهذا الملف في منطقة الشويفات. وتفيد المصادر في حديث لـ"المدن"، أن المسؤوليات "تنقسم بين وزارة الأشغال، في شقّها المتعلّق بالطرقات الرئيسية، وبين البلديات بالنسبة إلى الطرقات الفرعية، وكل جهة ترمي المسؤولية على الأخرى في ما يتعلَّق بالفيضانات وتنظيف مجاري المياه".
على أن نهر الغدير الذي يفيض سنوياً على المنازل "سيبقى كما هو". أما محاولات وزارة الأشغال لتنظيفه "فتصطدم بعودة الأهالي إلى رمي النفايات في النهر". وإذا كانت مشكلة نهر الغدير بنفايات الأهالي، فإن مشكلة الأشغال والتعهّدات التي أدّى الفساد فيها إلى تكريس أزمة مستدامة تتوارثها الأجيال التي باتت قادرة على تحديد مواعيد وأماكن الفيضانات، كما كان الأجداد يحدّدون مواعيد هطول الأمطار تبعاً للظواهر الطبيعية.

وعليه، صورة المياه والسيارات العالقة وسطها، ستتكرّر سنوياً. في حين أن احتمالات الإصلاح والتنظيف والصيانة، تتضاءل بفعل عدم وجود امكانيات مادية كافية لدى وزارة الأشغال العامة، وبسبب استحالة تغيير منهج التلزيم بالتحاصص.