في 30 آب "اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسراً" : الأهالي المتروكون يعلّقون آمالهم على "شجرة المفقود"

شجرة الزيتون التي ترمز إلى الحياة والصلابة، باتت اليوم ترمز أيضا إلى قضية المفقودين والمخطوفين في لبنان. هكذا أرادتها "لجنة أهالي المخطوفين والمفقودين في لبنان"، بعدما غرست بالأمس "شجرة المفقود" أمام تمثال المغترب اللبناني، في مرفأ بيروت.

في اليوم العالمي للمفقودين والمخفيين قسرا، والذي حددته الأمم المتحدة في 30 آب من كل عام، تحركت "لجنة أهالي المخطوفين في لبنان" تحت عنوان "لنزرع شجرة المفقود... وللزرع تتمة".

ليست مفارقة أن تغرس "شجرة المفقود" في جوار مرفأ بيروت الذي بات رمزا لأكبر قضية إنسانية، أو بالأحرى جريمة ضد الإنسانية منذ تاريخ الانفجار في 4 آب المشؤوم، ومطلبا "للعدالة وكشف حقيقة المرتكبين".

تشبه تلك القضية مطالب "لجنة أهالي المخطوفين" التي لم تبلسم الوعود جروحهم ولم ترقَ إلى مستوى التحقيق الجدي في معرفة مصير المخفيين والمفقودين، على الرغم من أنهم لا يزالون يحملون هذا الصليب منذ ما يقارب النصف قرن. اللجنة أرادت لـ"زيتونة المفقود أن تكون رمزا دائما للأمل والسلام الحقيقي، وتذكيرا بضرورة السعي من أجل العدالة والمصالحة"، لاسيما أن شجرة المرفأ سبقها غرس لسبعة أشجار زيتون أخرى، بدعم من البعثة الدولية للصليب الأحمر، في زحلة وببنين وطرابلس وبنواتي والعزونية وكامد اللوز وفي حديقة جبران خليل جبران أمام "الإسكوا"، لما تمثل هذه المواقع من رمزية لقضية المفقودين والمعتقلين، وهي المواقع التي شهدت أبرز التحركات والنضالات للأهالي، والتي لا تزال مستمرة منذ 42 عاما.

تقول رئيسة اللجنة وداد حلواني: "نحن في بلد العجائب. أهالي ضحايا الحرب يتلاقون مع ضحايا السلم، وكلاهما متروك من الدولة". وتسأل: "لماذا التحقيق ممنوع؟ لماذا المحاسبة ممنوعة؟ ولماذا القضاء معطل؟".

قانون "مدفون"؟!

قبل أربعة أعوام، جمع الوجع أهالي ضحايا انفجار المرفأ مع "لجنة أهالي المخطوفين"، بحيث اتّحدت بعض التحركات بين الطرفين، رفعا لشعار "العدالة والمصالحة"، وآخرها كان في "بيت بيروت" قبل أسبوع.

تعلق حلواني: "نريد أن نعرف كيف نعلن الحداد على أحبتنا"، تماما كأهالي ضحايا انفجار المرفأ الذين لم يستريحوا بعد ويريدون كشف حقيقة من قتل أقرباءهم.

إلا أن وجع أهالي المخطوفين يمتد لأكثر من أعوام أربعة، عمره من عمر الحرب الأهلية. فأي مسار طويل وشاق قطعه هؤلاء؟ وأين أصبحوا اليوم؟

من الخطوة الأخيرة نبدأ. قبل ستة أعوام، وتحديدا في 13 تشرين الثاني 2018 أقر مجلس النواب "قانون المفقودين والمخفيين قسرا".

وأبرز ما نص عليه إنشاء "الهيئة الوطنية للمفقودين والمخفيين قسرا"، بصلاحيات للتحقيق في "حالات الاختفاء القسري وفي الحصول على المعلومات وتوثيقها والإشراف على عمليات تحديد أماكن دفن الرفات واستخراجه والتعرف إليه وتسليمه للأقرباء"، فضلا عن أنه يكرس الحق في معرفة الحقيقة لجميع أقرباء الضحايا من دون تمييز.

وكان على الأهالي أن ينتظروا مجددا عامين حتى تبصر الهيئة النور. ففي 3 تموز 2020، وقع رئيس الجمهورية ميشال عون مرسوم تشكيل الهيئة.

ومذذاك والمسألة مجمدة. إذ نص القانون على "ضرورة التعاون بين السلطات المختصة بتبادل المعلومات المتعلقة بعملية البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً، وبتحديد مصيرهم وهويتهم وتقديم هذه المعلومات للهيئة"، فيما لم تشهد القضية أي تحرك من الجانب الرسمي اللبناني في حمل لواء الملف نحو التنفيذ، بل على العكس، شلّ الفراغ الرئاسي السلطات في لبنان، ونامت القضية مجددا في الأدراج.

فلا الرئيس عون، الذي كان يفترض أن يحمل لواء القضية أكثر من غيره، نجح في إحداث أي خرق على هذا الصعيد، لا من خلال فتح قنوات الاتصال مع سوريا أو مع الجهات الحزبية اللبنانية التي كانت متواطئة ومتورطة في الملف، ولا الظروف الداخلية، من انفجار المرفأ الكارثي إلى التداعيات الاقتصادية والمالية التي غرقت فيها البلاد، ساهمت في الحفاظ على إبراز قضية المخفيين، بل على العكس ردّتها إلى أسفل سلّم الاهتمامات.

أكثر من ذلك، الجميع يذكر كيف تعاطى لبنان الرسمي العام الماضي، وتحديدا في تموز 2023، خلال الجمعية العمومية للامم المتحدة، حين امتنع عن التصويت على مشروع قانون دولي يقضي بتشكيل "مؤسسة مستقلة من أجل جلاء مصير آلاف المفقودين في سوريا". كالصاعقة نزل هذا القرار أو "اللا قرار" على رؤوس الأهالي.

وفق هذا المسار من الإهمال واللامبالاة تتعامل السلطة اللبنانية مع وجع الأهالي. إنما وفق قانون المخفيين قسرا، "يتوجب على السلطات المختصة في لبنان، من أجل تحسين عملية البحث عن المفقودين أو المخفيين قسراً، التعاون مع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان في منظمة الأمم المتحدة والصليب الأحمر اللبناني أو أي هيئة إنسانية أخرى وفقاً لصلاحية كل منهم"، تماما كما "يتوجب على الهيئة أن تتصل بالسلطات والأجهزة اللبنانية أو الأجنبية وتطلب منها تزويدها المستندات أو المعلومات التي تراها مفيدة لحسن ممارسة مهماتها، وعلى السلطات والأجهزة اللبنانية المعنية الاستجابة للطلب من دون إبطاء".

هذا حرفيا ما نص عليه القانون. أما عمليا، فلا شيء. القضية منسية إلا عند أصحابها. والهيئة، كي تستطيع أن تعمل باستقلالية، "على السلطة أن توفر لها المقومات المادية والمعنوية".

الأهالي لا يزالون يحيون الذكرى ويذكرون بها عند كل مفصل ومناسبة، فيما القانون حبر على ورق، وما من جهد يبذل على صعيد الوزارات والأجهزة. كما لو أن القانون مدفون!

تأسف حلواني لأن "المطالبة بالعدالة باتت ممنوعة في بلدنا، والعدالة مفقودة"، وتتدارك: "مطلبنا اليوم أكثر من واضح: فرض تطبيق قانون المفقودين والمخفيين قسرا".

في اختصار، إشكاليات ثلاث تفرمل قضية المخفيين:

الأولى، الجهات الرسمية المحلية لا تتبّناها كما يجب، أو كما ينص عليه حرفيا القانون.

الثانية، الأطراف اللبنانيون الذين شاركوا في الحرب نفضوا عن أنفسهم تهمة التورط، من دون أن يسلّموا ما لديهم من مستندات أو ... رفات. ببساطة، غسلوا أيديهم على حساب المصالحة الحقيقية التي تستوجب أولا معرفة الحقيقة.

الثالثة، القنوات الخارجية، وفي مقدمها سوريا لا تتعاون، ولم تبذل السلطة اللبنانية أي جهد أو ضغط عليها، بل "تمتنع" عن دفعها إلى التحرك!

وحتى تحين الساعة، سيبقى الأهالي وحدهم يصرخون ويغرسون الزيتون وهم يستذكرون أقرباءهم... ورئيس "سوليد" غازي عاد الذي رحل قبل ثمانية أعوام، والغصة في قلبه...