قرار "المركزي" زيادة المستفيدين من الـ158 دونه عوائق!

أعاد مصرف لبنان بإصداره الأخير للتعميم 182 المعطوف على التعميم 158، تحريك بعض "الأمل والجدل" إزاء مصير الودائع وآليات إعادتها إلى أصحابها. تأتّى الأمل من مضمون التعميم الأخير الذي يجيز للمودع الذي نقل وديعته من مصرف إلى آخر قبل صدور التعميم 158، ولم يستفد من مفاعيله حتى الآن، العودة إلى مصرفه الأول والإفادة من مندرجاته (300 دولار شهرياً). ولذا، فإن صدور هذا التعميم في الظروف السائدة اقتصادياً وأمنياً، يعطي المودعين جرعة أمل وثقة بأن مصير ودائعهم وجنى أعمارهم لا يزال قيد البحث والاهتمام لدى المعنيين، وفي مقدمهم مصرف لبنان الذي يحاول من خلال تعديله التعميم 158 مرتين حتى الآن، تأمين مصلحة المودعين والمحافظة على حقوقهم.

أما الجدل الخافت حتى الهمس، والذي لم يرق إلى اعتراض علني حتى الآن، فقد أتى من ثاني المعنيين بتنفيذ التعميم أي مصارف لبنان، التي طرحت أسئلة حيال توقيته في ظل الظروف الحرجة لبلاد تعيش على فوهة بركان الإقليم المشتعل، وكذلك عن مصادر تمويل مفاعيله في ظل الظروف الراهنة. وهذا الأمر بُحث بالتفصيل أمس في اجتماع مجلس إدارة جمعية المصارف، تقرر خلاله الاعتراض على "الصيغة" التي وردت في بيان حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري، والتي أشارت علناً إلى موافقة المصارف على التعميم، فيما العكس هو الصحيح. على أن يُتّفق على شكل الاعتراض ما إن كان عبر كتاب أو زيارة للحاكم بالإنابة. إلى ذلك، انتقدت مصادر مصرفية التعميم لجهة عدم وجود الآلية الواضحة لتطبيق التعميم خصوصاً حيال عدم تحديه تفاصيل مهمة ومنها من سيدفع للمودع مبلغ الـ300 دولار المصرف الذي سبق أن سحب منه المودع وديعته، أم المصرف الجديد الذي استقبلها.

بيد أن مصادر مصرف لبنان رأت أن أي اعتراض على التعميم بمثابة تعمية على الحقيقة، فجميع إدارات مصارف لبنان كانت على علم بالموضوع، وجرى التداول مع غالبيتها وخصوصاً المصارف الكبرى بالسبل والمقترحات أكثر من مرة وفي أكثر من لقاء، والتذرّع بالتوقيت جوابه أن حرب غزة والتوتر العسكري في الجنوب وفق الكثير من المحللين والمتابعين قد يستمران لسنة أو أكثر، ولا يجوز تالياً وضع المستحقين من المودعين في حالة انتظار أكثر، وهم في لجّتها منذ تشرين 2019.

أما بالنسبة إلى التمويل، فتؤكد المصادر عينها أن المصارف بموجب التعميم الأساس 158 ستتكلّف نصف المبلغ فقط، فيما النصف الثاني سيتكفّل به مصرف لبنان. وفي احتساب مستنتج ومستند إلى إحصاءات وبيانات مصرفية سابقة، فإن الحسابات المؤهلة هي بنحو 18 ألف حساب نسبتها 10% من نحو 180 ألف حساب مؤهل حالياً تفيد من التعميم 158. وفيما قد يتعذّر على 2000 حساب الإفادة لأسباب وإرباكات قانونية، سيبقى 16 ألف حساب تقريباً، كلفتها الشهرية 4 ملايين و800 ألف دولار تتحمّل المصارف نصفها، أي مليونين و400 ألف دولار فقط.

بعض الأبحاث تعطي 14 مصرفاً كبيراً نسبة 80% من الحسابات المؤهلة، أي ما يعادل مليوناً وتسعمئة وعشرين ألف دولار شهرياً، وتالياً سيكون المعدل الوسطي لحصة كل من المصارف الكبرى ما يقل أو يزيد قليلاً عن 137 ألف دولار شهرياً، وهو مبلغ من غير المقبول، وفق المصادر عينها، القول إنه غير مقدور عليه، في ظل تنامي نشاط المصارف أخيراً.

التعاون القائم بين الحاكم بالإنابة وسيم منصوري وجمعية مصارف لبنان منذ تسلمه مقاليد الحاكمية، أثمر استقراراً في وضعية المصارف، ونجاحاً في إعادة إطلاق الخدمات المصرفية التي بدأ اللبنانيون بتلمّسها، لذلك يحتاج القطاع المصرفي ومصرف لبنان إلى التعاون معاً والتعامل مع مشكلات الملف النقدي عموماً، والودائع خصوصاً، بحكمة لا تخلو من الجرأة في توصيف المشكلة والعوائق، والإقدام على طرح الحلول الممكنة مباشرة ومن دون مواربة، وابتداع ما يسمح بزيادة منسوب التفاؤل لدى اللبنانيين، بقدرة البلد ومصارفه وليرته على العودة إلى ما كانوا عليه سابقاً.

المستفيدون الجدد من التعميم

بعد الغبن الذي لحق بعدد من المودعين الذين لم يكن لهم الحق بالإفادة من السحوبات الشهرية لودائعهم بالدولار وفقاً للتعميم 158، أصدر حاكم مصرف لبنان بالإنابة الدكتور وسيم منصوري تعميماً حمل الرقم 682، سمح بموجبه للحسابات التي أُقفلت أو نُقلت من مصرف إلى آخر بعد تاريخ 31 تشرين الأول 2019، بالإفادة من أحكام التعميم. وبذلك توسعت مروحة المستفيدين من التعميم 158 الذي يتيح للمودعين سحب 300 دولار شهرياً من ودائعهم الدولارية.

وجاء التعديل، بناءً على مراجعات المودعين التي لم تكن تستفيد من أحكام هذا التعميم، وإيماناً من "المجلس المركزي" بأحقية هذا المطلب، وبعد التفاهم مع جمعية المصارف.
وأكد منصوري أن "مصرف لبنان سيجري الإجراءات اللازمة التي تدخل ضمن صلاحياته وبحدود الإمكانيات المتاحة في الوقت الراهن لإنصاف المودعين، مذكّراً بوجوب إيجاد حل نهائي يؤمّن لهم حقوقهم عبر تفاهم الجميع لإقرار خطة شاملة لحل هذه الأزمة الوطنية".

أما الهدف من التعميم الوسيط الجديد فهو توسيع مروحة الحسابات التي نُقلت من مصرف إلى آخر بعد تاريخ 31/10/2019، إذ قد يكون المصرف أقفل حساب المودع قسراً ومنحه شيكاً مصرفياً أودعه المودع في حساب آخر، أو قرر الأخير نقل حسابه طوعاً من مصرف إلى آخر بعد 31/10/2019. ولكن التعميم لا يشمل بمندرجاته الحسابات التي تحوّلت من الليرة اللبنانية إلى الدولار، ولا تلك التي بقيت كما هي قبل تشرين الثاني 2019، ولم تستفد من التعميم 158.

خبير المخاطر المصرفية محمد فحيلي يقول لـ"النهار" إن التعميم الوسيط يمكن أن يتحول إلى مشروع فتنة بين المودع ومصرفه لكونه يفتح مجال استنسابية القرارات للمصارف. وفي التفاصيل، يشرح فحيلي آلية التعميم الوسيط فيقول: "إذا أقفل المودع حسابه في أي مصرف وحصل بموجبه على شيك مصرفي من دون أن يودعه في مصرف آخر، فإنه بعد التعميم الوسيط 182 يجب أن يعود المودع إلى مصرفه الذي أصدر الشيك ويعلمه بأنه يريد الإفادة من التعميم، وتالياً عليه فتح حساب جديد، وتحديد المصرف الرصيد الذي يستوفي الشروط، بمفعول رجعي، علماً بأنه وفق التعميم "يستفيد صاحب الحساب بمفعول رجعي عن الفترة الممتدة من تاريخ تقديم الطلب المكتمل الشروط لغاية تاريخ فتح الحساب الخاص المتفرّع، بحيث تدفع كامل المبالغ المستحقة عن هذه الفترة بتاريخ أول دفعة شرط أن لا يكون استفاد خلالها من أحكام القرار الأساس 13221 عام 2020 أي التعميم 151. أما المودع الذي لم يسحب أمواله طوال تلك الفترة تحت أحكام البند 158، فسيكون في إمكانه الإفادة منه منذ بدء العمل بالتعميم أي بمفعول رجعي".

الهدف من التعميم توسيع مروحة الحسابات، ويتعلق بنقل حساب من مصرف إلى آخر أكان حساباً مشتركاً انتقل إلى حساب فردي، أم كان حساباً فردياً، من دون الأخذ في الاعتبار حجم الحساب، فيما الحد الأقصى للإفادة هو 50 ألف دولار، وتالياً ما على المودع إلا الطلب من المصرف الذي حوّلت منه الأموال إعلامه ما إن كان المبلغ المحوَّل يستوفي شروط التعميم 158، ليقوم من بعدها بفتح حساب خاص متفرع بالمبلغ الذي يحق لصاحب الحساب الإفادة منه.

ولكن فحيلي يشير إلى بعض العقد أو المطبّات التي يمكن أن تعرقل تطبيق التعميم، خصوصاً حيال تحديده إفادة صاحب الحساب بمفعول رجعي، إضافة إلى خضوع المبلغ الذي يستوفي شروط التعميم لتنزيلات تضاف إلى التنزيلات التي يخضع لها المبلغ المحدد بالتعميم الأساس، لافتاً في هذا السياق إلى أنه "إن كان المودع يسحب من حسابه بموجب التعميم 151، فإن السحوبات التي أجراها تُعد بمثابة تنزيلات، ويمكن أن تكون كبيرة لدرجة لا تخوّله الإفادة من التعميم الجديد، علماً بأنه لا يمكن لأي مودع أن يفيد وفق تعليمات مصرف لبنان من هذين التعميمين معاً".

إلى ذلك يشير فحيلي إلى أنه إن سبق للمودع أن ادّعى على المصرف، يمكن للأخير أن يتذرّع بأن الحساب لا يستوفي شروط التعديلات الجديدة من أحكام التعميم 158.