قلعة بعلبك مهددة بخطر الغارات.. والوزير استهزأ بالحماية الدولية

كتبت بتول يزبك في المدن:

"في الأسابيع القليلة الّتي تلت بداية الحرب الإسرائيليّة على قطاع غزّة والاشتباكات جنوبي لبنان -كجبهة "مساندة"- تهافتت شتّى الجمعيات الأهليّة والمدنيّة لوضع خطط طوارئ، لتوثيق كل انتهاك يطال الأراضي اللّبنانيّة، بل ولحماية السكّان ونجدتهم، وردع أي مخالفة لآلة التخريب الإسرائيليّة، بموجب القانون الدوليّ. وعلى هذا الأساس، تطوعت في هذه الفترة عدّة منظمات من بينها جمعية "بلادي" المعنية بالحفاظ على التراث، بالتعاون مع المديريّة العامة للآثار، لتعليق شارة "الدرع الأزرق لحماية الممتلكات الثقافيّة خلال النزاع المُسلّح Blue Shield" على 22 موقعًا أثريًا حول لبنان، ومن ضمنها قلعة بعلبك، وذلك بموجب الحماية الدوليّة الّتي توفرها اتفاقية لاهاي (1954)، الّتي جرى وضعها بعد الدمار الهائل الذي طال التراث الثقافي في أثناء الحرب العالمية الثانية. وتُعدّ أول معاهدةٍ عالميةٍ لحماية التراث الثقافيّ في أثناء النزاعات المسلحة، بما يشمل النُّصُب التذكارية المعمارية والمواقع الأثريّة والتاريخيّة والأعمال الفنيّة وغيرها..

بعد يومٍ واحد، وتحديدًا في الثاني من تشرين الثاني الفائت، خرج وزير الثقافة في حكومة تصريف الأعمال، القاضي محمد المرتضى، ليقول بتذاكٍ بمنشور على منصة "إكس"، إنّه "أمر بإزالة الشعار"، مبرّرًا قراره الفذّ بأنّ "الفظائع في غزّة، أثبتت أنّ مثل هذه الدروع لا تحمي شيئًا، وما يحمي لبنان وشعبه والأملاك الخاصّة والعامّة فيه هو جيشنا الباسل والمقاومة المقتدرة التي تمثّل درعنا الحصينة، التي جعلت العدو الإسرائيلي متيقنًا بأنّ مسّه فينا سوف يجرّ عليه ويلات لا قدرة له على تحمّلها. هنالك من اجتهد فأخطأ بوضع ذلك الشعار ظنّاً منه بأنّ التذكير بالمواثيق الدوليّة والاحتماء بها والاحتكام إليها  يحمينا ويحمي ممتلكاتنا ومعالمنا الأثرية، لكن الواقع أن هذه المواثيق حبرها بهت وجرى طمسه بفعل دماء اطفال غزة التي أريقت من قبل إسرائيل وداعميها".

"الدروع الّتي لا تحمي شيئًا"
والدرع الأزرق Blue Shield، هو شارة رمزيّة، تتألف من اللونين الأزرق الغامق والأبيض. وعندما يتمّ تعليقها (وقد جرى تعليقها في المواقع الأثريّة السّوريّة والعراقيّة والأوكرانيّة..)، فإنها كدلالة لإطلاع كل الجهات المتقاتلة، بأنّ الموقع هو ممتلك ثقافيّ، وبالتالي يُحظر استهدافه أو استغلاله عسكريًّا، تحت طائلة المساءلة القانونيّة الدوليّة، وخصوصًا للمواقع الّتي تُعد من التراث العالميّ.

وما هي إلا شهورٌ قليلة على منشور الوزير، الذي ادعى أن لا خطر داهم يتربص بالقلعة -آخر ما تبقى من الأوجه الثقافيّة والتاريخيّة للمدينة المحتضرة- وأصرّ على إزالة شارة بقياس 3x5 أمتار على القلعة دون سواها، لكونها واقعة وعبثيًّا في قلب "خزان الدم" النابض، وفقًا للأدبيات السّياسيّة اللّبنانيّة، حتّى نفذت إسرائيل أولى غاراتها على محيط المدينة، ومادت الأرض بسكّانها وبآثارها.. لم يخرج لحظتها الوزير ليستنكر أو ليؤكد سرديته، بأن لا خطر سيمس بعلبك وقلعتها. بل صمت، مستأنفًا الاعتصام بالصمت الرسميّ ذاته إزاء ما يحصل في المدينة الّتي جُرّت قسرًا للنزاع، والتفريط والاستخفاف بالمعطى الميدانيّ، وتجاهل أحوال سكّانها واستكثار وضع خطة طوارئ واحدة لهم، وإحالة أي اعتداء إلى خانة الاشتباك، على حساب نسيج لبنان الثقافيّ، أو ما تبقى منه.

اليوم، وبعد سلسلةٍ من الغارات الجويّة على المدينة ومحيطها، يتساءل البعلبكيون ضمنيًّا عن مصير مدينتهم (من يلتفت فعليًّا لمصائرهم؟)، وعن من يحمي مواقعها التراثيّة المُحتفل بها عالميًّا، وهل تندثر المدينة القديمة بمعالمها، بضربةٍ إسرائيليّة وحسب، هل ستحتضر هذه الأطلال الحضاريّة الّتي عاشت وعلى أقلّ تقدير 4 آلاف عام، بمزايدة وزير "ثقافة"؟

قلّة قليلة اليوم من الآراء الّتي تُرجح أن القلعة والمواقع الأثريّة الأخرى في المدينة تحديدًا، غير مُهدّدة. فكلّه وارد في الحرب الّتي للآن لا يوجد أفق واضح أو تصور صريح للمجرى الذي قد تتخذه، وبين فرضية الحرب الشاملة على لبنان والمنطقة، فإن الخطورة غياب مثل هذا الدرع عن القلعة، الّتي تحتوي أضخم المعابد الرومانية المتبقية على الإطلاق، وواحدة من الأفضل حفظًا في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا، هو رفع المسؤوليّة والحماية الّتي تقدمها الاتفاقيّة. وفي حال فعليًّا جرى اعتداء على القلعة، فإن الجهات الدوليّة المولجة لن تقوم بالمساءلة.. وطبعًا لأن الوزير قد أزال هذا الدرع، مع العلم المسبق بالتداعيات لمثل هذه الخطوة.

يُذكر أن "المدن" حاولت تكرارًا التواصل مع الوزير ووزارة الثقافة، من دون الحصول على أي جواب على استفساراتها الطارئة.

قلعة بعلبك: بين خطر الاعتداء والإهمال؟
وناهيك بالخطر المُحدق اليوم بالقلعة، لجهة ارتدادات الغارات وكذلك فرضية حصول اعتداء مباشر، دارت مؤخرًا بعض الأحاديث وفي الأوساط "البعلبكيّة"، أن بعض أعمال الترميم في القلعة والّتي حصلت منذ ثلاث سنوات، قامت بتشويه بعض المعالم في القلعة، ومحو بعض النقوش الرومانيّة والإغريقيّة، وسببت بتآكل الحجارة. وهنا تُشير المصادر في المديريّة العامة للآثار، أن هذه الأقاويل ليست بالدقيقة، وخصوصًا أن فريق الترميم قد اعتمد التقنيات الّتي تعتمد لترميم الآثار في إيطاليا، وأن فريق مراقب من اليونيسكو أشرف على هذه الأعمال، بل أسهم الترميم الأخير في اكتشاف بعض النقوش والرسومات، ولم يقم بمحو أي منها. وتستطرد المصادر بالقول، أما بخصوص تآكل الحجارة، فإنها بسبب التلوث المُنتج للفطريات في بعلبك، لا بسبب معدات التنظيف المعتمدة بأحدث التقنيات."