قنبلة النازحين تسابق الأزمة المالية... فأيّهما تنفجر أولاً؟

يسعى المصرف المركزي في سياق حرص حاكميته على كشف ارقامه وميزانيته للرأي العام، الى ان يؤكد نجاح سياسته الرامية الى ضبط سوق الصرف من دون المسّ بما تبقّى من الاحتياطات الأجنبية لديه، على نحو يساعده على الصمود لفترة أطول من الفترة التي وضعها نصب عينيه. فاستناداً الى بيان الموجودات والمطلوبات الخارجية الذي أصدره امس بحسب إقفال أيلول الماضي، أظهر الجدول تراجعاً في الموجودات الخارجية السائلة لديه، عزاه في شكل أساسي الى انخفاض سعر اليورو مقابل الدولار الأميركي، إضافة الى زيادة المطلوبات الخارجية قليلاً نتيجة ورود بعض المبالغ من الخارج. ودائمًا ما يذكّر المصرف المركزي بأنه يتابع سياسته القاضية بعدم دفع أي مبالغ من احتياطاته الخارجية لأي غاية إلا في اطار تطبيق آليات التعميم 158 القاضي بدفع ما يراوح بين 300 و400 دولار شهرياً للمودعين. وهو بذلك يسعى الى تجديد التأكيد على سياسته الرامية الى عدم المسّ بالودائع المتبقية على شكل احتياطات لديه.

لكن "المركزي" يدرك انه سيصل الى مرحلة سيكون فيها عاجزاً عن الاستمرار في اتّباع هذه السياسة، في حالتين مفصليتين: الأولى اذا استمر التعطيل الحكومي والتشريعي في إقرار القوانين المنتظرة، وهذا واقع لا مفر منه في ظل استمرار تعطّل انجاز الاستحقاق الرئاسي وتأخر نضج التسوية الرامية الى انتخاب رئيس وإعادة الانتظام الى عمل المؤسسات الدستورية. والحالة الثانية تكمن في الخطر الأمني المحدق بالبلاد نتيجة توسع ازمة النزوح وتمددها امنياً على نحو يعرّض البلاد لزعزعة استقرارها السياسي والأمني الهشّ في الأساس، وليست الفورة التي يشهدها الوسط السياسي اخيراً حيال هذا الموضوع إلا احد مظاهر الخطر المحدق، وقد جاء المؤتمر الصحافي لوزير الداخلية والبلديات بسام مولوي بعد اجتماعه بالمحافظين ليؤكد المخاوف، سيما وان الإجراءات المتخذة لا ترقى الى المستوى المطلوب لمواجهة المخاطر، بسبب ضعف الإمكانات اللوجستية المتوافرة لدى الأجهزة والمؤسسات الأمنية والعسكرية للتعامل مع ازمة على هذا المستوى، بعد أعوام من الإهمال والتراخي، تلبية للمطلب الأوروبي بالابقاء على النازحين في الداخل اللبناني.

في احدى جلسات مجلس الوزراء في العام 2015، أسرّ احد الوزراء في مجلس خاص بأن الوزراء تبلغوا ان الانفاق الحكومي يحصل من أموال المودعين. لم تحرك الحكومة في حينه ساكناً، ليعود الامر ويتجدد على اثر كتاب رفعه المجلس المركزي لمصرف لبنان الى مجلس الوزراء يعيد التذكير بأن الانفاق يتم من أموال المودعين، وايضاً لم يحرك ساكناً.

وما ينسحب على تمويل الدولة، ينسحب ايضاً على ازمة النازحين، حيث لم تفلح كل المناشدات والتحذيرات من إرساء خطة عمل لاحتواء تفاقم الازمة التي وصلت اليوم الى مرحلة تضع لبنان في مواجهة المجتمع الأوروبي الرافض في شكل قاطع فتح باب النقاش حول هذا الموضوع.

وفيما تستمر هذه الازمة بالتعاظم ككرة ثلج، منذرة بانفجار وشيك وغير بريء في أبعاده وحيثياته، حيث هناك جهات تسعى الى التحريض وتكبير المشكلة لأهداف سياسية، من دون الأخذ بالارتدادات الخطيرة على الوضع الأمني، تبقى ازمة المالية العامة وسبل تمويل الدولة من دون حلول. وعُلم في هذا الاطار ان المصرف المركزي الذي يدعو الدولة الى الاعتماد على التمويل من الحساب الرقم 36، قد عمد الى فتح حساب بالدولار الأميركي ضمن هذا الحساب لتأمين الدفع بالدولار، ما يعزز التوجه نحو الدولرة، في ظل اتكال الدولة على تحصيل إيراداتها بالدولار، علما انه مع صدور موازنة 2023، سيصدر تعميم يلغي مفاعيل التعميمين 158 و151، ومع انشاء منصة "بلومبرغ"، سيبقى المركزي خارج السوق ولن يتدخل، وفي ظل استمرار التعثر في القطاع المصرفي وعدم المبادرة الى إعادة هيكلته، وتمنّع المجتمع الدولي عن تأمين الدعم المالي للبنان، فإن كل هذه المؤشرات تشي بأن الوضع آيل الى مكان سيىء جداً، ولا احد يعتقد ان "المركزي" سيكون في صدد التصدي للمشكلة على ما يقول مصدر نقدي مطلع، لأن التصدي يعني المسّ بما تبقّى من ودائع، وهذا امر لن يحصل، كما ان طبع الليرة لن يحصل.

جلّ ما سيفعله "المركزي"، وفق المصدر نفسه، هو زيادة الضغط على الدولة للسير بالإجراءات الإصلاحية المطلوبة، علماً ان عملية الاقتطاع التي تحصل على أموال المودعين ستنسحب على الدولة التي ستكون ملزمة بشراء دولاراتها بسعر السوق، ومتابعة مراقبة الصرافين ولا سيما منهم غير المرخصين، فضلا عن مراقبة المصارف لمنعها من ضخ الدولار، والاستمرار بتجفيف الكتلة النقدية لمنع المضاربة.

هل هذا يكفي لمنع الانفجار؟ يتردد المصدر في الإجابة، وفي تردده تأكيد على ان الأمور مهددة بالخروج عن السيطرة في أيّ لحظة!