لا أفق للرئاسة والحرب قبل الانتخابات الأميركية

فيما تفيد معلومات ديبلوماسية عن سعي فرنسا ولا سيما رئيسها ايمانويل ماكرون من اجل فصل موضوع الرئاسة وانتخاب رئيس للجمهورية عن الحرب في الجنوب والربط المحكم لتطوراته بالحرب في غزة، فان واقع الامور وراء الكواليس الديبلوماسية والسياسية يشي باحتمال فشل اخر لفرنسا في هذا الاطار ولو ان هذا المسعى ليس علنيا على نحو الزيارات المتتالية التي قام بها ماكرون الى بيروت بعد انفجار المرفأ في 4 آب 2020 ووضعه خريطة طريق للقوى السياسية.

اذ ان لبنان تسبب بتعجيز فرنسا كما عجز ايضا صندوق النقد الدولي على رغم توقيع اتفاق مبدئي معه من اجل القيام باصلاحات يراها المجتمع الدولي ضرورية لاعادة نهوض لبنان.

حين تحدث الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله قبل يومين مؤكدا مواصلة حرب غزة من الجنوب ومهددا ببقاء المستوطنين الاسرائيليين خارج القرى على الحدود الشمالية لاسرائيل الى ايلول المقبل الموعد المبدئي للعودة الى المدارس، كانت التوقعات الاسرائيلية سبقته في الواقع الى الايحاء بهذا التقويم اي استمرار الحرب الى نهاية الصيف ما يعني ان لا الحرب في غزة ستنتهي قريبا، وتجربة سقوط التوصل الى هدنة ابان شهر رمضان وعدم نجاح ضغوط الادارة الاميركية على رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو لا تترك مجالا كبيرا للتفاؤل. وهذا يعني تاليا ان الحرب في الجنوب لن تنتهي قريبا ايضا بغض النظر عن الاعتبارات التي يسوقها البعض لان لا قدرة لحزب الله على التراجع عن مساندة غزة ولا مصلحة له بذلك فيما ان العروض او الاقتراحات للتهدئة ليست مغرية له بعد او حتى الان على الاقل.

والمعلومات وراء الكواليس تفيد بان الوضع الراهن يرجح الا يطرأ عليه اي تغيير، ما لم يحصل امر دراماتيكي غير متوقع، الى ما بعد انتخابات الرئاسة الاميركية في الخامس من تشرين الثاني المقبل. فالرهانات الاقليمية والدولية تكون عادة كبيرة جدا في انتظار معرفة هوية الرئيس الاميركي المقبل باعتبار ان الفوارق ستكون وستبقى هائلة بين احتمال عودة الرئيس جو بايدن الى ولاية جديدة او احتمال وصول المرشح الجمهوري دونالد ترامب. وينبغي الاقرار وفق المعطيات الديبلوماسية ان كلا من الطرفين المتطرفين الاسرائيلي وحركة " حماس" يخدم احدهما الاخر. اذ ان نتنياهو لن يرغب بانهاء الحرب باثمان باهظة تضيف خسائر الى خسارته السياسية حتى الان ويود البقاء في السلطة فيما ان اداءه يقوي "حماس" ولا يضعفها في مقابل الضعف البالغ لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

يتخطى لبنان حتى موعد هذه الانتخابات الاميركية في 5 تشرين الثاني وهي ليست بعيدة نسبيا، فترة سنتين من تعطيل الانتخابات الرئاسية فيه على نحو سيقترب جدا من فترة التعطيل الرئاسي بين 2014 و2016. وتاليا فان تحديد مواعيد قريبة يبدو اقرب الى تبرئة الذمم ونفض الايدي من تبعات العرقلة والتعطيل واقرب كذلك الى التمنيات منه الى الحقائق على خلفية امرين اساسيين مهمين في انهاء الازمة الحالية: الاول يتصل بالقوى السياسية الداخلية وعدم وجود حد ادنى من التوافق راهنا على انجاز الانتخابات الرئاسية ومعها رئاسة الحكومة وسلة متكاملة من التعيينات، باعتبار ان الكلام على انتخاب رئيس للجمهورية فقط هو بمثابة تعمية لا تقع في المكان الصحيح على رغم ان احدا لا يتطرق راهنا الى السلة.

وفيما ان الثنائي الشيعي في مكان ما يتمسك علنا برئيس تيار المردة سليمان فرنجيه فيما انه قد لا يمانع بمرشح بديل يكون اقرب ما يكون الى ما يمثله فرنجيه بالنسبة اليه، فان العقدة الاخرى التي يسري وجودها لدى القوى المسيحية الاساسية التي تعارض احداها مرشحا قد يوافق عليه الفريق الاخر، اقله وفق ما يغلب من معطيات في هذا الاطار. والعامل الاخر يتصل بسفراء اللجنة الخماسية الذين على رغم الرسالة التي يوجهونها عبر اجتماعاتهم الدورية بعدم ترك لبنان وحيدا ووجود مجموعة من الدول الصديقة لمساعدته، فان المعطيات الديبلوماسية تجزم بعدم وجود قرار فعلي لدى المجموعة في الوقت الراهن يساعد في حسم الاتجاهات.

لا بل ان اجتماعات اللجنة يخشى انها بدأت تنعكس عليها سلبا من حيث عدم التعويل عليها من القوى السياسية في اتجاه اي مؤشر يظهر قدرتها على المساعدة في انجاز الاستحقاق الرئاسي كما من حيث اثارة احباط لدى اللبنانيين ازاء عجز خمسة من الدول الصديقة المؤثرة والفاعلة اقليميا ودوليا عن المساهمة في التقدم ولو خطوة واحدة خلال ما يزيد على سنة ونصف من اجتماعاتها تقريبا على هذا النحو.

الموقف شبه الموحد في مجلس النواب وتوصياته في موضوع النزوح السوري وان كان يوجه رسالة قوية متعددة الاتجاهات في اتجاه الاتحاد الاوروبي كما في اتجاه النظام السوري او في اتجاه الحكومة اللبنانية ومنحها غطاء قويا لقرار سياسي اتخذ من اجل القيام بما يتعين عليها القيام به، على رغم انها حكومة لتصريف الاعمال، فانه لا يعطي اي مؤشر راهنا على امكان ترجمة ذلك في اتجاه الالتقاء لانهاء الشغور الرئاسي . وذلك على رغم ان التوافق الذي حصل يدحض مجموعة امور تتمسك بها القوى السياسية من باب عدم نضوج موضوع الانتخابات والذهاب الى انتخاب رئيس وانهاء الازمة السياسية في البلد.

فموضوع النازحين بات خانقا ومحرجا لكل القوى التي تريد ان تظهر انها تبذل جهدها. ولكن تبقى العبرة في المتابعة والتنفيذ اقله في ما يتعلق بالشق الداخلي ، وهو امر مشكوك فيه كما في القدرة على توظيف القرار السياسي لمصلحة لبنان في الخارج الذي لديه حسابات اخرى اكان النظام السوري او اوروبا ايضا.