لا بدلات الإنتاجية لمتعاقدي "اللبنانية" ولا تفرّغ: نفاد الصبر

لولا الوعود بإقرار تفرّغهم في الجامعة اللبنانية، لكانت قامت قائمة جميع الأساتذة المتعاقدين فيها، بعد قرار حرمانهم من بدلات الإنتاجية بالدولار، وتوقف التعليم في الجامعة. فما يجعل الأساتذة يقضمون غيظهم، بعد قرار حرمانهم من بدلات الإنتاجية، أنهم موعودون بالتفرغ. هذا رغم شعورهم بأن تحقيق هذا المطلب المزمن أشبه بالأحلام، يقول أساتذة لـ"المدن".

حق العبد بالمأكل
منذ قرار عدم شمولهم ببدلات الإنتاجية، بخلاف زملائهم في الملاك الذين سيتلقون 650 دولاراً بالشهر كإنتاجية، بدأ امتعاض المتعاقدين بالتصاعد. وصدرت منذ أيام دعوات من أساتذة بشكل متفرق لتنفيذ إضراب مفتوح والامتناع عن التعليم، لأن "الأستاذ المتعاقد بالساعة في الجامعة اللبنانية ضاق ذرعاً بالسخرة القسرية المفروضة عليه.. للعبد حين يعمل حق المأكل والمشرب، والمتعاقد يعمل ولا يستطيع تأمين قوته اليومي"، كما جاء في أحد البيانات.
لكن مساء أمس الأربعاء، وبعد نقاشات وخلافات، واستبيانات، قرر نحو مئتي أستاذ متعاقد الامتناع عن التدريس يوم الخميس المقبل في 23 تشرين الثاني الجاري. وذكروا في بيان صدر عنهم صباح اليوم الخميس، أن لجنة الأساتذة المتعاقدين تنتظر إقرار ملف التفرغ، فيما رابطة الأساتذة المتفرغين غير معنية بشؤون 3 آلاف متعاقد، وإدارة الجامعة تفتقر إلى الأموال الكافية لتوزيعها بشكل عادل بين أساتذة الملاك والتعاقد.

هذا القرار الذي اتخذه أكثر من مئتي أستاذ، يقتصر على رأي لجنة واحدة تضم نحو ستمئة أستاذ، من أصل 3300 متعاقد. واستفتاء رأي الأساتذة بهذه المجموعة كان عملياً على خيار وحيد، هو الامتناع عن التعليم ليوم واحد، وليس الاضراب المفتوح، كما يشرح أحد الأساتذة الذين شاركوا في الاستبيان. وكشف أن الاستبيان لم يلق موافقة العديد من الأساتذة في المجموعة من الراغبين بإعلان الإضراب المفتوح وعدم الاكتفاء بخطوة تنفيسية.

لجنة غير منتخبة
يشكو أساتذة متعاقدون من أن اللجنة الحالية التي تتفاوض باسم أكثر من 3 آلاف متعاقد غير منتخبة، ولا تمثل كل فروع الجامعة. ويشرحون أن الأحزاب وإدارة الجامعة ورابطة الأساتذة السابقة ساهمت في تكريس الانقسامات التي حصلت بين المتعاقدين، وأدت إلى انفراط عقد اللجنة المنتخبة التي كانت تطالب بحقوقهم منذ بضعة سنوات. ويتهمون اللجنة الحالية، التي لا تمثل كل الفروع، بأنه مسيطر عليها من حركة أمل. ما يعزز الشقاق بين الأساتذة في مختلف الفروع. 

إلى هذه الانقسامات بين المتعاقدين، يضاف شرخ كبير بين المتعاقدين أنفسهم وأساتذة الملاك، يقول أساتذة لـ"المدن". ويتهمون رابطة الأساتذة الحالية بأنها عملت لمصلحة الأساتذة في الملاك وأمنت لهم بدلات الإنتاجية، فيما هم حرموا منها لقاء رفع أجر ساعاتهم ليصبح بين 800 ألف ومليون وأربعمئة ألف ليرة، حسب رتبة الأستاذ. وبدلات أتعابهم هذه تحصل كل سنتين مرة، ما يعني عدم قدرتهم على تأمين لقمة عيشهم. فيما كانوا ينتظرون بدلات الإنتاجية بالدولار، لأنها تدفع شهرياً وتمنحهم الحد الأدنى من الاستقرار الوظيفي.

التمييز بين أساتذة الملاك والمتعاقدين
ويشير أساتذة إلى تمييز فاضح بينهم وبين أساتذة الملاك، رغم أن الجامعة تقوم على أكتاف المتعاقدين الذين يشكلون ثمانين بالمئة من الهيئة التعليمية. ما يعني أن لا تعليم في الجامعة من دون المتعاقدين. ويقولون إنه كان على الرابطة الضغط على إدارة الجامعة لإبقاء بدلات الإنتاجية للمتعاقدين، وأن تكون مثلها مثل أساتذة الملاك، إضافة إلى رفع أجر الساعة، كي تكون بدلات أتعابهم موازية لنصف ما يتقاضاه أساتذة الملاك. فهم يعلّمون في الجامعة مثلهم مثل أساتذة الملاك، والفرق الوحيد بينهم هو التسمية. لا بل إن العديد منهم يعلّمون ساعات أكثر من أساتذة الملاك.
ويلفت الأساتذة إلى أن وعدهم بإقرار ملف التفرغ لا يحل مكان بدلات الإنتاجية. ففي حال أقر ملف التفرغ، وهو مستبعد في ظل رفض القوى المسيحية له، لن يفرّغ أكثر من ربع المتعاقدين. ويسألون: ماذا يفعل باقي الأساتذة غير المشمولين بالتفرغ، وكيف يعيشون؟

خطايا رابطة الأساتذة
ويقول أساتذة في مجلس المندوبين لرابطة الأساتذة أن الهيئة التنفيذية للرابطة أخطأت بعدم احتضان المتعاقدين وعدم المطالبة بمنحهم الحقوق عينها لأساتذة الملاك لناحية بدلات الإنتاجية. كان من الأفضل دعوة الأساتذة المتعاقدين لانتخاب ممثلين عنهم، لدعوتهم لحضور اجتماعات الهيئة التنفيذية لتنسيق الخطوات معهم في سبيل تنفيذ مطالبهم.

ويسأل أحد الأساتذة المشككين بطريقة عمل الرابطة الحالية: كيف لنقابي يحتل منصباً رفيعاً في رابطة الأساتذة أن يكون في الوقت عينه محامياً لشركة طيران الشرق الأوسط؟ فهذه الشركة حرمت الجامعة من مبلغ 50 مليون دولار كانت بأمس الحاجة لها، وكان بإمكان الجامعة دعم جميع الأساتذة ببدلات إنتاجية أيضاً. بمعنى آخر، لا يمكن لهذا النقابي ادعاء الدفاع عن الجامعة وأستاذها، فيما هو محام للشركة التي حرمت الجامعة من أموال فحوص كورونا، ولا تريد تنفيذ القرار القضائي بهذا الشأن.

حلول خلّاقة لملف التفرغ
أما حول ملف التفرغ الموعود، فيقول أحد المتابعين له أن هناك طريقة خلّاقة يعمل عليها حالياً ترضي جميع الأساتذة المستحقين، رافضة الكشف عن تفاصيلها قبل أن تنضج. لكن يشكك أساتذة في كيفية إدارة هذا الملف ورسوه على بر الأمان. فعدد الأساتذة المتعاقدين من الطوائف المسلمة طاغياً، ولا سيما من الطائفة الشيعية. والمسيحيون لن يقبلوا بملف تفرغ غير قائم على المناصفة مع المسلمين، أو غير "متوازن"، كما يقال في أروقة الجامعة، كلغة تخفيفية، لهذه المأساة التي تعاني منها "جامعة الوطن". لكن الحجة المقابلة لهذه "المعضلة المسيحية" في الجامعة أن لا ذنب ارتكبه الأساتذة المستحقون من الطائفية الشيعية، لأن طائفتهم تشكل الأغلبية في الهيئة التعليمية. ويقول أحد أساتذة الفرع الثاني، المصنف مسيحياً: ما ذنب الشيعة إذا كان النقص في الفرع الثاني سيغطى بأستاذ متعاقد من الطائفية الشيعية يعلم في هذا الفرع، أو لا يوجد أستاذ مسيحي لتغطية هذا النقص؟