لبنان أمام معركة "وعرة" في مجلس الأمن

جاء في الراي الكويتية: لم يكن التمديد «الروتيني» لانتداب القوة الدولية العاملة في جنوب لبنان أواخر كل أغسطس، على مدى نحو 45 عاماً، يحظى باهتمام ما فوق عادي في بيروت... فالأهمّ كانت الإحاطة التي يدلي بها الأمين العام للأمم المتحدة مع هذا الاستحقاق السنوي عن الظروف التي تحوط عمل رجال القبعات الزرق على «الفالق» اللبناني - الإسرائيلي الذي يخمد حيناً ويشتعل أحياناً.

 

بعد حرب الـ 33 يوماً في يوليو عام 2006 وتعزيز القوة الدولية ومهماتها في ضوء قرار مجلس الأمن الرقم 1701، أصبح لتقرير الأمين العام للمنظمة الدولية وقعاً بالغ الحساسية، خصوصاً مع جنوح إسرائيل الدائم في اتجاه الضغط لحمل «اليونيفيل» المعزَّزة على القيام بدور أكثر صرامة، واستخدام لبنان لشبكة علاقاته الدولية لإبقاء الستاتيكو الحالي في الجنوب على حاله تفادياً لاستفزاز «حزب الله».

فمع انتهاء حرب يوليو الـ 2006، في الرابع عشر من أغسطس في العام عينه، عملت القوة الدولية بالتعاون مع الجيش اللبناني، على فرض إيقاع أمني وفق مندرجات الـ 1701 الذي يتحدث عن مهمة «اليونيفيل» وزيادة عديدها إلى 15 ألف عنصر، على أن ترافق وتدعم القوات المسلحة اللبنانية (الجيش).

 

ورغم حصول حوادث محدودة وصِدامات بين القوة الدولية أثناء تحركها وبين ما اصطُلح على التعبير عنه بـ «الأهالي» - وهي تسمية أطلقت على تحركات شعبية مدعومة من «حزب الله» ضد دوريات لـ«اليونيفيل» - وتوتراتٍ أمنية مع إسرائيل، لم يُسجل أي تعديل في مهمة القوة الدولية.

 

وكان رؤساء الجمهورية أو الحكومات المتعاقبة يطلبون التجديد التلقائي لـ«اليونيفيل» مشددين على عدم تعديل مهماتها. إلى ان جاء التجديد العام الفائت، ليضيف في الفقرة 16 من نص التمديد في القرار الرقم 2650 أن «القوة الموقتة، بموجب الاتفاق المتعلق بمركز قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان والمبرم بين لبنان والأمم المتحدة، لا تحتاج إلى ترخيص أو إذن مسبق للاضطلاع بالمهام الموكلة إليها، وانها مأذون لها بالاضطلاع بعملياتها بصورة مستقلة».

 

جرى التعديل لمهمات القوة الدولية، وكان لبنان مازال في ظل شرعية رئيس الجمهورية ميشال عون وحكومة الرئيس نجيب ميقاتي. وما أن صدر القرار حتى بدأت الاعتراضات ولا سيما من جانب «حزب الله»، على التعديل الذي يعطي لـ «اليونيفيل» حرية حركة على أرض الـ 1701 أي جنوب الليطاني، وهو الأمر الذي كان يشكل دائماً محور كباش بين الحزب – الأهالي، والقوة الدولية.

 

ودان «حزب الله» هذا التعديل، وقال ميقاتي حينها إنه لم يتبلغ من بعثة لبنان الدائمة في الأمم المتحدة أي نية للتعديلات، في حين ان الخارجية اللبنانية أعلنت انها أبلغت بعثتها رفض التعديلات.

 

في هذا الوقت سرت معلومات عن أن لبنان كان طلب شطب مرجعية القرارين 1559 و1680 في متن قرار تجديد «اليونيفيل» ما فتح شهية الآخرين... لكن الخارجية نفت ذلك مؤكدة احترام لبنان لجميع قرارات مجلس الأمن.

 

ولفتت في حينه إلى أن «القرار الذي صدر عن مجلس الأمن والذي تم بموجبه التجديد لليونيفيل يتضمن لغة لا تتوافق مع ما ورد في اتفاق الإطار الذي وقعه لبنان مع الأمم المتحدة، وقد اعترض لبنان على إدخال هذه اللغة».

ورغم صدور القرار الدولي، إلا أن قيادة «اليونيفيل» في لبنان قامت بجولة اتصالات ولقاءات لتهدئة ما تَرَتَّبَ على التعديل، مؤكدة تعاونها مع الجيش في إتمام مهامها.

 

علماً أن الجيش على تنسيق دائم مع القوة الدولية عند حصول أي حادث أمني أو خرق إسرائيلي، كما كان على تنسيق معها بعد مقتل الجندي الإيرلندي في ديسمبر من العام الماضي، رغم أن الحادث وقع خارج إطار عمل القوة الدولية.

 

وهناك وقائع حول تنسيق ودعم القوة الدولية للجيش في منطقة عملياتها ولا سيما بعدما خفف الجيش من عديده في الجنوب إبان تظاهرات 17 أكتوبر 2019 وانفجار مرفأ بيروت (4 أغسطس 2020) وحاجاته إلى زيادة عديدة في الداخل. إضافة إلى أن حجم الصعوبات المالية التي يواجهها الجيش بعد انهيار الوضع المالي وانعكاس ذلك على قدراته العسكرية المباشرة، زاد التعاون بينه وبين القوة الدولية عملانياً.

 

منذ أشهر تعمل وزارة الخارجية بايعاز من رئيس حكومة تصريف الأعمال على تعديل الفقرة التي أضيفت إلى نص القرار الدولي والعودة إلى ما كانت عليه سابقاً وتكريس حق لبنان في مرافقة عمل القوة الدولية. وفي الأسبوع الماضي، وخلال جولة قام بها الجيش مع سفراء الدول الخمس ذات العضوية الدائمة في مجلس الأمن برفقة مفوض الحكومة لدى «اليونيفيل» العميد منير شحاده (سينضم إلى وفد لبنان في الأمم المتحدة)، كان تأكيد على التنسيق الدائم مع القوة الدولية.

 

لكن في المقابل، فإن ما أشار إليه شحاده حول الخروق الإسرائيلية على «الخط الأزرق»، أرفق بتأكيد الحديث عن «تثبيت الحدود وإظهار للحدود اللبنانية وليس ترسيم الحدود».

 

كما طرح موضوع بلدة الغجر، مؤكداً توجيه «مراسَلة الى الأمم المتحدة تقول إن ما يسمى بالجزء الشمالي لقرية الغجر أصبح اسمه خراج بلدة الماري»، وهذا يعني عشية مناقشة الأمم المتحدة للتقرير الأممي، ان لبنان في صدد التحضير لمقاربة التجديد لـ«اليونيفيل» من زوايا سياسية وأمنية وعسكرية مختلفة.

 

إذ إن التجديد يأتي في نهاية سنة حفلت بتطورات عسكرية جنوب لبنان، منها إطلاق صواريخ على إسرائيل وتهديدات متبادلة بينها وبين و«حزب الله».

 

لكن العِبرة تبقى في أن العبارة التي يريد لبنان إزالتها والعودة إلى النص الذي كان معتمداً سابقاً، لن تكون بالسهولة التي يتصورها، لأن الأسباب التي أدت إلى إضافتها مازالت قائمة بالنسبة إلى مَن كان وراءها. والمعركة ستكون بين اتجاهين في الأمم المتحدة، سيكون لبنان في خضم مواجهتهما.

 

وفي حين بدأت وزارة الخارجية لقاءات مع سفراء الدول المعنية، يبقى التعويل من جانب لبنان على فرنسا كوسيط مع الولايات المتحدة الساعية إلى إبقاء التعديلات الأخيرة على ما هي عليه، وعلى الصين وروسيا اللتين تقفان عادة إلى جانب بيروت في رفض تغيير قواعد الاشتباك، رغم انهما لم تستخدما حق الفيتو العام الماضي ضد توسيع مهام «اليونيفيل».