لبنان يحضر لتفاهم يبدأ فور التهدئة في غزة

تبرز مصادر ديبلوماسية اجنبية الجهود الديبلوماسية التي تبذل على اكثر من مستوى في اتجاه دول المنطقة وفي شكل خاص ايضا في اتجاه لبنان من اجل منع توسع القتال الذي تراه دول عدة احتمالا لا يمكن تجاهله او اهماله. وهي لذلك اختارت التواصل المباشر مع الافرقاء المعنيين والديبلوماسية الهادئة المتعددة المستويات.

وتدرج الزيارات الديبلوماسية لمسؤولين اوروبيين استبقوا وصول كبير المستشارين للرئيس الاميركي جو بايدن آموس هوكشتاين بزيارة بيروت من ضمن التعبير عن حجم الثقل الذي تساهم فيه جهات خارجية عدة لمنع توسع القتال ومنح الاطراف المعنيين الاهمية التي يستحقون على نحو يرضي طموحهم في هذا الاطار.

والاكثر تعبيرا في هذا الاطار سجل في تخصيص مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي جوزيب بوريل "حزب الله" بلقاء مع وفد منه برئاسة رئيس كتلته النيابية النائب محمد رعد من دون سائر القوى السياسية اللبنانية على غير عادة الزوار الديبلوماسيين الذي يحرصون على شمول غالبية القوى الرئيسية بلقاءات مع قادتها الى جانب اللقاءات الرسمية مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي وقائد الجيش العماد جوزف عون. بوريل الذي انتقل من لبنان الى دول الخليج التقى وزير الخارجية الاميركي انتوني بلينكن في المملكة السعودية على اثر لقاءاته اللبنانية. والرسالة التي ترجمتها زيارة بوريل تستند الى الشكل بمقدار استنادها الى المضمون الذي افصح عنه هو بنفسه حول الجهود لمنع توسع الحرب .

لكن الرسالة من حيث الشكل بحسب مصادر ديبلوماسية واضحة واريد لها ان تكون كذلك بتخصيص الحزب وحده بلقاء مماثل من دون التغطية عليه بلقاءات مماثلة مع القوى الاخرى على نحو يراد منه امران: الاول ان اللقاء يتصل بواقع الاقرار العلني ومن اعلى المسؤولين في الاتحاد الاوروبي بان "حزب الله" يملك قرارا اساسيا لا بل القرار الرئيسي وهو الطرف الوحيد المعني في ما خص ما يتم بحثه في الزيارات الديبلوماسية للبنان في الاشهر الثلاثة الماضية اي منع توسع الحرب في غزة الى لبنان وتاليا الى المنطقة. والامر الثاني يتصل بتحميله المسؤولية تبعا لذلك عن هذا القرار وما يمكن ان يتجه اليه لبنان والمنطقة في حال عمل الحزب على الانخراط بحرب اكثر شمولا مما يجري في الجنوب منذ 8 تشرين الاول الماضي. فهذه الرسالة بشقيها لم تكن في دائرة تضييع الهدف منها وحصرها بما يقع في جوهر الموضوع فيما ان التوجه الى الحزب بهذا الشكل انما يعزز موقعه التفاوضي بما يسمح له ان يرفع من سقف الاثمان الذي يطالب بها.

وقد لا يريح ذلك افرقاء لبنانيين كثيرين في الوقت الذي لا يعتبر معظمهم ان الهدف المعلن للحرب اي مشاغلة اسرائيل عن حربها الضروس ضد غزة ليس هو الهدف الحقيقي بمقدار ما هو يقع في اطار خدمة اهداف ايران وتمكينها من ان تكون من ضمن ابرز الدول التي تفاوض على دورها في المنطقة خصوصا في موقعها التي باتت تشغله على البحر المتوسط عبر امتداداتها في دول عربية على غرار لبنان. وواقع ان يتولى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الاوروبي ايصال هذه الرسالة المزدوجة الى "حزب الله" في الشكل او في المضمون كذلك من شأنه ان يمهد للدور القيادي الذي تلعبه الولايات المتحدة على هذا الصعيد من دون انخراطها في التحاور مع الحزب على نحو مباشر من دون ان يعني ذلك عدم اقرار واشنطن بالدور الذي يقوم به الحزب وموقعه الرئيسي او الوحيد في القرار في الوقت الذي يتهما ديبلوماسيون بانها لا تمانع في ذلك لاعتبارين اساسيين احدهما ان الاولوية تبقى لحماية وضمان امن إسرائيل والثاني ان البراغماتية الاميركية تتيح لها التحاور ولو غير المباشر مع الطرف الاقوى والذي يستطيع ان يعطي to deliver ) وفيما ان المسؤولين الرسميين يمعنون في اغداق المواقف المتعلقة بالرغبة في التفاوض وتحديد الشروط لتنفيذ القرار 1701، فانما على سبيل الدور المفترض ان يقف وراءه الحزب مع الاميركيين على رغم ان مجمل هذه المواقف يبقى متعلقا بالهامش الذي يمنحه الحزب لهم ومدى حاجته اليهم ليس الا تماما على غرار ما كانت الحاجة للدولة اللبنانية في التفاهمات السابقة من تفاهم نيسان 1996 الى 2006 على رغم ان دور الدولة كان في السابق اكثر محورية والى حد لا بأس به على غير ما هي الحال راهنا.

وهذا ليس تقليلا من موقع المسؤولين الرسميين او من قدراتهم بل ان الامر يرتبط بواقع احتكار الحزب لقرار الحرب والسلم في لبنان واستحواذه على القدرة التي تقيد اهل السلطة عن الاخذ في الاعتبار كل اراء القوى السياسية ومواقعها ومصلحة لبنان في الدرجة الاولى.

وعلى رغم اعلان الحزب بانه يرفض النقاش قبل انهاء الحرب على غزة، فان المصادر تكشف انه عملانيا يتم تحضير الارضية للتفاهم الجديد الذي يقضي ببدء تطبيقه فور دخول التهدئة في غزة قيد التنفيذ والذي يفيد في خلاصته وفق ما هو متوقع، بعدم خروج اي من طرفي النزاع خاسرين لا سيما اذا كان المطلوب اسرائيليا تراجع الحزب بضعة كيلومترات الى الوراء لقاء تثبيت الحدود البرية او بضع نقاط عالقة لا تزال قائمة على الخط الازرق علما ان موضوع الحدود البرية اثير مع هوكشتاين في الصيف المنصرم قبل الحرب على غزة.

ولكن مقتضيات التفاهم الجديد يفترض تأمين مكاسب يمكن التفاخر بها داخليا وحتى خارجيا لاعتبارات متعددة بقواعد اشتباك جديدة تتأمن من خلالها مصالح الجانبين اي اسرائيل و" حزب الله".