"مأثرة" جديدة للقضاء اللبناني تصدم العراق: الإفراج عن المجرمين

يبدو حتى اللحظة، أن طيف المدعي العام التمييزي السابق، القاضي المتقاعد غسان منيف عويدات، لا يزال حاضرًا في عشرات الملفات القضائية التي مرّت على النيابة العامة التمييزية في السنوات الخمس الأخيرة، وفي سائر القضايا الخطيرة ومنها العادية.

ولم يعد مستغربًا القول، إن بعض القرارات القضائية التي اتخذت على امتداد السنوات الماضية، ساهمت بتأجيج الغضب الشعبي اللبناني والعربي أيضًا، وأدت إلى استياء بعض الدول العربية من تعاطي السلطة القضائية اللبنانية في بعض الملفات، وكان آخرها القضاء العراقي الذي حضر إلى لبنان لمتابعة بعض القضايا الحساسة. 

"ترك جميع الموقوفين!"
ففي جديد المعلومات القضائية، زار وفد عراقي، النيابة العامة التمييزية منذ حوالى الشهر، لمتابعة قضية مجموعة من المطلوبين للقضاء العراقي، الذين جرى توقيفهم داخل الأراضي اللبنانيّة.

والغاية من هذه الزيارة الرسمية هي معرفة الأسباب التي منعت القضاء اللبناني من الإجابة على مجموعة من الاستنابات القضائية التي حولّها القضاء العراقي في الفترة الماضية، حين طلب من الجانب اللبناني التعاون معه وتسليمه جميع المطلوبين للقضاء العراقي الذين جرى توقيفهم على الأراضي اللبنانية، بعدما تبين أنهم مطلوبون بمذكرة توقيف دولية معممة عبر النشرة الحمراء بواسطة الإنتربول الدولي.

لم يحصل القضاء العراقي على أي إجابة من الجانب اللبناني، أو بمعنى أوضح، تجاهل القضاء اللبناني هذه الاستنابات، ما دفع بوفد عراقي إلى زيارة النيابة العامة التمييزية لمتابعة مستجدات هذه القضية والحصول على ردّ رسميّ وتوضيحيّ. لكن، ما حصل لم يكن متوقعًا، إذ تبلّغ الوفد العراقي أنه وفي عهد عويدات تُرك جميع المطلوبين (20 مطلوبًا) رهن التحقيق بسبب تأخر وصول ملفات استردادهم من العراق عن الموعد المتفق عليه، ولا معلومات جديدة عنهم. 
وهذا ما يذكرنا بمأثرة أخرى، حين قرر عويدات إخلاء سبيل جميع الموقوفين بقضية تفجير مرفأ بيروت. 

غضب واستياء!
وحسب معلومات "المدن"، فإن هذا الردّ شكل صدمة لدى السلطات العراقية التي وضعت أملًا كبيرًا بالسلطات اللبنانية حين تمكنت من إلقاء القبض على المطلوبين وتوقيفهم، خصوصًا أن بعض المطلوبين يلاحقون بجرائم إرهابية خطيرة. من أجل ذلك، تصدرت هذه القضية اهتمام السلطات العراقية، التي سعت إلى ملاحقتهم بهدف التحقيق معهم ومعاقبتهم والكشف عن ملابسات الجرائم التي ارتكبوها.

آنذاك، كان عويدات مدعيًا عامًا تمييزيًا، وجرت مخابرته، فأمر بتوقيفهم واستجوابهم. وكان من المفترض أن يستمر القضاء اللبناني بتوقيفهم حتى وصول ملف استردادهم من السلطات العراقية، ومن ثم يسلموا للقضاء العراقي. وعلى ما يبدو أن النيابة العامة التمييزية تعاطت باستنسابية في هذا الملف، فالقاضي عماد قبلان كان مسؤولًا عن متابعة ملف الإنتربول الدولي، وتُرك جميع المطلوبين للقضاء العراقي رهن التحقيق، وصادرت النيابة العامة التمييزية جوازات سفرهم ومنعتهم من السفر، لكن هذا الإجراء لم يطبق على جميع الموقوفين. فمجموعة أخرى من المطلوبين تركوا رهن التحقيق من دون مصادرة جوازات سفرهم، فغادروا الأراضي اللبنانية وهربوا من الملاحقة! لهذا وضعت الدولة العراقية الكثير من علامات الاستفهام حول تعاطي النيابة العامة التمييزية مع هذا الملف!  

للتوضيح أكثر، في عهد عويدات اعتادت النيابة العامة التمييزية ترك أي مطلوب بنشرة حمراء معممة عبر الإنتربول رهن التحقيق -في حال تأخر ملف استرداده- بحجة اكتظاظ النظارات والسجون بالموقوفين. لكن، هذا الأمر يطبق على الجرائم العادية فقط، ومن الصعب تطبيقه على الجرائم الخطيرة، فلا يمكن ترك المطلوب دوليًا والمعممة بحقه نشرة حمراء بواسطة الإنتربول الدولي بجرائم خطيرة كالقتل وقضايا اختلاس أموال الدولة والمخدرات أو تهريب الكبتاغون من بلد إلى آخر أو الإرهاب! لذلك، هذا الملف وضع القضاء اللبناني بحالة حرجة أمام السلطات العراقية التي تلقت هذا الخبر باستياء كبير.

اختلاس وقتل..
وحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، فإن بعض المطلوبين يلاحقون بجرائم اختلاس وسرقة ملايين الدولارات من أموال الدولة العراقية، ومن بينهم: "عبد المهدي توفيق مهدي، علاء خلف مروان العمر". كما أن المطلوب حيدر العبود يُلاحق بتهمة الإرهاب وهو متهم بجريمة قتل شاب عراقي لا يتجاوز الثامنة عشر من عمره. وبعد تسريب خبر ترك جميع الموقوفين، حضرت عائلة القتيل إلى بيروت وتقدمت بدعوى شخصية أمام القضاء اللبناني، لمطالبته بتعميم صورة القاتل وإعادة إلقاء القبض عليه وتسليمه للقضاء العراقي لمحاسبته.

وواقع الحال، حاول القضاء اللبناني تبرير ما حصل للسلطات العراقية. وحسب المعلومات التي حصلت عليها "المدن"، "جميع الحُجج لم تكن مقنعة"، فالجانب العراقي يعتبر أن ترك جميع المطلوبين رهن التحقيق ومصادرة جوازات سفرهم تحت ذريعة تأخر وصول ملف استردادهم من القضاء العراقي في الوقت المحدد، ليس كافيًا. فالمجرم سيحاول الهروب من لبنان بجواز سفر مزور أو بأساليب أخرى غير قانونية، وهذا الأمر يحصل بشكل دائم في العديد من البلدان. من جهة أخرى، تفاجأت السلطات العراقية من استسهال القضاء اللبناني في تعاطيه مع هكذا ملفات حساسة، معتبرةً أن ترك مجموعة من المطلوبين رهن التحقيق، هو بمثابة إعطائهم الحرية للتنقل داخل الأراضي اللبنانية كيفما أرادوا. وهذا الأمر يشكل خطرًا كبيرًا على جميع اللبنانيين. إذ من الممكن أن يرتكبوا جرائم عديدة داخل الأراضي اللبنانية، خصوصًا أنهم يلاحقون بجرائم قتل وإبتزاز وإرهاب!

وتعليقًا على هذا السجال، أوضح مصدر قضائي لـ"المدن" "أن هذا الإجراء طُبّق في عهد عويدات، وبعد تكليف القاضي جمال الحجار بمهام المدعي العام التمييزي منع جميع قضاة النيابة العامة التمييزية من ترك أي مطلوب دولي رهن التحقيق أو إخلاء سبيله. وبات حريصًا بشكل كبير على تسليمه إلى القضاء المطلوب إليه فور وصول ملف استرداده".

مصادر قضائية أخرى اعتبرت أن هذا الأمر "ليس مخالفًا للقانون" تحت ذريعة أن العديد من الدول الأخرى ترفض احتجاز أي ملاحق بمذكرة توقيف دولية لفترة طويلة في سجونها في حال تأخر ملف استرداده، وأن مصادرة جواز سفره ومنعه من السفر هو إجراء مناسب لمنعه من مغادرة الأراضي اللبنانية. 

باختصار، يبقى الخوف الأساسي من أن تتحول الدولة اللبنانية إلى مملكة للإفلات من العقاب، وأن تصبح أرضها ملاذًا آمنًا لاستقبال القتلة والمطلوبين والفارين من العدالة واللصوص والإرهابيين أيضاً!